حتى أخترق أي نظام أثبتت التجارب أن قوته تظهر حينما يستهدف بالقوة والمواجهة المباشرة، أحتاج إلى التخطيط لاختراقه من الداخل وإضعاف مواطن القوة فيه، وهذه العملية تكون تمهيداً للحظة الانقضاض بحيث يكون النظام مشتت القوى وتصعب عليه عملية الدفاع عن نفسه ويكون عرضة للتأثر بالضربات هنا وهناك.
هذه السياسة مكشوفة «نظرياً» للجميع، وأي مواطن بسيط يمكنه أن يتحدث بشأنها وبإسهاب، لكن هذا ليس مربط الفرس، إذ المسألة مرتبطة ارتباطاً مباشراً بمن يعنيهم الاستهداف وما إذا كانوا يعرفون تماماً ما يحاك ويخطط له على نار هادئة.
أشك أن الدولة غافلة عما يفعله هؤلاء، وأشك أيضاً أنها لا تدرك مسعاهم للتقرب من بعض مراكز القوى، إضافة لمحاولتهم إعادة التموضع داخل مؤسسات الدولة وزرع قنابل موقوتة فيها، أشك أن النظام لا يعرف من يستهدفه بالوجه والاسم، لكن ما أشك فيه هو طريقة التعامل والنية لحسم الأمور التي طالت.
اليوم ليس حلاً لإعادة التوازن للحياة البحرينية ولإعادة استتباب الأمن عبر تمكين هؤلاء من جديد، ليس الحل بتكرار نفس الأخطاء بمد البساط أكثر لمن يتربص بهذا البلد ليتحرك بحرية ويعاود «المحاولة من جديد».
كلنا نعرف أن استهداف منصب سمو رئيس الوزراء كان البداية، وستليه استهدافات أكثر، تبدأ من وزارات الدولة المعنية بهيبتها مثل الداخلية والجيش وستنتهي إلى أعلى مستوى في الدولة، ولو ترجعون للوراء قليلاً لوجدتم في مرحلة «الدوار» أنه تم جمع الاستهدافات كلها معاً، رئاسة الوزراء، الداخلية، الجيش وموقع المشير، ووصلت إلى التطاول على رمز النظام جلالة الملك.
الاستهداف «الشامل» في تلك الفترة تسبب باستنفار أجهزة الدولة كلها ومعهم المخلصين من أبناء هذا البلد فتم إفشال المحاولة الانقلابية وتم إرغام أصحاب النوايا الشريرة لمراجعة حساباتهم والتفكير مرة أخرى بمحاولة التغلغل بأسلوب تغيير جلد الحرباء وبأسلوب تلوي الأفعى.
محاولة بعض المؤسسات المدنية إثبات حسن النوايا مع من لا يمتلكون أصلاً حسن نوايا مع هذا البلد ليست «شطارة»، بل هو انتحار سياسي بطيء، فمن حاول الانقلاب على البلد وطعنها في الظهر لم يتراجع عن هدفه إلا حينما رأى أن ميزان القوة لا يميل لكفته، لم يخنع ويغير خطابه ويكذب وينافق إلا حينما أدرك أن المواجهة المباشرة سيخرج منها خاسراً لا محالة.
اليوم سيهدأون في مواقع بالأخص على طاولة الحوار التي يحاولون تمديد أجلها الزمني إلى أجل غير معلوم وسينشطون في الشوارع وإرهابها لحرق البلد وتخريبها وسينشطون في وسائل الإعلام الخارجية لتشويه صورة البلد، هي سياسة مسك شيء باليد كضمانة ولعب بالنار في جانب آخر كوسيلة ضغط.
كل ما نكتبه هنا معروف تماماً، وذكر بدل المرة عشرات المرات، وبات حديث الناس في المجالس، سواء المخلصين الذين بات القلق يعتريهم على مصير البلد، وحتى من يخططون لسرقته باعتبار أنهم يدرسون السبل الممكنة للقيام بمحاولة سرقة تنتهي هذه المرة بالنجاح.
إضعاف مواقع القوى في الدولة خطأ كبير يرتكب لو ظن البعض أنها ستفسر من قبل الغرب والقوى الانقلابية على أنها محاولة إصلاح أو تطوير أو تحديث، كلها تفسر في الحقيقة على أنها إجراءات تتم بسبب الضغط الممارس والذي سيتواصل باعتبار أن القانون مازال لا يأخذ مجراه بشأن عديد من المخالفات التي تحصل والتي تدخل حتى في إطار التعريف العالمي للإرهاب.
إعادة التموضع، هذا ما يحصل اليوم، والمسألة لا تحتاج لفراسة أو حصافة لفهم تغير أسلوب البعض أو تلون الخطابات، ارجعوا للتاريخ، التاريخ لا يمحى بجرة قلم أو صرخات هنا وخطابات هناك، ارجعوا للفترة التي ظنوا فيها أن الدولة سقطت وانظروا لكل واحد منهم كيف أسقط قناعه وتحدث بما يخفيه في قلبه وقيموا مستوى كراهيتهم للدولة ورموز الحكم فيها. أيمكن لكل هذه الكراهية أن تنقلب حباً ووداً وتعايش بين ليلة وضحاها؟!
ما حصل في الأزمة لم يكن على الإطلاق آخر محاولة انقلابية على الدولة البحرينية ونظامها الشرعي، هناك محاولات ستأتي ولكن بطرق أخرى، هذه حقيقة يجب أن تقال، لا رغبة في تأزيم أو تأجيج أوضاع أو تثبيط همم، بل قول صدق يفرضه علينا الولاء لهذه الأرض والحرص على كيانها ومستقبل أبنائها.
رجاء لا تستهينوا بمصير بلد ومئآت الآلاف من أبنائها المخلصين عبر «اللعب السياسي» مع من نصب للنظام المشانق، هذه المشانق لم تنصب هكذا اعتباطاً، وأنتم خير العارفين والعبرة لمن يعتبر.
رب الطف بالبحرين واحفظها بحفظك واهد ولاة أمرها لما فيه الخير والصـلاح.