أصبح أكثرنا اليوم منشغلاً بالصورة الصغيرة في الشأن الداخلي، وهذا ليس عيباً، فأكثر ما يسيطر على أي مواطن هو الوضع الداخلي لوطنه، الأمن، الوضع السياسي، الإرهاب، معيشة الناس، الصحة، التعليم، الإسكان، الوضع الاقتصادي، والتجاري والمصرفي، وحتى العقاري.
كلها قضايا ننشغل بها كل يوم، وهذا قدرنا، نرتدي أحياناً منظاراً لنرى الوضع الداخلي، ونبقى داخل هذه الصورة ونتحرك داخلها، ونترك صورة أكبر قد تكون هي المحرك الرئيس للصورة الصغيرة، ونحن في منظارنا لا نرى إلا الأدوات فقط.
كتبت سابقاً عن اعترافات وتصريحات د.ماكس مانوارينج المحاضر في معهد الدراسات الاستراتيجية بكلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي التي أدلى بها حول ما تستخدمه أمريكا والغرب اليوم من الحروب المتطورة، أو الحروب التي لا تجعل جندياً أمريكياً يسقط ولا فرقاطة أمريكية تقصف، وإنما حروب تحقق الهدف، وتنهك البلد المستهدف، وتجعله في دوامة لا يستطيع الخروج منها مثلما يحدث في «مصر، وتونس، وليبيا» اليوم.
ما تستخدمه أمريكا و الغرب ليس فكرة أمريكية مبتكرة، فقد طرح الفكرة قبل قرون المفكر الاستراتيجي الصيني «سون وو»، الذي قال «إن من غير المجدي الدخول في حروب ضد قوة كبيرة أقوى من حيث السلاح بذات أسلحة العدو، بل عليك أن تستهدف وحدة المجتمع الذي أنتج هذه القوة من أجل تحطيم تماسك المجتمع، فإن انهيار القوة العسكرية يصبح متاحاً بمجرد انهيار التماسك المجتمعي، فأنت لا تواجه جيشاً، وإنما تحرك قوى داخل الدولة لتمزيق المجتمع من الداخل، وهنا تصل إلى الهدف، فلن تنفع القوة العسكرية عندها لو حصل هذا التحول».
ذات الموضوع طرحه الكاتب المصري أحمد عز الدين، في تحليل جميل للوضع في مصر، وقد استقيت بعض المعلومات من مقالته، فله الحق الأدبي.
أعتقد أن القارئ يتذكر ما طرحته سابقاً بخصوص هذا الموضوع، ولكن لخطورة ما يجري من مؤامرات خارجية ربما لا نشعر بها، أعيد طرح ذات الموضوع، كل ذلك على خلفية تصريحات نافي بيلاي حول «أملها» في أن تفتح البحرين مكتباً للمفوضية السامية لحقوق الإنسان كامل الصلاحيات للتصدي لقضايا حقوق الإنسان لوقف أية تجاوزات، أو كما قالت في التصريح.
جزء مما طرحه د. ماكس مانوارينج في محاضرته في الدولة العبرية هو أن حقوق الإنسان والمنظمات الدولية ستكون هي المدخل الرئيس للتغير في الدولة، بحيث تفقد أي دولة السلطة الداخلية بتفويض وقوة وضغط من المنظمات الأممية.
لست أعرف ما هو قرار البحرين أو ردها على بيلاي، ولا أعرف الموقف الرسمي، لكن إذا ما فتح مكتب كامل الصلاحيات في البحرين «وحتى الساعة لا أعرف طبيعة الصلاحيات»، فإن المسألة باعتقادي خطيرة، لسنا نحن ضد حقوق الإنسان إطلاقاً، بل إن الإسلام جاء بأفضل مما تأتي به بيلاي أو غيرها، لكن أن نفتح الأبواب للتدخلات الخارجية التي لا نعرف هدفها، ومع من تعقد الصفقات، فهذا أمر خطير للغاية في اعتقادي.
جزء من صورة الحروب غير المتماثلة نشاهده اليوم في مصر بشكل أكثر جلاء، حتى وإن ارتكبت السلطة هناك أخطاء، إلا أن ما يحدث في تقديري أكبر من أخطاء السلطة، وإنما استغلال لهذه الأخطاء كذريعة.
الخبير الأمني اللواء حسام سويلم «الذي خاض كل الحروب التي خاضتها مصر» قال لإذاعة «بي بي سي» قبل فترة بسيطة في وصف ما يحدث في مصر «وهو ذات السيناريو الذي يراد لأي دولة في المنطقة» إن «ما يحدث هو عملية شلل تدريجي للجهات الأمنية ووزارة الداخلية تحديداً، وتم استخدام كافة الوسائل إعلامياً وميدانياً ونفسياً، وتم الضغط على وزارة الداخلية داخلياً، وخارجياً».
وتطرق اللواء سويلم أيضاً إلى «موضوع وجود قوى خفية تعمل على كل ذلك، فبرغم زيادة أعداد رجال وزارة الداخلية منذ بداية الثورة بشكل لافت، ورغم تجهيزهم بأفضل عتاد وآليات وأجهزة، فإن الداخلية شبه عاجزة ومعطلة، وأفرادها في ارتباك دائماً، ولا يستطيعون التحرك بشكل مباشر، بل أصبحوا في حالة دفاع وتراجع».
كل هذه الصورة كانت مرشحة للحدوث في البحرين، أعود لأقول وأؤكد أن رب العباد سبحانه حفظ البحرين بحفظه، هذا أولاً.
ثانياً، ما جعل سيناريو البحرين يفشل كان من الداخل وبقوى مجتمعية، قبل الخارج من «درع الجزيرة» أو غيرها، جماهير الفاتح كانت قاصمة للظهر لمثل هذا المشروع، أي أن من وقف ضد تدحرج كرة الثلج، هي قوى مجتمعية شعبية مقابلة للخروج الطائفي، ولو أن كل هؤلاء الذين يشكلون الغالبية أخذوا موقف الحياد، أو دخلوا في عملية الانقلاب، لما استطاعت أية قوة أن توقف عملية الانقلاب في البحرين.
الرقم الذي غير المعادلة كان التجمع الأول لجماهير الفاتح، هذا من قلب الموازين، هذا الذي ساند الأمن، وجعل رجال الأمن يشعرون بالثقة، وأن هناك شارعاً كبيراً يقف مع القانون وسيادة الدولة وشرعية الحكم.
سيناريو مصر، وتونس، وليبيا، واليمن، كان ممكناً أن يحدث في البحرين لو أن الخروج لم يكن طائفياً وفئوياً، لكنه هو من أعاد التوازن المجتمعي، وأعاد رسم خارطة توازن القوى مجتمعياً وسياسياً، كانت جماهير الفاتح بكل فئاتها وأطيافها وأديانها.
البحرين لاتزال في دائرة الأحداث، حتى مع الحوار الذي يشعرنا أن نتائجه ستخرج حين نحال للتقاعد، وتصريحات الأمم المتحدة والأمريكيين، والإنجليز، دائماً ما تحمل تلاعباً بالألفاظ، فيشعر كل طرف في البحرين أن التصريح في جانب معه، وفيه جانب ضده، لعبة سياسية كبيرة، وهم أسياد التلاعب بالألفاظ والمسميات. على الجميع بمن فيهم الساسة، ومؤسسات الدولة الأمنية والجيش أن يطلعوا على تفاصيل الجيل الرابع من الحروب غير المتماثلة، وأيضاً على الشباب أن يتعرفوا على كل ما يجري من صورة أخرى كبيرة خارج إطار الصورة الصغيرة محلياً.
{{ article.visit_count }}
كلها قضايا ننشغل بها كل يوم، وهذا قدرنا، نرتدي أحياناً منظاراً لنرى الوضع الداخلي، ونبقى داخل هذه الصورة ونتحرك داخلها، ونترك صورة أكبر قد تكون هي المحرك الرئيس للصورة الصغيرة، ونحن في منظارنا لا نرى إلا الأدوات فقط.
كتبت سابقاً عن اعترافات وتصريحات د.ماكس مانوارينج المحاضر في معهد الدراسات الاستراتيجية بكلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي التي أدلى بها حول ما تستخدمه أمريكا والغرب اليوم من الحروب المتطورة، أو الحروب التي لا تجعل جندياً أمريكياً يسقط ولا فرقاطة أمريكية تقصف، وإنما حروب تحقق الهدف، وتنهك البلد المستهدف، وتجعله في دوامة لا يستطيع الخروج منها مثلما يحدث في «مصر، وتونس، وليبيا» اليوم.
ما تستخدمه أمريكا و الغرب ليس فكرة أمريكية مبتكرة، فقد طرح الفكرة قبل قرون المفكر الاستراتيجي الصيني «سون وو»، الذي قال «إن من غير المجدي الدخول في حروب ضد قوة كبيرة أقوى من حيث السلاح بذات أسلحة العدو، بل عليك أن تستهدف وحدة المجتمع الذي أنتج هذه القوة من أجل تحطيم تماسك المجتمع، فإن انهيار القوة العسكرية يصبح متاحاً بمجرد انهيار التماسك المجتمعي، فأنت لا تواجه جيشاً، وإنما تحرك قوى داخل الدولة لتمزيق المجتمع من الداخل، وهنا تصل إلى الهدف، فلن تنفع القوة العسكرية عندها لو حصل هذا التحول».
ذات الموضوع طرحه الكاتب المصري أحمد عز الدين، في تحليل جميل للوضع في مصر، وقد استقيت بعض المعلومات من مقالته، فله الحق الأدبي.
أعتقد أن القارئ يتذكر ما طرحته سابقاً بخصوص هذا الموضوع، ولكن لخطورة ما يجري من مؤامرات خارجية ربما لا نشعر بها، أعيد طرح ذات الموضوع، كل ذلك على خلفية تصريحات نافي بيلاي حول «أملها» في أن تفتح البحرين مكتباً للمفوضية السامية لحقوق الإنسان كامل الصلاحيات للتصدي لقضايا حقوق الإنسان لوقف أية تجاوزات، أو كما قالت في التصريح.
جزء مما طرحه د. ماكس مانوارينج في محاضرته في الدولة العبرية هو أن حقوق الإنسان والمنظمات الدولية ستكون هي المدخل الرئيس للتغير في الدولة، بحيث تفقد أي دولة السلطة الداخلية بتفويض وقوة وضغط من المنظمات الأممية.
لست أعرف ما هو قرار البحرين أو ردها على بيلاي، ولا أعرف الموقف الرسمي، لكن إذا ما فتح مكتب كامل الصلاحيات في البحرين «وحتى الساعة لا أعرف طبيعة الصلاحيات»، فإن المسألة باعتقادي خطيرة، لسنا نحن ضد حقوق الإنسان إطلاقاً، بل إن الإسلام جاء بأفضل مما تأتي به بيلاي أو غيرها، لكن أن نفتح الأبواب للتدخلات الخارجية التي لا نعرف هدفها، ومع من تعقد الصفقات، فهذا أمر خطير للغاية في اعتقادي.
جزء من صورة الحروب غير المتماثلة نشاهده اليوم في مصر بشكل أكثر جلاء، حتى وإن ارتكبت السلطة هناك أخطاء، إلا أن ما يحدث في تقديري أكبر من أخطاء السلطة، وإنما استغلال لهذه الأخطاء كذريعة.
الخبير الأمني اللواء حسام سويلم «الذي خاض كل الحروب التي خاضتها مصر» قال لإذاعة «بي بي سي» قبل فترة بسيطة في وصف ما يحدث في مصر «وهو ذات السيناريو الذي يراد لأي دولة في المنطقة» إن «ما يحدث هو عملية شلل تدريجي للجهات الأمنية ووزارة الداخلية تحديداً، وتم استخدام كافة الوسائل إعلامياً وميدانياً ونفسياً، وتم الضغط على وزارة الداخلية داخلياً، وخارجياً».
وتطرق اللواء سويلم أيضاً إلى «موضوع وجود قوى خفية تعمل على كل ذلك، فبرغم زيادة أعداد رجال وزارة الداخلية منذ بداية الثورة بشكل لافت، ورغم تجهيزهم بأفضل عتاد وآليات وأجهزة، فإن الداخلية شبه عاجزة ومعطلة، وأفرادها في ارتباك دائماً، ولا يستطيعون التحرك بشكل مباشر، بل أصبحوا في حالة دفاع وتراجع».
كل هذه الصورة كانت مرشحة للحدوث في البحرين، أعود لأقول وأؤكد أن رب العباد سبحانه حفظ البحرين بحفظه، هذا أولاً.
ثانياً، ما جعل سيناريو البحرين يفشل كان من الداخل وبقوى مجتمعية، قبل الخارج من «درع الجزيرة» أو غيرها، جماهير الفاتح كانت قاصمة للظهر لمثل هذا المشروع، أي أن من وقف ضد تدحرج كرة الثلج، هي قوى مجتمعية شعبية مقابلة للخروج الطائفي، ولو أن كل هؤلاء الذين يشكلون الغالبية أخذوا موقف الحياد، أو دخلوا في عملية الانقلاب، لما استطاعت أية قوة أن توقف عملية الانقلاب في البحرين.
الرقم الذي غير المعادلة كان التجمع الأول لجماهير الفاتح، هذا من قلب الموازين، هذا الذي ساند الأمن، وجعل رجال الأمن يشعرون بالثقة، وأن هناك شارعاً كبيراً يقف مع القانون وسيادة الدولة وشرعية الحكم.
سيناريو مصر، وتونس، وليبيا، واليمن، كان ممكناً أن يحدث في البحرين لو أن الخروج لم يكن طائفياً وفئوياً، لكنه هو من أعاد التوازن المجتمعي، وأعاد رسم خارطة توازن القوى مجتمعياً وسياسياً، كانت جماهير الفاتح بكل فئاتها وأطيافها وأديانها.
البحرين لاتزال في دائرة الأحداث، حتى مع الحوار الذي يشعرنا أن نتائجه ستخرج حين نحال للتقاعد، وتصريحات الأمم المتحدة والأمريكيين، والإنجليز، دائماً ما تحمل تلاعباً بالألفاظ، فيشعر كل طرف في البحرين أن التصريح في جانب معه، وفيه جانب ضده، لعبة سياسية كبيرة، وهم أسياد التلاعب بالألفاظ والمسميات. على الجميع بمن فيهم الساسة، ومؤسسات الدولة الأمنية والجيش أن يطلعوا على تفاصيل الجيل الرابع من الحروب غير المتماثلة، وأيضاً على الشباب أن يتعرفوا على كل ما يجري من صورة أخرى كبيرة خارج إطار الصورة الصغيرة محلياً.