مرات عديدة تناول فيها سمو رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة مشروع الاتحاد الخليجي الذي دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود إلى التحول إليه من صيغة التعاون الحالية التي تربط بين دول الخليج الستة منذ ثلاثين عاماً ونيف. فرغم خفوت الحديث في هذا المشروع الحلم وابتعاده عن دائرة الضوء حتى ظن الكثيرون أنه لم يعد مقبولاً من قبل بعض دول المجلس؛ ظل رئيس الوزراء يتحدث فيه ويعبر من خلاله عن حلمه وحلم كل مواطن خليجي يأمل أن يأتي يوم يصير فيه الخليج العربي كتلة واحدة تحت علم واحد.
بالتأكيد ليس هذا هو المطروح الآن؛ فمشروع خادم الحرمين الشريفين يتحدث عن اتحاد كونفدرالي وليس عن اتحاد فيدرالي كما هو حال دولة الإمارات العربية المتحدة المكونة من سبع إمارات تنضوي كلها تحت علم واحد ودستور واحد ولها رئيس واحد، وكما هو الحال مع الولايات المتحدة الأميركية، فالمطروح هو أن تبقى الدول الست على حالها ولكنها تتحد في مجالات معينة كالأمن والجيش والسياسة الخارجية وما إلى ذلك، ما يتيح لها التعامل مع دول العالم ككتلة واحدة وليس كدول مجزأة، وعلى أمل أن يأتي يوم يتمنى مواطنو دول الخليج العربي أن يكون قريباً يتحول فيه ذلك الاتحاد الكونفدرالي إلى اتحاد فيدرالي.
في لقائه بقصر القضيبية مع اتحاد الصحافة الخليجية (أكثر من أربعين رئيس تحرير صحيفة خليجية تواجدوا في البحرين بمناسبة عقد المؤتمر العام الرابع للاتحاد الأسبوع الماضي) قال صاحب السمو إن «المنطقة مستهدفة في أمنها واستقرارها وأننا اليوم أمام قضية مصير، نكون أو لا نكون، وأن كل الظروف تستوجب التسريع في ترجمة رغبة خادم الحرمين الشريفين إلى واقع، فالاتحاد هو السد المنيع أمام كل هذا، وهو الذي سيقاوم محاولات اختراق البناء الخليجي».
التعاون أمر جميل وقد استفادت منه دول الخليج الستة لأكثر من ثلاثة عقود وهو لا يزال مفيداً ولاتزال التجربة العربية الوحيدة في هذا المجال التي حققت نجاحاً كبيراً وتستحق الدرس، لكن الاتحاد أمر مختلف وتفرضه الظروف والمتغيرات التي يشهدها العالم وتشهدها المنطقة.
الدكتور محمد جابر الأنصاري قال في مشاركة له قبل عدة أشهر في مؤتمر تجمع الوحدة الوطنية إنه «في مرحلة التعاون لم يخل الأمر من تهديد لهذا البلد الخليجي أو ذاك، لكن ذلك التهديد لم يتحول إلى مواجهة شاملة. أما اليوم فالأمر ينذر بخطر المواجهة الشاملة»، وقال أيضاً إن الاتحاد بين دول مجلس التعاون مسألة حياة أو موت وإنه مسألة وجود وبقاء.. نكون أو لا نكون. ودعا إلى الاستفادة من الموقف السعودي من الاتحاد، وعلق قائلاً «من النادر أن تجد أكبر الدول في أي تجمع يدعو إلى الوحدة»، وأضاف إنه موقف تاريخي لا بد من استثماره.
استثمار هذا الموقف هو ما يدعو إليه سمو رئيس الوزراء الذي خبر المنطقة ويعرف أدق التفاصيل فيها ويشهد الجميع بحنكته السياسية وحكمته، ولهذا فإنه لا يتردد أبداً من الدعوة إلى ترجمة رغبة خادم الحرمين الشريفين التحول من صيغة التعاون المفيدة إلى صيغة الاتحاد كونها الصيغة المناسبة للتعامل مع التغيرات التي يشهدها المناخ السياسي اليوم، فما سيتمكن قادة دول الخليج العربية من القيام به في ظل الاتحاد الخليجي لن يتمكنوا من القيام به وهم لا يزالون دون القدرة على الخروج من مرحلة التعاون الخليجي.
الاتحاد الخليجي حلم قادة وشعوب الخليج العربي، والأمل أن يتحقق قريباً بمشاركة كل دول التعاون.