في المقال السابق تحدثنا عن صراع شرق أوسطي محتمل، مع نبوءة قيامه على أراضي الخليج العربي، في منافسة باردة وحامية الوطيس في آنٍ واحد بين كل من إيران وتركيا، وقد حملت المقالات التي سبقته عدداً من قضايا الشأن الإيراني في المنطقة ومازال هناك الكثير. ومن أجل الربط بين عناصر الأحداث والصراعات على منطقة الشرق الأوسط كان لزاماً التعرض لتركيا في قفزات عاجلة تأخذنا للوراء، فإذا بنا الآن في الأناضول العثمانية.
رغم أن انطلاقة الدولة العثمانية كانت بإمارة صغيرة في غرب الأناضول، إلا أنها سرعان ما امتدت جغرافيتها نحو أوروبا على حساب الدولة البيزنطية، فضلاً عن الامتداد في الرقعة العربية والشرق أوسطية من العالم، وقد ركزت الدولة العثمانية –في تاريخها– على ضم السنة إلى صفوفها في نزاعها مع الشيعة ودولتهم الصفوية. وقد حققت الدولة العثمانية حجماً لا يستهان به من الإنجازات، ما جعلها في تقدم مستمر.
ولكن التقدم الذي حققته الدولة العثمانية لم يدم طويلاً، لاسيما في ظل ممارستها للعنف والاستبداد والسياسة الاستعمارية «فرق تسد»، فبعد أن بلغت أقصى انتشار لها امتد على ثلاث قارات، معتمدةً على استغلال الخلافات بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا بما يحقق مصالحها، نشبت الحرب العالمية الأولى التي شاركت فيها جنباً إلى جنب مع النمسا وألمانيا والمجر عام 1914، وكانت في هذه النقطة تحديداً بداية النهاية!!
فلم يعد هناك المزيد من الفرص لديها للإخضاع و»التتريك» بفرض القوة. إذ تمادت في انتهاج سياسة عثمانية جاوزت الصواب في تفسير نصوص الدين وتشويهه، والعمل بمقتضى التفسير المشوه بما يتوافق مع أهوائها، تحت غطاء ديني!!
بعد قيام الحرب العالمية الأولى، والتي تلتها مباشرةً الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين بن علي، الذي ذلل العقبات لبريطانيا في الداخل نظير دعمهم اللوجستي، تحالف العرب مع الإنجليز، وهزمت الدولة العثمانية في الحرب، ورغم المحاولات المتفرقة لإنقاذ آخر ما تبقى من الدولة العثمانية، إلا أن الإنجليز سرعان ما تنبهوا للأمر، وهموا بنزع السلاح من القوات العثمانية وإلقاء القبض على زمرة من قادتهم العسكريين.
وبعد كثير من الأحداث المتعاقبة، احتضرت الدولة العثمانية، ليشرق للترك على أنقاضها فجر دولة جديدة، إذ تخلى الترك عن مساحة جغرافية واسعة، فضلاً عن الاستغناء باسم «تركيا» عوضاً عن اسمهم «العثماني»، نزوعاً لبلد مختلف تماماً عن سابقه، ملؤه الأمل للتوافق مع الغرب -ذلك الذي أشرنا إليه في المقال السابق في العلاقات مع إسرائيل وقبلها أمريكا- إلى جانب الأمل في التوافق مع «النموذج الأوروبي» الذي لطالما حلم به الأتراك في يقظتهم ومنامهم، واعتبروه مثالاً جديراً أن يحتذى به. ومن هنا.. كانت انطلاقة «العلمانية» والتي فصل بمقتضاها الدين عن السياسة.
ثم ما لبثت أن سعت تركيا العلمانية جاهدة للانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبــي، لدوافــع اقتصــادية وثقافية وسياسية، فضلاً عن دوافع أمنية وعسكرية إلى جانب العلم والتكنولوجيا الأوروبية، فيما واجه تركيا عدد من المعوقات التي تحول دون ذلك، كانتهاكات تورطت فيها بشأن حقوق الإنسان، وهويتها، ومعدلات النمو الاقتصادي لديها، والثقافة.
ثم إن أوروبا وجدت في انضمام تركيا المسلمة إليها حتمية خلق وتعميق هوة الخلاف والاختلاف بينها وبين بقية الدول الأعضاء، لاسيما وأن هذه العضوية من شأنها أن تمنح تركيا فرصة ذهبية لتكون بمثابة بيضة القبان بين الشرق الأوسط المسلم وبين أوروبا المسيحية.
ومما يضخم من التوجس الأوروبي إزاء انضمام تركيا، ذلك النمو السكاني اللافت الذي تتمتع به بالمقارنة مع دول الاتحاد، الأمر الذي ينبئ بنيل تركيا الثقل السياسي الأكبر بعد سنوات قلائل، لتكون فيما بعد متحكماً في المؤسسة التشريعية الأوروبية. ولذلك.. فإنه رغم المحاولات التركية الدؤوبة على نيل عضوية الاتحاد إلا أنها في كل مرة تواجه بسيناريوهات الرفض والمماطلة والتسويف، ما يحرمها النعيم بتلك الحديقة الأوروبية الخلابة، وفي ظل ذلك التأجيل وجدلية الانضمام، ترى تركيا في الشرق الأوسط فرصةً سانحة للمغازلة على استحياء، إذ لا مناص لها من أن ترتمي في أحضانه نزوعاً إلى العثمانية الجديدة، في مشروع «عثمنة» المنطقة.. وهو ما سيركز عليه عدد من المقالات التالية.
رغم أن انطلاقة الدولة العثمانية كانت بإمارة صغيرة في غرب الأناضول، إلا أنها سرعان ما امتدت جغرافيتها نحو أوروبا على حساب الدولة البيزنطية، فضلاً عن الامتداد في الرقعة العربية والشرق أوسطية من العالم، وقد ركزت الدولة العثمانية –في تاريخها– على ضم السنة إلى صفوفها في نزاعها مع الشيعة ودولتهم الصفوية. وقد حققت الدولة العثمانية حجماً لا يستهان به من الإنجازات، ما جعلها في تقدم مستمر.
ولكن التقدم الذي حققته الدولة العثمانية لم يدم طويلاً، لاسيما في ظل ممارستها للعنف والاستبداد والسياسة الاستعمارية «فرق تسد»، فبعد أن بلغت أقصى انتشار لها امتد على ثلاث قارات، معتمدةً على استغلال الخلافات بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا بما يحقق مصالحها، نشبت الحرب العالمية الأولى التي شاركت فيها جنباً إلى جنب مع النمسا وألمانيا والمجر عام 1914، وكانت في هذه النقطة تحديداً بداية النهاية!!
فلم يعد هناك المزيد من الفرص لديها للإخضاع و»التتريك» بفرض القوة. إذ تمادت في انتهاج سياسة عثمانية جاوزت الصواب في تفسير نصوص الدين وتشويهه، والعمل بمقتضى التفسير المشوه بما يتوافق مع أهوائها، تحت غطاء ديني!!
بعد قيام الحرب العالمية الأولى، والتي تلتها مباشرةً الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين بن علي، الذي ذلل العقبات لبريطانيا في الداخل نظير دعمهم اللوجستي، تحالف العرب مع الإنجليز، وهزمت الدولة العثمانية في الحرب، ورغم المحاولات المتفرقة لإنقاذ آخر ما تبقى من الدولة العثمانية، إلا أن الإنجليز سرعان ما تنبهوا للأمر، وهموا بنزع السلاح من القوات العثمانية وإلقاء القبض على زمرة من قادتهم العسكريين.
وبعد كثير من الأحداث المتعاقبة، احتضرت الدولة العثمانية، ليشرق للترك على أنقاضها فجر دولة جديدة، إذ تخلى الترك عن مساحة جغرافية واسعة، فضلاً عن الاستغناء باسم «تركيا» عوضاً عن اسمهم «العثماني»، نزوعاً لبلد مختلف تماماً عن سابقه، ملؤه الأمل للتوافق مع الغرب -ذلك الذي أشرنا إليه في المقال السابق في العلاقات مع إسرائيل وقبلها أمريكا- إلى جانب الأمل في التوافق مع «النموذج الأوروبي» الذي لطالما حلم به الأتراك في يقظتهم ومنامهم، واعتبروه مثالاً جديراً أن يحتذى به. ومن هنا.. كانت انطلاقة «العلمانية» والتي فصل بمقتضاها الدين عن السياسة.
ثم ما لبثت أن سعت تركيا العلمانية جاهدة للانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبــي، لدوافــع اقتصــادية وثقافية وسياسية، فضلاً عن دوافع أمنية وعسكرية إلى جانب العلم والتكنولوجيا الأوروبية، فيما واجه تركيا عدد من المعوقات التي تحول دون ذلك، كانتهاكات تورطت فيها بشأن حقوق الإنسان، وهويتها، ومعدلات النمو الاقتصادي لديها، والثقافة.
ثم إن أوروبا وجدت في انضمام تركيا المسلمة إليها حتمية خلق وتعميق هوة الخلاف والاختلاف بينها وبين بقية الدول الأعضاء، لاسيما وأن هذه العضوية من شأنها أن تمنح تركيا فرصة ذهبية لتكون بمثابة بيضة القبان بين الشرق الأوسط المسلم وبين أوروبا المسيحية.
ومما يضخم من التوجس الأوروبي إزاء انضمام تركيا، ذلك النمو السكاني اللافت الذي تتمتع به بالمقارنة مع دول الاتحاد، الأمر الذي ينبئ بنيل تركيا الثقل السياسي الأكبر بعد سنوات قلائل، لتكون فيما بعد متحكماً في المؤسسة التشريعية الأوروبية. ولذلك.. فإنه رغم المحاولات التركية الدؤوبة على نيل عضوية الاتحاد إلا أنها في كل مرة تواجه بسيناريوهات الرفض والمماطلة والتسويف، ما يحرمها النعيم بتلك الحديقة الأوروبية الخلابة، وفي ظل ذلك التأجيل وجدلية الانضمام، ترى تركيا في الشرق الأوسط فرصةً سانحة للمغازلة على استحياء، إذ لا مناص لها من أن ترتمي في أحضانه نزوعاً إلى العثمانية الجديدة، في مشروع «عثمنة» المنطقة.. وهو ما سيركز عليه عدد من المقالات التالية.