المناكفة السياسية على طاولة الحوار لن تنتهي بهذا الشكل، إذ واضح أصلاً أن من بعض من يجلس على الطاولة همه فقط إطالة السجال عبر التعنت برأيه دون أن يتنازل عن شيء، وطالما أنه يرى الدولة من جانبها لا تتحرك بقوة باتجاه وقف هذا العنف وإدانة ومحاسبة المروجين له وداعميه، فما المشكلة بالتالي من الجلوس على طاولات لا ينتج عنها شيء لسنة أو عشرين سنة وحرق البلد في الشارع في جانب آخر؟!
الناس باتت تراقب ما يحصل في الحوار بقلة اهتمام، يعرفون تماماً ما سيقال فيه وما سينتج عنه، وباتت توقعاتها صحيحة بشأن ما سيخرج به بعض المتحاورين عليهم من تصريحات، لا جديد في كل جلسة سوى إطالة الأمد إلى أجل غير مسمى، خاصة وأن الطرف المتعنت لا يريد إلا الشيء الذي في رأسه.
عموماً دعوهم يتحاورون إلى ما لا نهاية، ودعوا فواتير الاستضافة والأكل والشرب في منتجع العرين تزيد، فلقد تعودنا على هدر الأموال على أمور لا تخرج البلد إلا بالخسائر من ورائها، إذ هي ليست المرة الأولى، وهنا نقول رجاء إضافة الهدر هذا في تقرير ديوان الرقابة المالية، كونه هدراً من المال العام وهدراً لوقت الوطن وإرهاقاً لعقل المواطن.
الدولة اليوم تحتاج إلى «هزة»، ليست هزة أرضية، بل هزة إدارية تركز على تجديد الدماء في كثير من القطاعات، تولي الثقة لأناس لديهم حيوية الشباب ولديهم الولاء لهذا الأرض والإخلاص في العمل.
يجب أن تكون هناك مراجعة صارمة لعدة مواقع، سواء في الخارج أو الداخل، فهناك من السفراء على سبيل المثال من لا يعرفه الناس إلا بالاسم ولا يعرفون إطلاقاً عن دوره في الخارج لخدمة البحرين وإيصال الحقائق والرد على المغالطات. وهنا لا أعتقد أن أصحاب القرار سيختلفون معنا إن قلنا بأننا في حاجة ملحة لتغيير عدد من السفراء وإبدالهم بأشخاص ذوي كفاءة وقدرة على خدمة الوطن.
انظروا للداخل وركزوا على المواقع القيادية، هي أيضاً تحتاج لـ«هزة»، فكثير من المسؤولين بات واضحاً أن همهم الأول تأمين مستقبلهم، فتركيزهم على أنفسهم أكبر من تركيزهم على تطوير قطاعهم والارتقاء به، بل بعضهم بات اسمه رديفاً للاستهتار الإداري والمالي واسألوا ديوان الرقابة وابحثوا في تقاريره.
وضع الرجل المناسب في المكان المناسب شعار جميل لكننا هنا نبحث عن تطبيق واقعي له فقلما نجد، وصلنا لمرحلة توجب علينا مناصحة الدولة ومطالبتها بالكف عن منح الثقة لمن هو ليس أهلاً لها، في هذا البلد طاقات وطنية مخلصة، فيها شباب متعلم وقادر على التطوير، فلم إذن إدارة الظهر لهؤلاء والتمسك بأناس وصلوا لسقف عطائهم ولا جديد يضيفونه، وضمنهم أناس طعنوا هذا الوطن وخذلوه؟!
الدورة الدموية في هذا البلد يجب أن تتحرك بقوة، وما حصل في جامعة البحرين مؤخراً من لقاء مباشر بين الطلبة وشاب مثلهم هو سمو الشيخ ناصر بن حمد بحضور عدد من الوزراء مسألة طيبة، لكنها تدفعنا للتساؤل عما إذا كانت الأمور ستتغير -وهنا أعني بشأن انفتاح الوزراء- لو أن الداعي لها ليس نجل جلالة الملك؟!
الشيخ ناصر قال للوزراء «افتحوا أبوابكم»، وقبل طلبه لكم أن تسجلوا عشرات من التوجيهات الصادرة من رأس الدولة جلالة الملك ورئيس الحكومة سمو رئيس الوزراء بشأن الاهتمام بالمواطن وفتح مكاتب الوزراء وأبوابهم، لكن الواقع يقول العكس إذ هناك من الوزراء -إلا من رحم ربي- من يصر على خلق جسور ومصدات وعراقيل بينه وبين المواطن، من يثبت عليه ذلك وأن توجيهات القيادة لا تفيد معه فتغييره مطلب ملح، نريد من يخدم هذا الوطن وأهله، لا من يدوس على المواطن ويتعالى عليه.
المراهقة السياسية والمناكفة في هذا الشأن لن تقدم البلد أنملة واحدة طالما لدينا هذه العقليات التي تعمل بأسلوب تخريب البلد وتوضع معها في كفة واحدة عقليات تنظر للبلد على أنها منجم ذهب تغرف منه على حساب المواطن.
البحرين فيها خير كثير، قبل خيرها المادي هناك خير في شبابها وطاقاتها، هناك عشرات المخلصين الذين يمتلكون القدرة على النهوض بها إلى الأمام وتحقيق الصالح لشعبها.
جددوا الدورة الدموية في هذا البلد، فدم المواطن والله «نشف!».