منذ نعومة أظفاري وأنا أسمع الكثير عن عبقرية ودقة تنظيم الجماعة، وكنت أرى أقراني من طلاب التنظيم في الجامعات هم الأكثر تنظيماً وانضباطاً بأوامر الجماعة، خصوصاً أثناء عقد انتخابات مجالس الطلبة الذين غالباً ما كانوا يكتسحونها ويحولونها إلى منبر جديد لمنابر تجنيد الشباب في الجماعة.
لم تكن هذه الصورة بعيدة عما كنا نشهده في باقي مناحي الحياة من حيث التنظيم في النقابات المختلفة كالأطباء والمحامين والمهندسين والمعلمين، كان يكفي أن يتسلل أحدهم إلى كرسي في وزارة حتى يفتح أنفاقاً من المصالح لجماعته، وقد ساهمت القسوة الأمنية التي كانوا يعاملون بها في تمكينهم من الدعاية لأنفسهم من خلال ثلاثة محاور:
1- مخاطبة الوعي الشعبي الحاقد على الظلم والاستبداد والمتعاطف بنفس القدر مع المضطهد، وهو التعاطف الذي جنبهم النقد الموضوعي، ومنحهم هالة من القداسة في الوعي الجمعي لا يمكن أن تمس، وبالتالي فإن كل نقد موجه للجماعة كان متهماً بأنه نقدٌ عميلٌ للسلطة.
2- عمل الجماعة «الخدمي والدعوي»؛ لأن الدين محرك رئيس في مجتمعاتنا المتدينة بطبيعتها والتي تحيط رجل الدين بالكثير من القداسة؛ فما بالنا إذا كان الدين في حالة الجماعة مرتبطاً بالحاجات المعيشية الملحة للطبقات الدنيا التي أصبحت المدافع الأول عنها باعتبارها الشريحة الأوسع في مجتمعاتنا، وهي طبقة لا يهمها النقاشات الفكرية والسياسية بقدر ما يهمها توفير الخدمة والدعم الاقتصادي لمواجهة أعباء الحياة اليومية، وبالتالي فإن جمهور الجماعة المستميت للدفاع عنها كان من حزب «السكر والزيت»، وهو بلاشك جمهور سيقاتل من أجل الحاجتين الأكثر أهمية في حياته؛ الدين ولقمة العيش، وهو بالتالي ما رسخ عبر عقود فكرة القاعدة الشعبية العريضة للجماعة.
3- عالمية الفكر الذي عبر الحدود إلى بيئات أخرى لا تختلف عن بيئة المنشأ في مصر، فوجدت في السودان وباكستان وتونس وسوريا وتركيا وإيران «المرشد» وعراق «حزب الدعوة» بيئة محكومة بأنظمة قمعية ديكتاتورية ومجتمعات متدينة ضعيفة التعليم فقيرة تعاني وتبحث عن الخلاص، وهي البيئة المثالية لانتشار فكر الدعوة الخدمية.
وخلال عقود سكنت الجماعات المغلقة مناطق شديدة الخصوصية داخل المجتمعات واستفادت من أهم خصائصها؛ وهو التكيف حسب الزمان والمكان وحمت نفسها من الصدام والاختلاف والتفتت عبر إرساء قاعدة هلامية عريضة تقول «نعمل في ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه»، وهي قاعدة أسهمت في عقد صفقات وتحالفات مرحلية مع مختلف التيارات الفكرية التي استفادت منها الجماعة، لكنها ما لبثت أن هوت وتلاشت بسرعة في أول تجربة لحكم الجماعة الدينية المغلقة ممثلة في إيران الخميني، الذي لم ينكر أن فكرة دولته يعود الفضل فيها لمؤلفات وفكر حسن البنا.
ثاني تجارب الحكم الجماعة ممثلاً في السودان إبان سطوة حسن الترابي، وهي مرحلة لو كانت حظيت بالتغطية المناسبة لكانت قادرة على استشراف صورة ما يحدث اليوم، إضافة إلى صورة حكم الجماعة الدينية المغلقة ممثلة في تجربة حزب الدعوة في «عراق المالكي» التي أسهمت قراءتها المجتزأة طائفياً في تفويت فرصة تتبع عملية تطور الجماعة المغلقة من المساجد إلى كراسي الحكم.
لكن الصورة حول الانضباط والتنظيم الدقيق الذي طالما ظننته، وكثيرون من أمثالي، قادراً على حكم دول ناجحة تتمتع بخبرات العبقرية والتنظيم الموعود والمحفوفة بوعود تقوى الله مخافة أن تتعثر شاة في العراق؛ تلك الصورة رحلت إلى الأبد عند أول تجربة نوعية عملية للجماعة التي انتقلت على أكتاف شباب الربيع العربي، والذين انقطعت أنفاسهم وتوقفت آمالهم عند الإطاحة بالاستبداد دون أن تكون لديهم القدرة على إدارة مرحلة التغيير، حيث قفزت الجماعة المغلقة لتتولاه وتعطينا النموذج النهائي والقول الفصل لحكم الجماعة المغلقة حين تنتقل من المنابر ومن ناصية الشارع إلى كرسي الحكم.
.. للحديث بقية
لم تكن هذه الصورة بعيدة عما كنا نشهده في باقي مناحي الحياة من حيث التنظيم في النقابات المختلفة كالأطباء والمحامين والمهندسين والمعلمين، كان يكفي أن يتسلل أحدهم إلى كرسي في وزارة حتى يفتح أنفاقاً من المصالح لجماعته، وقد ساهمت القسوة الأمنية التي كانوا يعاملون بها في تمكينهم من الدعاية لأنفسهم من خلال ثلاثة محاور:
1- مخاطبة الوعي الشعبي الحاقد على الظلم والاستبداد والمتعاطف بنفس القدر مع المضطهد، وهو التعاطف الذي جنبهم النقد الموضوعي، ومنحهم هالة من القداسة في الوعي الجمعي لا يمكن أن تمس، وبالتالي فإن كل نقد موجه للجماعة كان متهماً بأنه نقدٌ عميلٌ للسلطة.
2- عمل الجماعة «الخدمي والدعوي»؛ لأن الدين محرك رئيس في مجتمعاتنا المتدينة بطبيعتها والتي تحيط رجل الدين بالكثير من القداسة؛ فما بالنا إذا كان الدين في حالة الجماعة مرتبطاً بالحاجات المعيشية الملحة للطبقات الدنيا التي أصبحت المدافع الأول عنها باعتبارها الشريحة الأوسع في مجتمعاتنا، وهي طبقة لا يهمها النقاشات الفكرية والسياسية بقدر ما يهمها توفير الخدمة والدعم الاقتصادي لمواجهة أعباء الحياة اليومية، وبالتالي فإن جمهور الجماعة المستميت للدفاع عنها كان من حزب «السكر والزيت»، وهو بلاشك جمهور سيقاتل من أجل الحاجتين الأكثر أهمية في حياته؛ الدين ولقمة العيش، وهو بالتالي ما رسخ عبر عقود فكرة القاعدة الشعبية العريضة للجماعة.
3- عالمية الفكر الذي عبر الحدود إلى بيئات أخرى لا تختلف عن بيئة المنشأ في مصر، فوجدت في السودان وباكستان وتونس وسوريا وتركيا وإيران «المرشد» وعراق «حزب الدعوة» بيئة محكومة بأنظمة قمعية ديكتاتورية ومجتمعات متدينة ضعيفة التعليم فقيرة تعاني وتبحث عن الخلاص، وهي البيئة المثالية لانتشار فكر الدعوة الخدمية.
وخلال عقود سكنت الجماعات المغلقة مناطق شديدة الخصوصية داخل المجتمعات واستفادت من أهم خصائصها؛ وهو التكيف حسب الزمان والمكان وحمت نفسها من الصدام والاختلاف والتفتت عبر إرساء قاعدة هلامية عريضة تقول «نعمل في ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه»، وهي قاعدة أسهمت في عقد صفقات وتحالفات مرحلية مع مختلف التيارات الفكرية التي استفادت منها الجماعة، لكنها ما لبثت أن هوت وتلاشت بسرعة في أول تجربة لحكم الجماعة الدينية المغلقة ممثلة في إيران الخميني، الذي لم ينكر أن فكرة دولته يعود الفضل فيها لمؤلفات وفكر حسن البنا.
ثاني تجارب الحكم الجماعة ممثلاً في السودان إبان سطوة حسن الترابي، وهي مرحلة لو كانت حظيت بالتغطية المناسبة لكانت قادرة على استشراف صورة ما يحدث اليوم، إضافة إلى صورة حكم الجماعة الدينية المغلقة ممثلة في تجربة حزب الدعوة في «عراق المالكي» التي أسهمت قراءتها المجتزأة طائفياً في تفويت فرصة تتبع عملية تطور الجماعة المغلقة من المساجد إلى كراسي الحكم.
لكن الصورة حول الانضباط والتنظيم الدقيق الذي طالما ظننته، وكثيرون من أمثالي، قادراً على حكم دول ناجحة تتمتع بخبرات العبقرية والتنظيم الموعود والمحفوفة بوعود تقوى الله مخافة أن تتعثر شاة في العراق؛ تلك الصورة رحلت إلى الأبد عند أول تجربة نوعية عملية للجماعة التي انتقلت على أكتاف شباب الربيع العربي، والذين انقطعت أنفاسهم وتوقفت آمالهم عند الإطاحة بالاستبداد دون أن تكون لديهم القدرة على إدارة مرحلة التغيير، حيث قفزت الجماعة المغلقة لتتولاه وتعطينا النموذج النهائي والقول الفصل لحكم الجماعة المغلقة حين تنتقل من المنابر ومن ناصية الشارع إلى كرسي الحكم.
.. للحديث بقية