لم يكن من محض الصدفة أن تتضمن استراتيجية جامعة البحرين بناء مهارات ريادة الأعمال كإحدى المبادرات الأساسية التي استندت عليها الخطة الاستراتيجية «2009-2014» فلم تكن فقط منسجمة مع توجهات مملكة البحرين، ورؤية 2030 فقط، بل جاءت أيضاً منسجمة مع التوجهات العالمية الداعية نحو تعزيز ونشر ثقافة ريادة الأعمال لبناء اقتصاد المعرفة وتعزيز المنافسة العالمية. فالمشاريع الصغيرة أو الأعمال التجارية الصغيرة تشكل المصدر التقليدي لنمو الاقتصاد الوطني. ومن المعلوم أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تساهم بنسبة كبيرة في الناتج المحلي للعديد من الدول، فالإحصاءات العالمية تؤكد أهميتها، فعلى سبيل المثال تساهم هذه المشروعات بنحو 85%، و59% من إجمالي الناتج المحلي في كل من إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية على الترتيب. ويحتلّ قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة مكانة متميزة ضمن أولويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العديد من الدول العربية، فهي تشكل نحو 98% من جملة المؤسسات الاقتصادية الخاصة في مصر، أما في الكويت فيشكل هذا القطاع ما يقرب من 90% من المؤسسات الخاصة العاملة، وفي لبنان أكثر من 95% من اجمالى المؤسسات، وتساهم بنحو 90% من الوظائف، وفي دولة الإمارات شكلت المشاريع الصغيرة والمتوسطة نحو 95% من المشاريع الاقتصادية، وتوظف نحو 62% من القوى العاملة، وتساهم بنحو 75% من الناتج الإجمالى للدولة.
أما في البحرين فتستوعب المنشآت الصغيرة والمتوسطة نحو 80% من مجمل القوى العاملة في المملكة، وهي مرشحة للارتفاع مستفيدة من موقعها الإقليمي، وبيئتها الجاذبة للاستثمار والانفتاح الاقتصادي وبيئة الأعمال المنافسة، إذ تعد البحرين من أكثر اقتصاديات المنطقة انفتاحاً وملاءمة لظروف الأعمال فضلاً عن اهتمام الدولة بتشجيع روح المبادرة وريادة الأعمال. فقد بلغت عدد المؤسسات العاملة بشكل مباشر في مجال ريادة الأعمال من مؤسسات رسمية وأهلية ما يقارب 25 مؤسسة، وإذا ما نظرنا للمؤسسات التي تعمل في مجال ريادة الأعمال بطريقة غير مباشرة فالأرقام أكبر من ذلك بكثير.
إن هذه الإحصاءات تعكس إدراك صناع القرار في البحرين أهمية توفير البيئة الملائمة لريادة الأعمال كمدخل لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة، وصولاً لتحقيق رؤية البحرين 2030، ولا بد أن نشير إلى الدور الهام الذي تقوم به «تمكين» كأحد أهم المؤسسات العاملة في مجال ريادة الأعمال في البلاد.
أما إذا أردنا ان نبني جيلا رياديا مبادرا قائما على ممارسة ريادة الأعمال كنمط حياة ليكون محركا للنمو الاقتصادي والاجتماعي فيجب أن نبدأ بنشر مهارات ريادة الاعمال ليس من المرحلة الجامعية فحسب، بل لابد ان نبدأ من البيت، حيث تساعد الأسرة في توجيه الأبناء نحو كيفية سير الأعمال، وتنمي فيهم روح العمل التجاري منذ الصغر عن طريق شرح آلية عمل السوق وثقافة الأعمال والمشاريع، وكيفية تحقق مكاسبها، وكيفية تطوير أعمالها، وكذلك إشراكهم في تحديد مستلزمات وميزانية الأسرة ودراسة تكاليفها ثم المساهمة فيها.
وتشير التجارب العالمية الى أن المجتمع الذي يسعى لبناء مفهوم حقيقي وتطبيقي لريادة الأعمال يجب ان يكون قائماً على تعاون حقيقي، بدءاً من الأسرة فالمدرسة ثم الجامعة، وبالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني التي تعنى ببرامج ريادة الأعمال، فمثلا مؤسسة «كاوفمان Kauffman» تقوم على توفير برامج للفئة العمرية الشابة تشمل تدريبات وتمويل يعمل على إدخال برامج محاكاة للمتدربين في الأعمال الاقتصادية. ومن خلاله يتدرب الأطفال على تطوير أفكار خاصة بالأعمال وعلى كيفية ربطها بالتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية، مؤكدة على أن المدرسة هي محور أساسي لمساعدة الطلاب في كيفية وضع خطوات واستراتيجيات بدء المشروع وتتعاون مع البيت والمجتمع لتطبيق هذا المشروع، لتصنع منهم رواد أعمال حقيقيين، وتبرز الحاجة لمثل هذه البرامج في المنطقة في ظل افتقار معظم الشباب إلى العديد من المهارات الضرورية لنجاح مشروعات الأعمال من أهمها المهارات الأساسية والحياتية الموجهة نحو السوق.
والواقع أن هذه المهارات يصعب تعلّمها عبر الأنشطة التدريبية أو الأكاديمية التقليدية فقط. إذ لابد أن تتضافر العديد من العوامل والعناصر الأساسية التي تعمل على نشر ثقافة ريادة الأعمال وبناء مجتمع ريادي وهذا ما سوف نستعرضه في مقال قادم إن شاء الله.
قسم الاقتصاد والتمويل - جامعة البحرين