ليس فيلماً جديداً للفنان عادل إمام بعد «السفارة في العمارة»، الذي يحكي قصة مهندس مصري يعمل في دبي بإحدى شركات البترول، عندما اضطر للعودة لبلده بعد غياب دام 20 عاماً، ليكتشف أن السفارة الإسرائيلية تجاور شقته في نفس العمارة.
تلك أحداث الفيلم المصري، بينما أحداث مسلسلنا مختلفة، وأبطاله أهل البحرين وإحدى سفارات شرق آسيا، لاعبة الدور الرئيس في تحريك الشغالات من تلك الدولة إلى البحرين، لتهربهم لاحقاً من بيوت أربابهم وتوظفهم بأعمال أخرى دون أن تستخرج لهم عقود عمل، وهم مطلوبون للقضاء ومسجلون على أنهم هاربون من بيوت كانوا يعملون فيها لدى أسر بحرينية تمرمرت وذاقت الويلات حتى استطاعت أن توفر سعرها المرتفع، وبسهولة وفي غمضة عين تجد شغالتك التي أبلغت عن هروبها «متزكرته» و«هادة الشعر» وهي في آخر أناقتها تعمل موظفة بعد هروبها من المنزل.
«لا منشاف ولا من دري» وإليكم قصة مأساوية يعاني منها المواطن البحريني مع هروب الشغالات تحت غطاء سفاراتهم.
مواطنة بحرينية أرسلت لي مشكلتها، وهي تصلح لتكون واحدة من قصص أفلام الأكشن، تقول إنها واحدة من عشرات وربما مئات القصص التي تصلح مادة دسمة لمسلسلات تنافس الدراما التركية تروي حكايتها «كانت عندي شغالة لا تطبخ ولا تغسل الملابس فقط كل ما تعمله في المنزل تنظيف الغرف، ولأني وزوجي نكره أن نأكل من طبخ الشغالات من كثر ما قرأنا عن مشاكلهن وكيف يدسن لك السم في العسل وأنت ياغافل إلك الله».
وتضيف «هذه الشغالة أنا من تطبخ لها الأكل في الليل، ولدى عودتي من العمل في اليوم التالي أسخن الطعام ونجتمع على سفرة واحدة أنا وزوجي وابني الصغير بعد عودته من المدرسة».
وبعد مرور شهرين من العمل كانت تتسلم مرتباً قدره 60 ديناراً ماكلة شاربة وكل لوازمها على حساب كفيلتها «جاءت في أحد الأيام معترضة على الراتب وتريد أن ترفعه إلى 120 ديناراً، هذا ما لم يحصل في أي من الشركات أو حتى الدوائر الحكومية، وعندما رفضنا طلبها ذهبت إلى فراشها زعلانة وأقفلت باب غرفتها، وفي اليوم التالي وبعد أن اعتاد ابني أن تستقبله عند باب البيت بعد أن يرجعه الباص نزل ولم يجدها، وفتش في المنزل ولكنه فوجئ بالشغالة مرمية في غرفتها والدم يسيل من يديها فصرخ وصار يبكي من المشهد المرعب، تمالك نفسه واتصل بي وبوالده وعدنا مسرعين وحملناها إلى قسم الطوارئ، وبعد الكشف عليها تبين عدم وجود أي محاولة اعتداء بالضرب على جسدها ولا شبهة جريمة، وتم التحفظ عليها في المستشفى لملاحظة حالتها إلى أن تتعدى مرحلة الخطر بعد أن اكتشف الأطباء أنها حاولت الانتحار بقطع أحد شرايين يدها».
في اليوم التالي قررت وزوجها تسفيرها «بعد أن رفض ابني دخول البيت من شدة المشهد الذي لم يعتده، حجزنا تذكرة سفر وتوجهنا إلى المستشفى كي نأخذها إلى المطار وهناك كانت المفاجأة، لم نجد الشغالة في المستشفى وبعد أن تقصينا عن الخبر قيل لنا إن مسؤولاً بالسفارة جاء واستلمها ووقع على أن يتحمل ما يجري لها من مضاعفات، وفي السفارة اكتشفنا بقية حلقات المسلسل في أنها الآن تحولت بقدرة قادر إلى موظفة تعمل في إحدى محال الإكسسوارات في مول تجاري كبير في البحرين، وتم توظيفها بسرعة البرق دون أوراق ثبوتية، فما كان منا إلا أن طالبنا السفارة باسترداد المبلغ الذي صرفناه لإحضارها إلى البحرين، وللأمانة لم يترددوا في تعويضنا لكنهم أبقوا عليها في عملها ومازالت».
إذاً هذا المسلسل الدرامي هو واحد من المسلسلات التي تطرح قضايا أصبح يعاني منها المواطن البحريني مع هكذا شغالات يهربن من بيت مخدومهن، وفي اليوم التالي يتم توظيفهم دون روح وتعال والشواغر تنتظرهم والوظائف تتبسم لهم «يابختهم عيال ديرة».
هذه القصص أصبحت لعبة تمارس بين «السفارة والشغالة» تتعب نفسك وتخسر فلوسك وتركض من وزارة العمل للجوازات وعندما تصل الشغالة تعمل عندك على أكثر احتمال شهرين لا أكثر، تبدأ بعدها في تلقي الدروس للإعداد للهرب، من خلال الإجازة الأسبوعية التي تلتقي فيها مع أصدقائها وربما من يرتب لها الوظيفة الجديدة بعد أن يتم تهريبها من بيت «المعزب» المسكين «يافرحة ماتمت».
الغريب أن هؤلاء العاملين يصلون إلى البحرين وهم على بينة بكل قوانين العمل والهجرة والجوازات والمخالفات العمالية التي دائماً ما تكون في مصلحتهم وضد المواطن، فأنت مثلاً مسؤول عن الشغالة لو هربت وعندما تذهب لتبلغ في مركز الشرطة يقولون لك بكل برود «إذا تم القبض عليها بالصدفة عليك التفاهم معها على المبلغ الذي دفعته لها قبل أن يتم تحويلها للنيابة بـ10 أيام، أو أن النيابة حكمها جاهز ترحلها من البلد وأنت من يدفع تذكرتها حتى لو لم تسترد المبلغ المدفوع».
وأنت يالمسكين من تعب وتمرمر وتدين لكي يوفر 700 دينار تجلب لك شغالة لمدة شهر أو شهرين، تتحول بعدها بقدرة قادر إلى موظفة محترمة في محل تجاري وأنت عليك في البحث عن «إخراج تصريح جديد» ودفع الرسوم من جديد وتنتظر «الفرج» إلى أن يتم الموافقة على طلبك، وبعد كل هذه البهدلة والعذاب النتيجة جاهزة، والسؤال من يحاسب السفارة ومن يحاسب المحلات التي توظفهم وأوراقهم الثبوتية وجوازاتهم محجوزة عند مخدوميهم؟.
وهكذا تجد نفسك «كالثور» يدور حول الساقية معصوب العينين وتأتيه الصفعات وهو لا يفعل شيئاً سوى الدوران حول الساقية.
الرشفة الأخيرة
عندما نشاهد الأعمال المقدمة اليوم في التلفزيونات نجد كم هي ضعيفة ومسروقة من أعمال جميلة ومتعوب عليها، وكلما قرأنا اسم مؤلف العمل الذي لا علاقة له بالدراما نكتشف السرقات ونقول لهم «لو كل من يه ونجر ماتم في الوادي شجر».
ونتذكر اللوحات المقدمة في أعمالنا التراثية الجميلة «أيام العز» ونتحسر عليها «راحت رجال ترفع الدروازة ويات رجال المطنزة والعازة».
تلك أحداث الفيلم المصري، بينما أحداث مسلسلنا مختلفة، وأبطاله أهل البحرين وإحدى سفارات شرق آسيا، لاعبة الدور الرئيس في تحريك الشغالات من تلك الدولة إلى البحرين، لتهربهم لاحقاً من بيوت أربابهم وتوظفهم بأعمال أخرى دون أن تستخرج لهم عقود عمل، وهم مطلوبون للقضاء ومسجلون على أنهم هاربون من بيوت كانوا يعملون فيها لدى أسر بحرينية تمرمرت وذاقت الويلات حتى استطاعت أن توفر سعرها المرتفع، وبسهولة وفي غمضة عين تجد شغالتك التي أبلغت عن هروبها «متزكرته» و«هادة الشعر» وهي في آخر أناقتها تعمل موظفة بعد هروبها من المنزل.
«لا منشاف ولا من دري» وإليكم قصة مأساوية يعاني منها المواطن البحريني مع هروب الشغالات تحت غطاء سفاراتهم.
مواطنة بحرينية أرسلت لي مشكلتها، وهي تصلح لتكون واحدة من قصص أفلام الأكشن، تقول إنها واحدة من عشرات وربما مئات القصص التي تصلح مادة دسمة لمسلسلات تنافس الدراما التركية تروي حكايتها «كانت عندي شغالة لا تطبخ ولا تغسل الملابس فقط كل ما تعمله في المنزل تنظيف الغرف، ولأني وزوجي نكره أن نأكل من طبخ الشغالات من كثر ما قرأنا عن مشاكلهن وكيف يدسن لك السم في العسل وأنت ياغافل إلك الله».
وتضيف «هذه الشغالة أنا من تطبخ لها الأكل في الليل، ولدى عودتي من العمل في اليوم التالي أسخن الطعام ونجتمع على سفرة واحدة أنا وزوجي وابني الصغير بعد عودته من المدرسة».
وبعد مرور شهرين من العمل كانت تتسلم مرتباً قدره 60 ديناراً ماكلة شاربة وكل لوازمها على حساب كفيلتها «جاءت في أحد الأيام معترضة على الراتب وتريد أن ترفعه إلى 120 ديناراً، هذا ما لم يحصل في أي من الشركات أو حتى الدوائر الحكومية، وعندما رفضنا طلبها ذهبت إلى فراشها زعلانة وأقفلت باب غرفتها، وفي اليوم التالي وبعد أن اعتاد ابني أن تستقبله عند باب البيت بعد أن يرجعه الباص نزل ولم يجدها، وفتش في المنزل ولكنه فوجئ بالشغالة مرمية في غرفتها والدم يسيل من يديها فصرخ وصار يبكي من المشهد المرعب، تمالك نفسه واتصل بي وبوالده وعدنا مسرعين وحملناها إلى قسم الطوارئ، وبعد الكشف عليها تبين عدم وجود أي محاولة اعتداء بالضرب على جسدها ولا شبهة جريمة، وتم التحفظ عليها في المستشفى لملاحظة حالتها إلى أن تتعدى مرحلة الخطر بعد أن اكتشف الأطباء أنها حاولت الانتحار بقطع أحد شرايين يدها».
في اليوم التالي قررت وزوجها تسفيرها «بعد أن رفض ابني دخول البيت من شدة المشهد الذي لم يعتده، حجزنا تذكرة سفر وتوجهنا إلى المستشفى كي نأخذها إلى المطار وهناك كانت المفاجأة، لم نجد الشغالة في المستشفى وبعد أن تقصينا عن الخبر قيل لنا إن مسؤولاً بالسفارة جاء واستلمها ووقع على أن يتحمل ما يجري لها من مضاعفات، وفي السفارة اكتشفنا بقية حلقات المسلسل في أنها الآن تحولت بقدرة قادر إلى موظفة تعمل في إحدى محال الإكسسوارات في مول تجاري كبير في البحرين، وتم توظيفها بسرعة البرق دون أوراق ثبوتية، فما كان منا إلا أن طالبنا السفارة باسترداد المبلغ الذي صرفناه لإحضارها إلى البحرين، وللأمانة لم يترددوا في تعويضنا لكنهم أبقوا عليها في عملها ومازالت».
إذاً هذا المسلسل الدرامي هو واحد من المسلسلات التي تطرح قضايا أصبح يعاني منها المواطن البحريني مع هكذا شغالات يهربن من بيت مخدومهن، وفي اليوم التالي يتم توظيفهم دون روح وتعال والشواغر تنتظرهم والوظائف تتبسم لهم «يابختهم عيال ديرة».
هذه القصص أصبحت لعبة تمارس بين «السفارة والشغالة» تتعب نفسك وتخسر فلوسك وتركض من وزارة العمل للجوازات وعندما تصل الشغالة تعمل عندك على أكثر احتمال شهرين لا أكثر، تبدأ بعدها في تلقي الدروس للإعداد للهرب، من خلال الإجازة الأسبوعية التي تلتقي فيها مع أصدقائها وربما من يرتب لها الوظيفة الجديدة بعد أن يتم تهريبها من بيت «المعزب» المسكين «يافرحة ماتمت».
الغريب أن هؤلاء العاملين يصلون إلى البحرين وهم على بينة بكل قوانين العمل والهجرة والجوازات والمخالفات العمالية التي دائماً ما تكون في مصلحتهم وضد المواطن، فأنت مثلاً مسؤول عن الشغالة لو هربت وعندما تذهب لتبلغ في مركز الشرطة يقولون لك بكل برود «إذا تم القبض عليها بالصدفة عليك التفاهم معها على المبلغ الذي دفعته لها قبل أن يتم تحويلها للنيابة بـ10 أيام، أو أن النيابة حكمها جاهز ترحلها من البلد وأنت من يدفع تذكرتها حتى لو لم تسترد المبلغ المدفوع».
وأنت يالمسكين من تعب وتمرمر وتدين لكي يوفر 700 دينار تجلب لك شغالة لمدة شهر أو شهرين، تتحول بعدها بقدرة قادر إلى موظفة محترمة في محل تجاري وأنت عليك في البحث عن «إخراج تصريح جديد» ودفع الرسوم من جديد وتنتظر «الفرج» إلى أن يتم الموافقة على طلبك، وبعد كل هذه البهدلة والعذاب النتيجة جاهزة، والسؤال من يحاسب السفارة ومن يحاسب المحلات التي توظفهم وأوراقهم الثبوتية وجوازاتهم محجوزة عند مخدوميهم؟.
وهكذا تجد نفسك «كالثور» يدور حول الساقية معصوب العينين وتأتيه الصفعات وهو لا يفعل شيئاً سوى الدوران حول الساقية.
الرشفة الأخيرة
عندما نشاهد الأعمال المقدمة اليوم في التلفزيونات نجد كم هي ضعيفة ومسروقة من أعمال جميلة ومتعوب عليها، وكلما قرأنا اسم مؤلف العمل الذي لا علاقة له بالدراما نكتشف السرقات ونقول لهم «لو كل من يه ونجر ماتم في الوادي شجر».
ونتذكر اللوحات المقدمة في أعمالنا التراثية الجميلة «أيام العز» ونتحسر عليها «راحت رجال ترفع الدروازة ويات رجال المطنزة والعازة».