سبحان الله هذا الحوار الذي ادعت الوفاق أنها تسعى له تحاول الآن بشتى الطرق تجنبه وسد بابه.
فللمرة الأولى تجلس فيها مجموعة الولي الفقيه التي أغرقت البحرين في أتون الطائفية منذ الثمانينات إلى اليوم وعلى مدى 30 عاماً وجهاً لوجه مع شعب البحرين في جلسات حوار التوافق الوطني، تتناقش وتتجادل في مفاهيم ومعطيات دستورية وقانونية وسياسية اعتقدت أنها مسلمات وعلى الآخرين التسليم بها وعدم مناقشتها، وحين رأت مستواها ومستوى من يحاورها قالت أريد أن أستعين بخبير أجنبي!!
منذ الثمانينات وهذه المجموعة تحدث نفسها وترد على نفسها بسراديب مظلمة لا تسمع فيها إلا صوتها، رسمت لها تصوراً لدولة العدل ودولة الحق حسب مقاييسها التي بنتها بناء على معطيات بعضها ديموغرافي وبعضها أيديولوجي، بانغلاق تام وبمعزل عن الواقع وبانقطاع عن التاريخ وسياقه بنوا تصورهم للدولة الافتراضية وحاولوا قصراً في الثمانينات ثم في التسعينات إسقاط الدولة البحرينية.
لم يخرجوا عن السياق إلا لومضة قصيرة هي لحظة التصويت على الميثاق، حيث ذابت فيها الجموع بشكل تلقائي وعفوي مع بقية أطياف الشعب البحريني وعاشت البحرين أجمل أيامها، إنما كما قلنا كانت ومضة قصيرة، وحين تبين لقياداتهم بأن التعديلات الدستورية سحبت البساط من تحت أقدامها، وأن تلك التعديلات لن تمنحهم الأفضلية ولن تمكنهم من الهيمنة على القرار وصنع الدولة الافتراضية التي يحلمون بها، وبأن هناك موازنة سياسية أوجدتها التعديلات حفظت لكل الأطياف جزءاً من صناعته، عاد حلم الدولة الافتراضية من جديد وسحبت العمامة مقبس الكهرباء عن تلك الموضة، وعاد العمل الدؤوب لإسقاط الدولة.
وبين قرار المقاطعة وقرار المشاركة اختلفوا على التكتيك إنما الهدف كان موحداً ومن الدوار إلى الحوار تعددت الوسائل و«الإسقاط» واحد.
اليوم اضطرت هذه المجموعة مرغمة ومجبرة للجلوس مع أطياف الشعب البحريني الذي تنكر عقيدتها وجوده، هي اليوم في جلسات الحوار تواجه واقعاً أنكرته وتهربت منه، اليوم يجبرها الحوار هذه الأداة -التي اعتقدت أنها في صالحها- أن تمتحن بضاعتها.
لذا هي تماطل وتسد الأبواب وتضع الشروط وتشتم وتسب وتفقد أعصابها، فهي كالطفل المجبر على الجلوس على «النوتي شير» وأمامه من لا يريد أن يراهم، فيشيح بوجهه يميناً ويساراً تفادياً للنظرة المباشرة وتفادياً للتواصل النظري المباشر.
أجبرها العم سام وبريطانيا على الجلوس. فالتوافق الوطني يتطلب أن تكون الرؤية السياسية رؤية متوافقاً عليها بين أطياف الشعب، وهذا لن يكون دون التواصل مع أطياف وشعب لم يكن له وجود في المخيلة.
تدعي جماعة الولي الفقيه أن بضعة أفراد هم أعضاء 3 جمعيات «لا تصلي ولا تصوم» مجموع عضويتها لا يصل إلى 500 شخص هم من يشكلون معها صورة التوافق الوطني، والأعضاء الذين لا يصلون ولا يصومون يشيحون بوجههم وهم لا أرى لا أسمع لا أتكلم ويسمعون طعن وشتم وسب لا الشعب البحريني بل سبها هي أيضاً تلك الجمعيات. فتلك الجمعيات نجاسة ومحرم عليهم دخول مآتم الوفاق حسب فتوى عيسى قاسم حين حرم على عبدالرحمن النعيمي رحمه الله دخول المأتم، هؤلاء فقط من تقدمهم الوفاق للمجتمع الدولي بأنهم «التوافق الوطني» وهم فرحون بشنطة هنا وشنطة هناك ونظارات شمسية وصور فوتوغرافية «ذكروني ببوستر لفيلم بروس ويلس وهو يتقدم مجموعة من رواد فضاء يسيرون بطريقة السلو موشن ذاهبين لمهمة تفجير أحد الكواكب في المجموعة الشمسية».
اليوم عن طريق الحوار تواجه هذه المجموعة حقيقة تمثيلها للشيعة، حين ترى شيعة يواجهونها وجهاً لوجه ويرفضون أن يكونوا خرافاً لها وعبيداً تسوقهم العمامة، اليوم تواجه جمعيات دينية سنية وجمعيات سياسية ومستقلين وأعضاء شورى وأعضاء سلطة تنفيذية، يواجهونها بحجج قانونية وحجج دستورية وحجج سياسية وحجج ديموغرافية أيضاً، اليوم توضع كل المعطيات التي بنت عليها الوفاق دولتها الافتراضية تحت الشمس.
قد يطول الحوار لكنه البداية الصحيحة، إنها المرة الأولى التي يحسم فيها جدل التكوين البحريني، وهذا مفصل بحريني مهم سيبنى عليه مستقبلاً مبدأ الاعتراف بالآخر والقبول بالتعايش السلمي واحترام الآخر ومن كل الأطراف.
ورغم أنني أشك أنها قادرة على تحمل مسؤولية أخطائها، لأن في ذلك بداية لتسكير ملف حلم الدولة الافتراضية وحلم المجتمع الافتراضي وحلم اليقظة الذي دام 30 عاماً إنما يستطيع بعض «الوسطاء» -إن امتلكوا الشجاعة- أن يقودوا هذا المسار لمساعدتها على العودة للحضن الوطني الكبير، فنجاح الحوار يبدأ حين تبذل جماعة الولي الفقيه جهداً للسير قدماً باتجاه شعب البحرين أي على طريق معاكس مناقض لمسار دام 30 عاماً، أما الجمعيات التي «لا تصلي و لا تصوم» فستحول مسارها تابعة بتلقائية.. لا مشكلة.