الطبيعي هو أن الإنسان – البحريني وغير البحريني – يقرأ بعينيه، يضع المادة المقروءة أمامه، وينظر ويقرأ ومن ثم يفهم بحسب قدراته في الفهم حيث قدرات البشر المتفاوتة في كل شيء. أما غير الطبيعي فهو أن يقرأ الإنسان بأذنيه، لأن حاسة الأذن للسمع وليست للنظر والشوف، لذا تعتبر مسألة خارقة للعادة قراءة بعض البحرينيين للمادة المكتوبة بآذانهم!
للأسف صار لدينا اليوم الكثير من الذين يقرؤون بآذانهم وليس بأعينهم، فالواحد من هؤلاء لا يتعب نفسه ويقرأ مقالاً لكاتب أو تصريحاً لمسؤول ولكن يعتمد على الاستماع إلى ما ينقله إليه الآخرون، وبناء عليه يقول إن فلاناً كتب مقالاً مسيئاً أو قال كلاماً مسفاً، وينشر ذلك الكلام ويتناقله العالم قبل أن يكتشفوا أن الواقع أمر مختلف.
لأبدأ بهذه الحكاية الواقعية التي حدثت معي في صحيفة «الوقت» قبل بضع سنوات، هاتفتني امرأة بحرينية تعتبر من ناشطات المجتمع، وقالت لي بلهجة المعاتب إنك كتبت تدافع عن المسؤول «الفلاني» فأنت منافق، وأنه لا تفسير لذلك سوى أنك تريد منه شيئاً، فسألتها إن كانت قد قرأت ما كتبت، فقالت إنها لم تقرأه ولكن نقل إليها، فعاتبتها وقلت هل يعقل أن تكوني محسوبة على المتنورات والمثقفات والمتعلمات وتصدرين حكماً على مقالة لم تقرئيها وتعتمدين في حكمك على ما نقل إليك؟ ثم طلبت منها أن تذهب الساعة وتقرأ المقال ثم تعاود الاتصال لأسمع رأيها، فاستجابت. في الاتصال التالي قالت إنها مخطئة وإن ما كتبته أنا صحيح مائة في المائة وعين الصواب ومنطقي!
في ذلك المقال كنت أرد على مقال أحد «السياسيين» كان قد نشره في واحد من المواقع الإلكترونية «الثائرة» وتناول فيه أحد المسؤولين فذكره بالاسم وذكر أسماء زوجاته وقصصاً سمعها عن زواجه وطلاقه وأموراً شخصية أخرى. في ذلك المقال سألت السياسي عما إذا كان يقبل أن أكتب عنه مقالاً وأشير إلى اسم زوجته أو أمه. المثير أن السياسي بعث لي بعدها رسالة إلكترونية اعترف فيها بخطئه واعتذر، بينما اعتمدت تلك «المثقفة» على ما نقل إليها.
اليوم أعاني نفس المشكلة، ألتقي بأشخاص صدفة فيبدؤون بانتقادي ويعبرون عن عدم ارتياحهم لبعض مواقفي فأسألهم إن كانوا يقرؤون ما أكتب فأفاجأ بقولهم إنهم لم يقرؤوها، ولكنهم سمعوا من يقول عنها هكذا أو أنهم سبق أن قرؤوا مقالاً أو مقالين لي، فأسألهم إن كان مناسباً إصدار حكم على كل مقالاتي من قراءة أحدها في فترة ما أو بناء على ما نقل إليهم فلا يجدون سوى ابتسامة مذلة يدارون بها تخلفهم.
نحن إذاً أمام ظاهرة غريبة، ملخصها الحكم على مواقف الأشخاص وتوجهاتهم، استناداً إلى ما ينقل إليهم، وليس استناداً إلى متابعة واستمرار في المتابعة فيتم إصدار حكم على الكاتب بناء على ما قاله الآخرون عنه أو بناء على مقال واحد قرؤوه في يوم أغبر. هل يمكن أن يكون هذا في البحرين حيث إن المتعلمين والمثقفين والمتنورين «على قفا من يشيل»؟!
ذات مرة حضرت جلسة لكاتب إماراتي كان يتحدث فيها عن ظاهرة نجيب محفوظ، وفوجئنا بمتداخل ينتقد الروائي المصري بحماس، فسأله المنتدي إن كان قد قرأ نجيب محفوظ، فقال نعم، فسأله إن كان قد قرأ رواياته كلها فأجاب بالنفي، فقال المنتدي إذن أنت لم تقرأه فعندما تقول إنك قرأت كاتباً فهذا يعني أنك قرأت كل أعماله، لا عملاً واحداً أو عملين أو سمعت من يقول عنه كذا أو كذا.
هذه معلومة مهمة علينا أن نستفيد منها فلا نصدر أحكاماً على الآخرين بناء على ما نقل إلينا عنهم، فحاسة السمع لا يمكن أن تكون للقراءة أبداً!
{{ article.visit_count }}
للأسف صار لدينا اليوم الكثير من الذين يقرؤون بآذانهم وليس بأعينهم، فالواحد من هؤلاء لا يتعب نفسه ويقرأ مقالاً لكاتب أو تصريحاً لمسؤول ولكن يعتمد على الاستماع إلى ما ينقله إليه الآخرون، وبناء عليه يقول إن فلاناً كتب مقالاً مسيئاً أو قال كلاماً مسفاً، وينشر ذلك الكلام ويتناقله العالم قبل أن يكتشفوا أن الواقع أمر مختلف.
لأبدأ بهذه الحكاية الواقعية التي حدثت معي في صحيفة «الوقت» قبل بضع سنوات، هاتفتني امرأة بحرينية تعتبر من ناشطات المجتمع، وقالت لي بلهجة المعاتب إنك كتبت تدافع عن المسؤول «الفلاني» فأنت منافق، وأنه لا تفسير لذلك سوى أنك تريد منه شيئاً، فسألتها إن كانت قد قرأت ما كتبت، فقالت إنها لم تقرأه ولكن نقل إليها، فعاتبتها وقلت هل يعقل أن تكوني محسوبة على المتنورات والمثقفات والمتعلمات وتصدرين حكماً على مقالة لم تقرئيها وتعتمدين في حكمك على ما نقل إليك؟ ثم طلبت منها أن تذهب الساعة وتقرأ المقال ثم تعاود الاتصال لأسمع رأيها، فاستجابت. في الاتصال التالي قالت إنها مخطئة وإن ما كتبته أنا صحيح مائة في المائة وعين الصواب ومنطقي!
في ذلك المقال كنت أرد على مقال أحد «السياسيين» كان قد نشره في واحد من المواقع الإلكترونية «الثائرة» وتناول فيه أحد المسؤولين فذكره بالاسم وذكر أسماء زوجاته وقصصاً سمعها عن زواجه وطلاقه وأموراً شخصية أخرى. في ذلك المقال سألت السياسي عما إذا كان يقبل أن أكتب عنه مقالاً وأشير إلى اسم زوجته أو أمه. المثير أن السياسي بعث لي بعدها رسالة إلكترونية اعترف فيها بخطئه واعتذر، بينما اعتمدت تلك «المثقفة» على ما نقل إليها.
اليوم أعاني نفس المشكلة، ألتقي بأشخاص صدفة فيبدؤون بانتقادي ويعبرون عن عدم ارتياحهم لبعض مواقفي فأسألهم إن كانوا يقرؤون ما أكتب فأفاجأ بقولهم إنهم لم يقرؤوها، ولكنهم سمعوا من يقول عنها هكذا أو أنهم سبق أن قرؤوا مقالاً أو مقالين لي، فأسألهم إن كان مناسباً إصدار حكم على كل مقالاتي من قراءة أحدها في فترة ما أو بناء على ما نقل إليهم فلا يجدون سوى ابتسامة مذلة يدارون بها تخلفهم.
نحن إذاً أمام ظاهرة غريبة، ملخصها الحكم على مواقف الأشخاص وتوجهاتهم، استناداً إلى ما ينقل إليهم، وليس استناداً إلى متابعة واستمرار في المتابعة فيتم إصدار حكم على الكاتب بناء على ما قاله الآخرون عنه أو بناء على مقال واحد قرؤوه في يوم أغبر. هل يمكن أن يكون هذا في البحرين حيث إن المتعلمين والمثقفين والمتنورين «على قفا من يشيل»؟!
ذات مرة حضرت جلسة لكاتب إماراتي كان يتحدث فيها عن ظاهرة نجيب محفوظ، وفوجئنا بمتداخل ينتقد الروائي المصري بحماس، فسأله المنتدي إن كان قد قرأ نجيب محفوظ، فقال نعم، فسأله إن كان قد قرأ رواياته كلها فأجاب بالنفي، فقال المنتدي إذن أنت لم تقرأه فعندما تقول إنك قرأت كاتباً فهذا يعني أنك قرأت كل أعماله، لا عملاً واحداً أو عملين أو سمعت من يقول عنه كذا أو كذا.
هذه معلومة مهمة علينا أن نستفيد منها فلا نصدر أحكاماً على الآخرين بناء على ما نقل إلينا عنهم، فحاسة السمع لا يمكن أن تكون للقراءة أبداً!