هناك في عالمنا من يعد ويعد ويعد، ولكنه لا يوفي بوعده، سواء على مستوى الحكومات، أو الزعماء، أو الأفراد، فهو يرمي بوعده في وجوه الآخرين، وعندما يأتي وقت التنفيذ لا ترى منه إلا الغبار.
والكثيرون يعدون أطفالهم أو زوجاتهم، أو أصدقاءهم، بوعود لا يستطيعون الوفاء بها، لأنهم حينما قالوها لم يكونوا على دراية بإمكانية تنفيذها.
هناك من يحدد معك موعداً فلا يأتي في الموعد، وهناك من يعدك بالاتصال فلا يتصل، وهناك من يعد فتاة بالزواج ويهرب منها، وهناك من يعدك بطباعة كتاب لك، ولا يقوم بالرد، أو الاعتذار بعدم قدرته على ذلك، وهناك من يعد بزيارتك في البيت، تنتظره وبعد يومين يقول لك إنه «أصابه ظرف طارئ».
ونحن نرى في الأفلام الأمريكية على سبيل المثال، أهمية كلمة «وعد» التي يطرحها الأطفال على ابائهم أو امهاتهم. فكلمة «وعد» تعني ضرورة انجاز الوعد. والوعد بالشيء يعني انجازه في كل الظروف أو الحالات، لهذا يعيد الطفل سؤاله على الأم والأب، هل تعد؟ فيجيب الوالدان، نعم.
إن كلمة «وعد» هي عهد والتزام بتنفيذ الشيء المطلوب، وكل الحجج لإبطال هذا العهد والوعد تكون باطلة وغير مقبولة ومنافية لأخلاق الإنسان. ولقد سخر العرب منذ أزمنة طويلة بالوعود الكاذبة والتي لا تحقق وعد صاحب الوعد، وقد تحولت إحدى هذه القصص إلى مثل سائر، يقال للذي لا يقوم بتنفيذ وعوده «وعد عرقوب»،
وقصه عرقوب، كما تناقلتها الأجيال حدثت كالتالي:
عرقوب رجل من «العماليق» عاش في يثرب.
وفي يوم من الأيام، قال عرقوب لأخيه: «إذا أطلعت هذه النخلة فلك طلعها».
فلما أطلعت أتاه أخوه، فقال له عرقوب: «دعها حتى تصير بلحاً».
فلما أبلحت أتاه أخوه، فقال له عرقوب: «دعها حتى تصير زهواً».
فلما زهت أتاه أخوه، فقال له عرقوب «دعها حتى تصير رطباً».
فلما أرطبت أتاه أخوه، فقال له عرقوب «دعها حتى تصير تمراً».
فلما أتمرت عمد إليها عرقوب ليلاً فجذها، ولم يعطِ أخاه شيئاً.
فأصبح موعد عرقوب مثلاً.
وفيه قال الأشجعي:
وعدت وكان الخلف منك سجية مواعيد عرقوب أخاه بيثرب
ويقول العرب فيمن كان دأبه عدم الوفاء بالوعد: «أخلف من عرقوب».
والعرب يقولون «مواعيد عرقوب»، وتعني مواعيد فيها خلف.
وقال كعب بن زهير:
كانت مواعيد عرقوبٍ لها مثلاً وما مواعيدها إلاّ الأباطيل
من هنا أردد أمام الآخرين، لا تعد بشيء إذا لم تقدر أن تقوم به، فليس العيب أنك لا تستطيع إنجاز هذا الأمر أو ذاك، إنما العيب أن تعد ولا تستطيع إنجاز أو تحقيق ما وعدت به.