في أكتوبر الماضي أقر مجلس الوزراء مشروع الموازنة العامة الجديدة للعامين 2013 – 2014، والتي عدت الأضخم في تاريخ البحرين، حيث قدرت المصروفات بـ 6.99 مليار دينار، ورفعها إلى السلطة التشريعية التي بدورها قدمت مرئياتها بخصوص الموازنة العامة لوزير المالية، حيث تضمنت المطالبة بزيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين وإقرار المعايير الجديدة للدعم المالي للمواطنين والتي تم التوافق عليها من قبل جميع الكتل النيابية.
وعند الحديث عن أكبر ميزانية في تاريخ البحرين والتي تتزامن مع وصول دفعات الدعم الخليجي، فإن المواطن البسيط قبل الاقتصادي ينتظر أن ينعكس ذلك على حياته بشكل مباشر وغير مباشر، من تحسين خدمات وسرعة إنجاز المشاريع إلى زيادة في الرواتب والتقاعد، إلى ضخ مزيد من السيولة في السوق المحلية على أمل مراقبة الأسعار، حتى لا يتلاعب التجار بها، ويقتنصون تلك الزيادة المرتقبة، حتى قبل وصولها، لعل هذه أبرز أحاديث الناس حينما ينصرفون إلى متطلبات الحياة واحتياجاتها بعيداً عن السياسة.
ولكن عفواً، نسيت أن أذكر أن من أبرز أحاديث الناس هذه الأيام أيضاً، عبارات لم نكن لنتوقع أن نسمعها في بلادنا، وفي وقت وظروف كهذه تحديداً، العبارات مثل «ليش ما وصل الدياي!! في دياي في السوق أو لا!! اللحم الموجود في السوق زين أو فاسد!! ما في لحم عند الجزار!!»، نعم صرنا نسمع تلك العبارات باستمرار وصار من المألوف أن تجد بحرينيين يصطفون عند سيارة نقل الدجاج ويتسابقون للظفر بدجاجتين أو ثلاثة، بل إن الدجاج صار يباع وينفد قبل دخوله إلى ثلاجة البائع، لأن الناس تكون قد حجزت بل و»رشت» البائع كي يخصها بأكثر من دجاجتين، والأمر ينطبق على الجزار واللحوم!! فمن منا كان يتوقع ذلك في الوقت الذي تعلن فيه الحكومة عن أكبر ميزانية في تاريخ البلاد؟!
نعلم جميعاً أن الدولة تقدم دعماً سخياً للحوم البيضاء والحمراء والدقيق، حتى يحافظ على سعره لأكثر من 40 عاماً، ومقابل كل دينار يدفعه المواطن لكيلو اللحم تدفع الدولة ما بين دينارين ونصف إلى ثلاثة، ففي عام 2012 استحوذت اللحوم على 75% من إجمالي الدعم الغذائي، إذ وصل إلى 50 مليون دينار، ومخصص له 60 مليون في موازنة هذا العام، فأين إذن تكمن المشكلة؟! المشكلة باختصار ووضوح تكمن في احتكار شركة واحدة لسوق اللحوم وأخرى للدجاج.
فأزمة اللحوم ليست جديدة، إذ إن بوادرها كانت في عام 2004 ومن ثم في 2007 ولكنها زادت وأصبحت تصاعدية منذ عام 2009، وكلنا يتذكر الأخبار في 2011 عن إتلاف إدارة الصحة العامة شحنة من لحوم فاسدة تزن نحو «14198» كيلوغراماً، وفي 2010 تم اكتشاف شحنات من اللحوم الفاسدة الباكستانية بوزن «18872» كيلوغراماً، كما حدث في العام الماضي، وتبادلت مختلف الأطراف ذات العلاقة من وزارات حكومية أو شركة البحرين للمواشي الاتهامات حول مسؤولية «اختفاء» اللحوم من الأسواق البحرينية، حيث حملت شركة البحرين للمواشي وزارة البلديات مسؤولية نقص اللحوم، وذلك بعد رفضهم السماح بدخول «الأغنام السليمة» بحسب وصفها من الشحنة الأسترالية، في حين أكدت الوزارة أن عدم السماح للشحنتين الأستراليتين نظراً لوجود أمراض خطيرة قد تنتقل إلى الإنسان من خلالها، ولذلك فإنها لا تتحمل مسؤولية نقص اللحوم، كونها حافظت على سلامة المواطنين، كما حدث أن حملت كتلة «الأصالة» في بيان رسمي الحكومة وشركة البحرين للمواشي المسؤولية عن أزمة اللحوم الموجودة حالياً، وعدم كفاية المعروض من الماشية لمواجهة الطلب المحلي.
المؤكد أن الطب البيطري التابع لوزارة البلديات تطور كثيراً مؤخراً، وكان للوزير د. جمعة الكعبي دور مهم في ذلك حيث قام بنفسه بزيارات ميدانية، لكن الأكيد أيضاً بحسب كل المتابعين أن احتكار سوق اللحوم في شركة واحدة يقدم لها كل الدعم، وهو الذي أوصلنا لما نحن فيه اليوم، ففي غياب المنافسة لا تجد الشركة مبرراً لتطوير إنتاجها، ولا تبحث عن نوعيات أفضل من اللحوم ودول أخرى للاستيراد، فهي تضع المواطن أمام خيار لا بديل له، هو إما استخدام الموجود أو الامتناع عن استهلاك اللحوم، وهذا غير وارد بطبيعة الحال، أما بخصوص أسباب نقص الدجاج فتعود الأسباب بحسب متابعين إلى أن مسلخ الدجاج التابع لشركة الدواجن لم يطور قدرته على الإنتاج لأكثر من ثلاثين عاماً، وبالتالي فمن البديهي أن الإنتاج الذي كان يكفي في الثمانينات لن يكون كافياً اليوم، والمنطقي أنه لن يكون كذلك في الغد، فإن استمر الوضع على ما هو عليه فستجد البحرينيين بعد عشرين عاماً يضعون أسماءهم لأسابيع في «قوائم الانتظار» للحصول على دجاجة!!
شريط إخباري:
إن هذه الأزمة التي تكررت خلال السنوات الماضية تتطلب عملاً جاداً، لإيجاد حلول دائمة، قد يكون من أبرزها دعم المزارعين البحرينيين، وكسر احتكار سوق اللحوم والدواجن، والبحث عن مصادر أخرى للاستيراد، والأهم أن يتم وضع موضوع الأمن الغذائي على قائمة الأولويات من مختلف الأطراف، بمن فيهم الحكومة والمجلس التشريعي وغرفة التجارة والصناعة وحتى الإعلام والصحافة.
وعند الحديث عن أكبر ميزانية في تاريخ البحرين والتي تتزامن مع وصول دفعات الدعم الخليجي، فإن المواطن البسيط قبل الاقتصادي ينتظر أن ينعكس ذلك على حياته بشكل مباشر وغير مباشر، من تحسين خدمات وسرعة إنجاز المشاريع إلى زيادة في الرواتب والتقاعد، إلى ضخ مزيد من السيولة في السوق المحلية على أمل مراقبة الأسعار، حتى لا يتلاعب التجار بها، ويقتنصون تلك الزيادة المرتقبة، حتى قبل وصولها، لعل هذه أبرز أحاديث الناس حينما ينصرفون إلى متطلبات الحياة واحتياجاتها بعيداً عن السياسة.
ولكن عفواً، نسيت أن أذكر أن من أبرز أحاديث الناس هذه الأيام أيضاً، عبارات لم نكن لنتوقع أن نسمعها في بلادنا، وفي وقت وظروف كهذه تحديداً، العبارات مثل «ليش ما وصل الدياي!! في دياي في السوق أو لا!! اللحم الموجود في السوق زين أو فاسد!! ما في لحم عند الجزار!!»، نعم صرنا نسمع تلك العبارات باستمرار وصار من المألوف أن تجد بحرينيين يصطفون عند سيارة نقل الدجاج ويتسابقون للظفر بدجاجتين أو ثلاثة، بل إن الدجاج صار يباع وينفد قبل دخوله إلى ثلاجة البائع، لأن الناس تكون قد حجزت بل و»رشت» البائع كي يخصها بأكثر من دجاجتين، والأمر ينطبق على الجزار واللحوم!! فمن منا كان يتوقع ذلك في الوقت الذي تعلن فيه الحكومة عن أكبر ميزانية في تاريخ البلاد؟!
نعلم جميعاً أن الدولة تقدم دعماً سخياً للحوم البيضاء والحمراء والدقيق، حتى يحافظ على سعره لأكثر من 40 عاماً، ومقابل كل دينار يدفعه المواطن لكيلو اللحم تدفع الدولة ما بين دينارين ونصف إلى ثلاثة، ففي عام 2012 استحوذت اللحوم على 75% من إجمالي الدعم الغذائي، إذ وصل إلى 50 مليون دينار، ومخصص له 60 مليون في موازنة هذا العام، فأين إذن تكمن المشكلة؟! المشكلة باختصار ووضوح تكمن في احتكار شركة واحدة لسوق اللحوم وأخرى للدجاج.
فأزمة اللحوم ليست جديدة، إذ إن بوادرها كانت في عام 2004 ومن ثم في 2007 ولكنها زادت وأصبحت تصاعدية منذ عام 2009، وكلنا يتذكر الأخبار في 2011 عن إتلاف إدارة الصحة العامة شحنة من لحوم فاسدة تزن نحو «14198» كيلوغراماً، وفي 2010 تم اكتشاف شحنات من اللحوم الفاسدة الباكستانية بوزن «18872» كيلوغراماً، كما حدث في العام الماضي، وتبادلت مختلف الأطراف ذات العلاقة من وزارات حكومية أو شركة البحرين للمواشي الاتهامات حول مسؤولية «اختفاء» اللحوم من الأسواق البحرينية، حيث حملت شركة البحرين للمواشي وزارة البلديات مسؤولية نقص اللحوم، وذلك بعد رفضهم السماح بدخول «الأغنام السليمة» بحسب وصفها من الشحنة الأسترالية، في حين أكدت الوزارة أن عدم السماح للشحنتين الأستراليتين نظراً لوجود أمراض خطيرة قد تنتقل إلى الإنسان من خلالها، ولذلك فإنها لا تتحمل مسؤولية نقص اللحوم، كونها حافظت على سلامة المواطنين، كما حدث أن حملت كتلة «الأصالة» في بيان رسمي الحكومة وشركة البحرين للمواشي المسؤولية عن أزمة اللحوم الموجودة حالياً، وعدم كفاية المعروض من الماشية لمواجهة الطلب المحلي.
المؤكد أن الطب البيطري التابع لوزارة البلديات تطور كثيراً مؤخراً، وكان للوزير د. جمعة الكعبي دور مهم في ذلك حيث قام بنفسه بزيارات ميدانية، لكن الأكيد أيضاً بحسب كل المتابعين أن احتكار سوق اللحوم في شركة واحدة يقدم لها كل الدعم، وهو الذي أوصلنا لما نحن فيه اليوم، ففي غياب المنافسة لا تجد الشركة مبرراً لتطوير إنتاجها، ولا تبحث عن نوعيات أفضل من اللحوم ودول أخرى للاستيراد، فهي تضع المواطن أمام خيار لا بديل له، هو إما استخدام الموجود أو الامتناع عن استهلاك اللحوم، وهذا غير وارد بطبيعة الحال، أما بخصوص أسباب نقص الدجاج فتعود الأسباب بحسب متابعين إلى أن مسلخ الدجاج التابع لشركة الدواجن لم يطور قدرته على الإنتاج لأكثر من ثلاثين عاماً، وبالتالي فمن البديهي أن الإنتاج الذي كان يكفي في الثمانينات لن يكون كافياً اليوم، والمنطقي أنه لن يكون كذلك في الغد، فإن استمر الوضع على ما هو عليه فستجد البحرينيين بعد عشرين عاماً يضعون أسماءهم لأسابيع في «قوائم الانتظار» للحصول على دجاجة!!
شريط إخباري:
إن هذه الأزمة التي تكررت خلال السنوات الماضية تتطلب عملاً جاداً، لإيجاد حلول دائمة، قد يكون من أبرزها دعم المزارعين البحرينيين، وكسر احتكار سوق اللحوم والدواجن، والبحث عن مصادر أخرى للاستيراد، والأهم أن يتم وضع موضوع الأمن الغذائي على قائمة الأولويات من مختلف الأطراف، بمن فيهم الحكومة والمجلس التشريعي وغرفة التجارة والصناعة وحتى الإعلام والصحافة.