كلما التقيت بهذا الصديق سألني ما هي أخبار مصر وكيف ترى أوضاعها الحالية؟
أجبت بأدب أنها بخير، ولكن أحداث مصر ضخمة، ومشاكلها ضخمة، وسكانها يتمتعون بروح الفكاهة، رغم صعوبة المواقف وتحدياتها.
إن مصر تعيش في هذه المرحلة سنوات صعبة ولكن هذا تكرر في تاريخها القديم والحديث، ولعل في مرحلة الجفاف والقحط والقسوة في السنوات العجاف التي ورد ذكرها في القرآن الكريم في سورة يوسف خير دليل. ومع ذلك فإنه سرعان ما تنهض مصر من كبوتها وتسترد عافيتها وهذا ما يحدث في تاريخ الأمم والشعوب بصور مختلفة.
وسألت صديقي الخليجي العربي ماذا عن أخبار الخليج العربي؟ وما هي توقعاته للمستقبل الخليجي؟ فأجابني أن الخليج العربي بخير فالنهضة على أشدها، والنعيم بفضل الله وثرواته النفطية، والعالم كله يعتبر الخليج كعبة يحج إليها للعمل وللتجارة والاستثمار، والثقافة الخليجية متألقة، والكثير يخدمون في الخليج من أمريكا وآسيا وأمريكا اللاتينية والعرب والأفارقة، تجد الخليج تحول إلى قبلة للاقتصاد والسياسة والاستراتيجية. فقلت له هذا من فضل الله على الخليج خاصة، والعرب عامة، واستذكرت قوله تعالى لسيدنا إبراهيم وحواره معه «ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك الحرام ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون» (سورة إبراهيم الآية 37).
وأخذنا الحديث المصري الخليجي لآفاق رحبة عن السياسة والاستراتيجية والمستقبل. فقلت لصديقي إنه بحكم دراستي للعلوم السياسية والعلاقات الدولية وتاريخ الحضارات وتطور الفكر السياسي، فإنني خلصت إلى خمس حقائق أو عبر أسوة بكتاب العلامة ابن خلدون «في ديوان المبتدأ والخبر.. إلخ» وهذه الدروس تتمثل في الآتي:
الأول: إن الزمن يدور ويتحول ولقد أكد ذلك القرآن الكريم بقوله «وتلك الأيام نداولها بين الناس».
الثاني: إن الله خلق الإنسان في عمل دائب ونضال مستمر «لقد خلقنا الإنسان في كبد» (سورة البلد الآية 4).
الثالث: إن أهداف الخلق البشري تتمثل في ثلاثة وفقاً للمنظور الإسلامي وهي الأول عبادة الله بالمعنى الشامل «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون»، والثاني إعمار الكون وتحقيق تقدمه «إني جاعل في الأرض خليفة» (سورة البقرة، الآية 30)، والثالث التعاون والتعارف «إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا» (سورة الحجرات، الآية 13).
وهذه الحكمة الإلهية أحياناً ينساها الإنسان ولذلك ذكره الله بها في محكم كتابه في قصص القرآن التي لنا فيها عبرة من الطغيان، كما في قصة قارون «فخسفنا به وبداره الأرض» أو في حوار صديقين في سورة الكهف «فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية» أو في مبدأ التحذير الأبدي لحكمة استرشادية «كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى» (سورة العلق، الآية 6/7).
الرابع: إن العرب أمة واحدة، والعرب ليسوا جنساً أو عنصراً، فالإسلام ربط رباطاً محكماً بين أبناء العروبة من الجزيرة العربية، وبين أبناء العروبة الذين اعتنقوا الإسلام وتحولوا للعربية لغاً وثقافة وتراثاً، وأصبح مبدأ التآخي هو المبدأ الحاكم في علاقة العرب المسلمين بعضهم بعضاً ومن هنا كان أول ممارسات الحكم في الإسلام هو المؤاخاة «بين الأنصار والمهاجرين» في إطار المبدأ الثاني «من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له»، كما ورد في حديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
الخامس: علاقة العرب والإسلام بمصر وهي علاقة وطيدة ومتشابكة قبل ظهور الإسلام ومع ظهور الإسلام وسجلها القرآن الكريم والأحاديث النبوية الكثيرة فضلاً عن أحداث التاريخ ووقائعه ففي قصة بني إسرائيل قال «اهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم»، وفي أحاديث النبي الكريم «استوصوا بقبط مصر خيراً فإن لي فيهم نسباً وصهراً» النسب مرجعه السيدة هاجر وهي مصرية يقال إنها أميرة، ويقال إنها مواطنة عادية أهداها ملك مصر آنذاك لسيدنا إبراهيم الذي تزوجها وأنجبت له إسماعيل الذي ينتسب إليه العرب الأصلاء ذوو الحسب والنسب، كما يقال، أما المصاهرة فهي من خلال ماريا القبطية وهي إحدى سيدتين مصريتين أهداهما المقوقس حاكم مصر لرسول الله عندما أرسل له الرسول الكريم رسالة يدعوه فيها للإسلام، وهذا تعبير عن الأصالة المصرية والعقلانية والتسامح والتعاون، فإن المقوقس لم يمزق كتاب الرسول الكريم ولم يسئ إلى مبعوثه، بل أكرم مثواه، وقدم له هدايا وودعه ليعود إلى موطنه معززاً مكرماً.
وتكرر السلوك المصري عبر التاريخ القديم والحديث في تعاملها مع العرب من خلال رباط وثيق ربط بين الاثنين كشعبين متكاملين متداخلة أصولهما وأعراقهما، متلاحمة بالنسب والمصاهرة، وهو دليل دامغ على أن مصر من العرب والعرب من مصر، عبر قرون عديدة، لذلك حاربت مصر الطغاة من الهكسوس، والتتار، والصليبيين، كما حاربت صدام حسين ونظامه الطاغي، ووقفت مع أهل الخليج العربي دفاعاً عن عروبته واستقلاله ومصالحه ضد البريطانيين وضد المطامع الإيرانية وغيرها. وأكدت دوماً مبدأ عروبة البحرين واستقلالها وسيادتها، كما أكدت حق الإمارات العربية المتحدة في الجزر الثلاث المحتلة ودائماً تنظر مصر للمستقبل، ولا تفكر كثيراً في الماضي، لأن المستقبل يعبر عن الأمل، بينما الماضي يعبر عن الحسرة، والحياة خارج التاريخ.
واختتمت حديثي وحواري مع صديقي من الخليج العربي قائلاً إن مصر تعيش الآن مرحلة اقتصادية صعبة، وهذا أمر متكرر نتيجة ثلاثة عوامل أولها: الدورات الاقتصادية والسياسية في تاريخ الأمم والشعوب، ثانيها: سوء الإدارة للأزمات والتبذير في الموارد، وثالثها: نسيان الإخوة والأصدقاء لها وهذا هو الدرس المهم، فالأخ لا يجب أن ينسى أخيه في وقت الشدة، والصديق لا يجب أن يتغافل عن صديقه وقت الحاجة، وهذه هي مسؤولية الأشقاء في الخليج العربي في هذه اللحظات، كما كانت مسؤولية مصر في ظروف تاريخية أخرى، الكل يتكامل ويتضامن ويتعاون ليساعد الآخر في التغلب على أزماته وصعوباته ومن ثم ينطلق العرب والمصريون بجناحين إلى آفاق أرحب من التنمية والتقدم والازدهار.
وأختتم حديثي بالقول إن موقف دولة قطر الشقيقة موقف كريم، وكذلك موقف المملكة العربية السعودية، ولكن المطلوب هو عمل جماعي خليجي مشترك أي المطلوب تفاعل حقيقي للقيادات الخليجية والمصرية، ولقد حرصت مصر ثورة 25 يناير على التأكيد أكثر من مرة أن أمن الخليج خط أحمر، وكررت تأييدها للإمارات في قضية الجزر، وتأييدها للبحرين ضد أية تدخلات إيرانية، وهذه سياسة مصرية ثابتة ولن تتخلى عنها وباقي التفاعلات متروكة للدول الخليجية الشقيقة بحكمتها ورؤيتها الاستراتيجية في عدم ترك مصر لكي يجتذبها آخرون يتربصون بها وبدول الخليج العربية بل بالعرب جميعاً لينقضوا عليهم، فالله خير حافظ وهو أرحم الراحمين.
إنني أدرك أن بعض دول الخليج العربية مترددة انتظاراً لاستقرار الأوضاع الأمنية والسياسية في مصر، وانتظاراً لقرار صندوق النقد الدولي حول القرض الذي تطلبه مصر، والبعض متردد وربما غير متحمس لأسباب أخرى، ولكن نقول بصدق وأمانة إن مصر لن تخون عهدها مع إخوتها العرب، وعلى هؤلاء الإخوة، أن يفكروا في الرؤية المستقبلية والرباط الاستراتيجي الذي يربطهم بمصر ويربط مصر بهم.
وأن يقدموا لمصر وشعبها ما تحتاج إليه اليوم فسوف يرد لهم أضعافاً غداً بغض النظر عن من يحكم مصر، فقرار مصر هو قرار شعب مصر وليس قرار الحاكم الذي يستجيب دائماً لمقتضيات الدور المصري وإرادة شعب مصر.