طهران هي الواقفة حين يجلس الآخرون، فمنذ 30 عاماً لم تكل أو تمل من جعلنا نستعد لتجرع حصتنا من المنغصات الفصلية أو الشهرية وربما اليومية مستقبلاً.
لقد وصل صانع القرار في طهران إلى أن التدخل في شؤون الغير لا يجب أن يمارس عبر ثرثرة الإعلام بتصريح لرئيس مجلس الشورى أو مقال لرئيس تحرير «كيهان»، بل عبر صمت العمل الاستخباراتي.
لقد أوصلتنا وزارة «إطلاعات» بأفرعها الاستخباراتية المختلفة لحالة أصبح الإعلان فيها عن القبض على خلية إيرانية للتجسس أمراً مألوفاً في أكثر من دولة خليجية. وحين تتوقف الأسطر عن الحداد على هذه المأساة لبضع ثوان. يقفز سؤال حاد هو: لماذا استيقظت الخلية التجسسية الإيرانية في المملكة العربية السعودية الشقيقة الآن؟
قبل طرح الإجابة، تلفت نظرنا جملة وقائع منها أن الرياض لم تتهم إيران أو «حزب الله» بالضلوع في هذا العمل حين أعلنته، رغم أن المتوفر في أسطر البيان السعودي يشير مثل ألف شاهد إلى تورطهما. لكن الأشد إرباكاً للمراقب الخليجي هو أن السعودية تواجه لأول مرة شبكة تجسس يشارك فيها مواطنون سعوديون. وعليه نرى أن الخلية التجسسية تلقت الإيعاز للنشاط في المملكة لأسباب عدة منها:
- تنقض الخلايا التجسسية الإيرانية على الخطايا بكل لهفة، فعناصرها تمارس التجسس بشكل شعائري. حيث لا يرى أفراد تلك الخلايا سقوطهم كخسارة، فهو يضحي بنفسه قفزاً للتهلكة بشكل طوعي وبتفكير منحرف، فهو جاسوس «كاميكازي، Kamikaze». ومادام الجهاد المقدس مستمراً ففي ذلك زيادة في رصيد الملالي المحافظين. وهو رصيد سينفق لتسويقهم في انتخابات الرئاسة وانتخابات المجالس البلدية الإيرانية في 14 يونيو 2013.
- نشاط الخلايا الحالي يتزامن مع تغيّر القواعد الإقليمية، باشتداد ضغط الشارع العراقي على المالكي. فبناء على تحليل لويز أربور»LOUISE ARBOUR» في «عشرة صراعات للمتابعـة في عام 2013» بمجلة «foreign policy» قررت حكومته، دعم إيران في صراعها مع الغرب للحيلولة دون السيطرة السنية الخليجية على المنطقة. كما تزامن نشاط الخلايا الحالي مع الانحسار الإيراني أمام التقدم الخليجي في سوريا. وهو أيضاً تعويض عن انهيارات الجهد الاستخباراتي الإيراني وهو يمتطي الدراجات النارية بمواجهات القطيف، ومع مشاغبي أزقة القرى المظلمة بالبحرين.
- لدى صانع القرار الإيراني ميل دائم إلى القفز نحو النتائج، دون بذل ما يسندها من جهد. فقد امتلك الإيرانيون خبرة ميدانية استخباراتية ثرية في الحالة الكويتية، بسبب الطبيعة المنفتحة لذلك المجتمع. ومثلها في البحرين والإمارات. وما حصل في السعودية هو ترقية للعمل الاستخباري الإيراني «Intel Upgrade» كما يتوهمون.
- تنتهج الاستخبارات الإيرانية مبدأ إدامة التماس مع الغريم، وذلك لحرمانه من الحصول على فسحة من الوقت لخلق مفاجأة، فيما تمارس نفسها خلق المفاجآت عبر دول الخليج كزوبعة أو كحدث تجسسي ضخم جديد يعطل حتى ردة الفعل لدينا.
لكن الاتفاقية الأمنية الخليجية التي لم يجف حبر مدادها بعد، أظهرت تماسكها ومستقبل السياق الذي يتحرك الخليجيون ضمنه. فبعد سويعات من إعلان الداخلية الكويتية إغلاق ملف خلية التجسس الإيرانية بالكويت، أعلنت الرياض عن الشبكة التجسسية هناك، مما يديم التماس الاستخباراتي بين ضفتي الخليج. لقد اختطت طهران مساراً جديداً في جهدها الاستخباراتي مع دول الخليج العربي، فأخذت في تطبيق نظريات الفيزياء وعلم الأحياء معاً في تقربها. فهي تطبق حينا نظرية «الأواني المستطرقة»، فحين نضع سائلاً في مجموعة أوانٍ متصلة فإن المستوى العلوي للسائل سيكون متساو في جميعها، رغم اختلافها في الشكل والحجم. لكون الضغط الواقع عليها من أعلى متساو. وعليه تضغط إيران بضرباتها الاستخباراتية بشكل متساو مرة في الكويت، ومرة في المنامة، ومرة في الرياض، والنتيجة إحساس خليجي عام ومتساو بفقدان الأمن.
كما تطبق علم الأحياء، فكل بلد خليجي يثق في خطوطه الدفاعية الخلفية، لكون السعودية هي عمقنا الاستراتيجي جميعاً، لذا وجدت إيران أنها منيت بالفشل في بتر طرف كامل من الجسد الخليجي، فأقدمت على إشعال الحرائق التجسسية هنا وهناك، وما ذلك إلا شكل من أشكال نشر الالتهاب في كل مفصل حيوي ضمن أعضاء ذلك الجسد ليعاني بقية الخليجيين من الألم.
وبحثاً عن خاتمة لالتهاب المفاصل الخليجية الذي تخلقه إيران، نجد أن الأسئلة أكثر من الإجابات، فكيف يصاب جسد شاب كالجسد الخليجي بالالتهابات جراء عبث استخبارات صبية الحرس الثوري! وهل للاستكانة ونشر قيم دولة الرفاه دور في نشر مرض الملوك «النقرس» في الجسد الخليجي بين عامة الشعب دون خاصته مقارنة بالشعوب الأخرى؟ وهل يمكن خلق مصل مضاد للالتهابات الإيرانية في المفاصل الخليجية يكون قادراً على أن يقصي أولاً كل الانقسامات، كمرحلة علاجية لمقاومة المرض الخارجي؟
المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج
لقد وصل صانع القرار في طهران إلى أن التدخل في شؤون الغير لا يجب أن يمارس عبر ثرثرة الإعلام بتصريح لرئيس مجلس الشورى أو مقال لرئيس تحرير «كيهان»، بل عبر صمت العمل الاستخباراتي.
لقد أوصلتنا وزارة «إطلاعات» بأفرعها الاستخباراتية المختلفة لحالة أصبح الإعلان فيها عن القبض على خلية إيرانية للتجسس أمراً مألوفاً في أكثر من دولة خليجية. وحين تتوقف الأسطر عن الحداد على هذه المأساة لبضع ثوان. يقفز سؤال حاد هو: لماذا استيقظت الخلية التجسسية الإيرانية في المملكة العربية السعودية الشقيقة الآن؟
قبل طرح الإجابة، تلفت نظرنا جملة وقائع منها أن الرياض لم تتهم إيران أو «حزب الله» بالضلوع في هذا العمل حين أعلنته، رغم أن المتوفر في أسطر البيان السعودي يشير مثل ألف شاهد إلى تورطهما. لكن الأشد إرباكاً للمراقب الخليجي هو أن السعودية تواجه لأول مرة شبكة تجسس يشارك فيها مواطنون سعوديون. وعليه نرى أن الخلية التجسسية تلقت الإيعاز للنشاط في المملكة لأسباب عدة منها:
- تنقض الخلايا التجسسية الإيرانية على الخطايا بكل لهفة، فعناصرها تمارس التجسس بشكل شعائري. حيث لا يرى أفراد تلك الخلايا سقوطهم كخسارة، فهو يضحي بنفسه قفزاً للتهلكة بشكل طوعي وبتفكير منحرف، فهو جاسوس «كاميكازي، Kamikaze». ومادام الجهاد المقدس مستمراً ففي ذلك زيادة في رصيد الملالي المحافظين. وهو رصيد سينفق لتسويقهم في انتخابات الرئاسة وانتخابات المجالس البلدية الإيرانية في 14 يونيو 2013.
- نشاط الخلايا الحالي يتزامن مع تغيّر القواعد الإقليمية، باشتداد ضغط الشارع العراقي على المالكي. فبناء على تحليل لويز أربور»LOUISE ARBOUR» في «عشرة صراعات للمتابعـة في عام 2013» بمجلة «foreign policy» قررت حكومته، دعم إيران في صراعها مع الغرب للحيلولة دون السيطرة السنية الخليجية على المنطقة. كما تزامن نشاط الخلايا الحالي مع الانحسار الإيراني أمام التقدم الخليجي في سوريا. وهو أيضاً تعويض عن انهيارات الجهد الاستخباراتي الإيراني وهو يمتطي الدراجات النارية بمواجهات القطيف، ومع مشاغبي أزقة القرى المظلمة بالبحرين.
- لدى صانع القرار الإيراني ميل دائم إلى القفز نحو النتائج، دون بذل ما يسندها من جهد. فقد امتلك الإيرانيون خبرة ميدانية استخباراتية ثرية في الحالة الكويتية، بسبب الطبيعة المنفتحة لذلك المجتمع. ومثلها في البحرين والإمارات. وما حصل في السعودية هو ترقية للعمل الاستخباري الإيراني «Intel Upgrade» كما يتوهمون.
- تنتهج الاستخبارات الإيرانية مبدأ إدامة التماس مع الغريم، وذلك لحرمانه من الحصول على فسحة من الوقت لخلق مفاجأة، فيما تمارس نفسها خلق المفاجآت عبر دول الخليج كزوبعة أو كحدث تجسسي ضخم جديد يعطل حتى ردة الفعل لدينا.
لكن الاتفاقية الأمنية الخليجية التي لم يجف حبر مدادها بعد، أظهرت تماسكها ومستقبل السياق الذي يتحرك الخليجيون ضمنه. فبعد سويعات من إعلان الداخلية الكويتية إغلاق ملف خلية التجسس الإيرانية بالكويت، أعلنت الرياض عن الشبكة التجسسية هناك، مما يديم التماس الاستخباراتي بين ضفتي الخليج. لقد اختطت طهران مساراً جديداً في جهدها الاستخباراتي مع دول الخليج العربي، فأخذت في تطبيق نظريات الفيزياء وعلم الأحياء معاً في تقربها. فهي تطبق حينا نظرية «الأواني المستطرقة»، فحين نضع سائلاً في مجموعة أوانٍ متصلة فإن المستوى العلوي للسائل سيكون متساو في جميعها، رغم اختلافها في الشكل والحجم. لكون الضغط الواقع عليها من أعلى متساو. وعليه تضغط إيران بضرباتها الاستخباراتية بشكل متساو مرة في الكويت، ومرة في المنامة، ومرة في الرياض، والنتيجة إحساس خليجي عام ومتساو بفقدان الأمن.
كما تطبق علم الأحياء، فكل بلد خليجي يثق في خطوطه الدفاعية الخلفية، لكون السعودية هي عمقنا الاستراتيجي جميعاً، لذا وجدت إيران أنها منيت بالفشل في بتر طرف كامل من الجسد الخليجي، فأقدمت على إشعال الحرائق التجسسية هنا وهناك، وما ذلك إلا شكل من أشكال نشر الالتهاب في كل مفصل حيوي ضمن أعضاء ذلك الجسد ليعاني بقية الخليجيين من الألم.
وبحثاً عن خاتمة لالتهاب المفاصل الخليجية الذي تخلقه إيران، نجد أن الأسئلة أكثر من الإجابات، فكيف يصاب جسد شاب كالجسد الخليجي بالالتهابات جراء عبث استخبارات صبية الحرس الثوري! وهل للاستكانة ونشر قيم دولة الرفاه دور في نشر مرض الملوك «النقرس» في الجسد الخليجي بين عامة الشعب دون خاصته مقارنة بالشعوب الأخرى؟ وهل يمكن خلق مصل مضاد للالتهابات الإيرانية في المفاصل الخليجية يكون قادراً على أن يقصي أولاً كل الانقسامات، كمرحلة علاجية لمقاومة المرض الخارجي؟
المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج