في مختلف الأنظمة المدنية يكون فيها الأشخاص والمؤسسات تحت مظلة القانون باعتبار الوثيقة الدستورية ساوت بين الجميع، وعليه فإنهم خاضعون لسلطة القانون، ومن أمثلة ذلك النظام البحريني الذي يخضع فيه الجميع لهذه السلطة.
هذا الوضع مغاير تماماً للأنظمة الثيوقراطية التي يحكم فيها رجال الدين الدولة، ويمارسون السياسة، فرغم الشكل الظاهر بأن النظام لا يعتمد على الثيوقراطيين، إلا أن الممارسة تثبت خلاف ذلك. كما هو الحال في النظام الإيراني الذي يقوم على نظرية ولاية الفقيه، ففيه تضفى على رجال الدين صفات القدسية المطلقة، ويصبح رمزاً مطلقاً لا يمكن المساس به بالحديث أو المساءلة أو المحاسبة، وجميع أفعاله وأقواله مطلقة ومسلم بها دون شك أو جدال وتصل في معظم الأوقات إلى درجة اليقين.
في الأنظمة الثيوقراطية يكون هناك نظام إكليروسي مماثل للابتكار الذي ابتدعه المسيحيون الكاثوليك في القرن الثالث الميلادي، حيث طورت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية نظاماً يحدد درجات رجال الدين وصلاحياتهم ودرجة قدسيتهم لتصل في المرتبة الأعلى إلى درجة البابا.
من هنا لدينا نموذجان لعلاقة رجل الدين والمؤسسة الدينية بالدولة، فهما في الدولة المدنية يخضعان لحكم القانون المتوافق عليه من قبل الجميع، أما في الدولة الثيوقراطية فإن رجال الدين هم الذين يتحكمون بالدولة ولديهم القدرة المطلقة على التحكم في تفاعلات النظام السياسي، وإقرار وتفسير السياسات، وحتى تطويع السياسات والقرارات السياسية وفق رؤاهم وتصوراتهم الدينية لأنها من وجهة نظرهم هي الصحيحة وغيرهم خاطئة. كما لديهم القدرة على تصفية خصومهم السياسيين باسم الدين من أجل حماية مصالحهم وضمان استمرار نفوذهم داخل النظام السياسي.
في البحرين لدينا خلاف سياسي ليس على الدستور، أو القوانين الوطنية، أو الدوائر الانتخابية أو مكونات المجتمع، بل هو خلاف حاد حول هوية النظام السياسي، فهناك من يطالب بدولة مدنية، وهناك من يطالب بدولة ثيوقراطية ولكن بشكل مدني.
دعاة الدولة المدنية هم دعاة الإصلاح السياسي، ولديهم إيمان عميق أن البحرين أنجزت شوطاً مهماً من التحول الديمقراطي، وهي في طريقها نحو ديمقراطية أكثر عمقاً وفقاً لمبادئ الملكية الدستورية المتوافق عليها، وهي مسألة وقت.
أما دعاة الدولة الثيوقراطية بالشكل المدني، فهم أصحاب مأزق، لأنهم غير قادرين على تسويق فكرة الدولة الثيوقراطية التي ينشدونها، رغم محاولاتهم إعلان مبادئ الدولة المدنية بين وقت وآخر، إلا أن الإشكالية الأساس دائماً ما ترتبط بالممارسات، فهم يطالبون بدولة يحكمها القانون، ولكنهم في الوقت نفسه غير قادرين على ضبط نفوذ المؤسسة الدينية التي يتبعونها. فعلى سبيل المثال الوفاق تطالب بالدولة المدنية، ولكنها في الوقت نفسه غير قادرة على الخروج عن عباءة المجلس العلمائي، رغم إدراكها بأن الأخير تنظيم خارج عن القانون ولا يسمح به في أي نظام ديمقراطي مدني.
يوم الجمعة الماضية لاحقت قوات الأمن بعض الإرهابيين الذين أطلقوا النار بأسلحتهم على رجال الأمن، وتم تفتيش بعض المنازل في المنطقة، فماذا حدث؟
لم يكترث أي طرف من القوى السياسية بمسألة تنامي الإرهاب في بعض المناطق، ودخول الأسلحة التي صارت تستهدف رجال الأمن، بل صارت القضية هي كيفية المساس برجل الدين عيسى قاسم الذي يتمتع بقدسية مفتعلة.
في جميع الأنظمة الديمقراطية والدول المدنية من حق الدولة ومؤسساتها ملاحقة الإرهابيين حسب الضوابط والأنظمة القانونية المعمول بها، ومن ثبت تورطه في الإرهاب يساءل قانوناً.
مجموعة من الجمعيات السياسية الراديكالية تسمي نفسها بـ»قوى المعارضة الوطنية الديمقراطية» أصدرت بياناً أكدت فيه «تمسك الشعب البحريني في مطالبه المشروعة في الدولة المدنية الديمقراطية والمواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية». وليس معروفاً طبيعة الدولة المدنية الديمقراطية والمواطنة المتساوية التي تنادي بها هنا، لأن تفتيش منزل رجل دين يعد إجراءً عادياً في الدولة المدنية، ولكن يبدو أن هذه الجمعيات تصر على أن الدولة المدنية الخاصة بها فيها استثناءات كما هو معمول به بالنسبة لعيسى قاسم.
حزب الله اللبناني أصدر أيضاً بياناً دعا فيه «الشعب البحراني» إلى الالتفاف حول عيسى قاسم، حيث لم يهتم بدعوته كافة الأطراف الالتزام بالقانون، وإنما دعاهم إلى الالتفاف حول رجل دين لأنه يتمتع بقدسية معروفة.
زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر دعا إلى إقامة تظاهرة واسعة، وطالب بإغلاق السفارة البحرينية في بغداد وكل تمثيل دبلوماسي لها. وهو ما يعد مؤشراً آخر على تعارض مبدأ قدسية رجل الدين مع العلاقات الدبلوماسية، إذ يمكن التضحية بهذه العلاقات في مقابل حماية رجل الدين لأنه مقدس.
إيران هددت البحرين، وقال مسؤول إيراني إن البحرين يجب أن تنتظر رداً غير متوقع في حال لم تعتذر عن مداهمة منزل عيسى قاسم. طبعاً منطلقات الحكومة الإيرانية أيديولوجية لأن عيسى قاسم هو ممثل الولي الفقيه في البحرين، وبالتالي هو شخص مقدس ويمثل شخصية مقدسة أيضاً.
بهذا التقديس المفرط، لا يمكن حسم الصراع حول هوية النظام السياسي لأن دعاة النظام الثيوقراطي بالشكل المدني لا يمكن أن يتجاوزا الأبعاد الأيديولوجية والإقليمية في المسألة، فالبعد الأيديولوجي يدفعهم دائماً لتقديس رجل الدين والمؤسسة الدينية، وإن خالفت القانون أو تجاوزته، وهذه القدسية تمنع بالنسبة لهم مساءلة أو محاسبة رجل الدين بأي شكل من الأشكال. والبعد الإقليمي يتمثل في ارتباط شبكة ولاية الفقيه بحكومات ومؤسسات في المنطقة تدعم مطلب تأسيس النظام الثيوقراطي في البحرين.
إذاً المعركة دائماً ما تبدأ من محاربة التطرف، والتطرف معروف، وشخصياته معروفة وأدوارهم أيضاً معروفة. ونهاية هذه المعركة سيكون الصراع حول هوية النظام السياسي قد حسم تماماً.
هذا الوضع مغاير تماماً للأنظمة الثيوقراطية التي يحكم فيها رجال الدين الدولة، ويمارسون السياسة، فرغم الشكل الظاهر بأن النظام لا يعتمد على الثيوقراطيين، إلا أن الممارسة تثبت خلاف ذلك. كما هو الحال في النظام الإيراني الذي يقوم على نظرية ولاية الفقيه، ففيه تضفى على رجال الدين صفات القدسية المطلقة، ويصبح رمزاً مطلقاً لا يمكن المساس به بالحديث أو المساءلة أو المحاسبة، وجميع أفعاله وأقواله مطلقة ومسلم بها دون شك أو جدال وتصل في معظم الأوقات إلى درجة اليقين.
في الأنظمة الثيوقراطية يكون هناك نظام إكليروسي مماثل للابتكار الذي ابتدعه المسيحيون الكاثوليك في القرن الثالث الميلادي، حيث طورت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية نظاماً يحدد درجات رجال الدين وصلاحياتهم ودرجة قدسيتهم لتصل في المرتبة الأعلى إلى درجة البابا.
من هنا لدينا نموذجان لعلاقة رجل الدين والمؤسسة الدينية بالدولة، فهما في الدولة المدنية يخضعان لحكم القانون المتوافق عليه من قبل الجميع، أما في الدولة الثيوقراطية فإن رجال الدين هم الذين يتحكمون بالدولة ولديهم القدرة المطلقة على التحكم في تفاعلات النظام السياسي، وإقرار وتفسير السياسات، وحتى تطويع السياسات والقرارات السياسية وفق رؤاهم وتصوراتهم الدينية لأنها من وجهة نظرهم هي الصحيحة وغيرهم خاطئة. كما لديهم القدرة على تصفية خصومهم السياسيين باسم الدين من أجل حماية مصالحهم وضمان استمرار نفوذهم داخل النظام السياسي.
في البحرين لدينا خلاف سياسي ليس على الدستور، أو القوانين الوطنية، أو الدوائر الانتخابية أو مكونات المجتمع، بل هو خلاف حاد حول هوية النظام السياسي، فهناك من يطالب بدولة مدنية، وهناك من يطالب بدولة ثيوقراطية ولكن بشكل مدني.
دعاة الدولة المدنية هم دعاة الإصلاح السياسي، ولديهم إيمان عميق أن البحرين أنجزت شوطاً مهماً من التحول الديمقراطي، وهي في طريقها نحو ديمقراطية أكثر عمقاً وفقاً لمبادئ الملكية الدستورية المتوافق عليها، وهي مسألة وقت.
أما دعاة الدولة الثيوقراطية بالشكل المدني، فهم أصحاب مأزق، لأنهم غير قادرين على تسويق فكرة الدولة الثيوقراطية التي ينشدونها، رغم محاولاتهم إعلان مبادئ الدولة المدنية بين وقت وآخر، إلا أن الإشكالية الأساس دائماً ما ترتبط بالممارسات، فهم يطالبون بدولة يحكمها القانون، ولكنهم في الوقت نفسه غير قادرين على ضبط نفوذ المؤسسة الدينية التي يتبعونها. فعلى سبيل المثال الوفاق تطالب بالدولة المدنية، ولكنها في الوقت نفسه غير قادرة على الخروج عن عباءة المجلس العلمائي، رغم إدراكها بأن الأخير تنظيم خارج عن القانون ولا يسمح به في أي نظام ديمقراطي مدني.
يوم الجمعة الماضية لاحقت قوات الأمن بعض الإرهابيين الذين أطلقوا النار بأسلحتهم على رجال الأمن، وتم تفتيش بعض المنازل في المنطقة، فماذا حدث؟
لم يكترث أي طرف من القوى السياسية بمسألة تنامي الإرهاب في بعض المناطق، ودخول الأسلحة التي صارت تستهدف رجال الأمن، بل صارت القضية هي كيفية المساس برجل الدين عيسى قاسم الذي يتمتع بقدسية مفتعلة.
في جميع الأنظمة الديمقراطية والدول المدنية من حق الدولة ومؤسساتها ملاحقة الإرهابيين حسب الضوابط والأنظمة القانونية المعمول بها، ومن ثبت تورطه في الإرهاب يساءل قانوناً.
مجموعة من الجمعيات السياسية الراديكالية تسمي نفسها بـ»قوى المعارضة الوطنية الديمقراطية» أصدرت بياناً أكدت فيه «تمسك الشعب البحريني في مطالبه المشروعة في الدولة المدنية الديمقراطية والمواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية». وليس معروفاً طبيعة الدولة المدنية الديمقراطية والمواطنة المتساوية التي تنادي بها هنا، لأن تفتيش منزل رجل دين يعد إجراءً عادياً في الدولة المدنية، ولكن يبدو أن هذه الجمعيات تصر على أن الدولة المدنية الخاصة بها فيها استثناءات كما هو معمول به بالنسبة لعيسى قاسم.
حزب الله اللبناني أصدر أيضاً بياناً دعا فيه «الشعب البحراني» إلى الالتفاف حول عيسى قاسم، حيث لم يهتم بدعوته كافة الأطراف الالتزام بالقانون، وإنما دعاهم إلى الالتفاف حول رجل دين لأنه يتمتع بقدسية معروفة.
زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر دعا إلى إقامة تظاهرة واسعة، وطالب بإغلاق السفارة البحرينية في بغداد وكل تمثيل دبلوماسي لها. وهو ما يعد مؤشراً آخر على تعارض مبدأ قدسية رجل الدين مع العلاقات الدبلوماسية، إذ يمكن التضحية بهذه العلاقات في مقابل حماية رجل الدين لأنه مقدس.
إيران هددت البحرين، وقال مسؤول إيراني إن البحرين يجب أن تنتظر رداً غير متوقع في حال لم تعتذر عن مداهمة منزل عيسى قاسم. طبعاً منطلقات الحكومة الإيرانية أيديولوجية لأن عيسى قاسم هو ممثل الولي الفقيه في البحرين، وبالتالي هو شخص مقدس ويمثل شخصية مقدسة أيضاً.
بهذا التقديس المفرط، لا يمكن حسم الصراع حول هوية النظام السياسي لأن دعاة النظام الثيوقراطي بالشكل المدني لا يمكن أن يتجاوزا الأبعاد الأيديولوجية والإقليمية في المسألة، فالبعد الأيديولوجي يدفعهم دائماً لتقديس رجل الدين والمؤسسة الدينية، وإن خالفت القانون أو تجاوزته، وهذه القدسية تمنع بالنسبة لهم مساءلة أو محاسبة رجل الدين بأي شكل من الأشكال. والبعد الإقليمي يتمثل في ارتباط شبكة ولاية الفقيه بحكومات ومؤسسات في المنطقة تدعم مطلب تأسيس النظام الثيوقراطي في البحرين.
إذاً المعركة دائماً ما تبدأ من محاربة التطرف، والتطرف معروف، وشخصياته معروفة وأدوارهم أيضاً معروفة. ونهاية هذه المعركة سيكون الصراع حول هوية النظام السياسي قد حسم تماماً.