الإنسان الفرد، في كل مكان في العالم، الذي لا يعي حجم ما يملك من إمكانات هائلة التي لو استخدمها بصورة جيدة ومن أجل الخير له ولمن حوله، لاستطاع أن يحصل على كل ما يريد. فأفكارك ورغباتك ونواياك، كلها قادرة على تحريك الجماد، وتحويل كل صغيرة وكبيرة في هذا الكون لصالحك، فالأرض وكل ما عليها ما خلقت إلا من أجل الإنسان، أجمل مخلوقات الله، ليعمل على إعمارها.
وقبل فترة أرسل لي صلاح يوسف، ابن أخي، قصة جميلة من قصصنا العربية الغاية في الروعة، تتكلم عن النية الصادقة والثقة بالله سبحانه وتعالى، تقول القصة:
حاتم الأصم من كبار الصالحين.. حن قلبه للحج في سنة من السنوات ولا يمتلك نفقة الحج، ولا يجوز سفره بل لا يجب الحج دون أن يضع نفقة الأبناء دون أن يرضوا، فلما أقبل الموعد رأته ابنته حزيناً باكياً وكان في البنت صلاح..
فقالت له: ما يبكيك يا أبتاه؟
قال: الحج أقبل.
قالت: ومالك لا تحج؟
فقال: النفقة.
قالت: يرزقك الله.
قال: ونفقتكم؟
قالت: يرزقنا الله.
قال: لكن الأمر إلى أمك.
ذهبت البنت لتذكر أمها..
وفي النهاية قالت له الأم والأبناء: اذهب إلى الحج وسيرزقنا الله.
فترك لهم نفقة 3 أيام وذهب هو إلى الحج وليس معه ما يكفيه من المال، فكان يمشي خلف القافلة.
وفي أول الطريق لسعت عقرب رئيس القافلة، فسألوا من يقرأ عليه ويداويه، فوجدوا حاتم، فقرأ عليه فعافاه الله من ساعته.
فقال رئيس القافلة: نفقة الذهاب والإياب عليّ.
فقال: اللهم هذا تدبيرك لي فأرني تدبيرك لأهل بيتي.
مرت الأيام الثلاثة، وانتهت النفقة عند الأبناء، وبدأ الجوع يقرص عليهم، فبدؤوا بلوم البنت والبنت تضحك!
فقالوا: ما يضحكك والجوع يوشك أن يقضي علينا؟!
فقالت: أبونا هذا رزاق أم آكل رزق؟
فقالوا: آكل رزق؛ وإنما الرزاق هو الله.
فقالت: ذهب آكل الرزق وبقي الرزاق.
وهي تكلمهم وإذا بالباب يقرع، فقالوا: من بالباب؟
فقال الطارق: إن أمير المؤمنين يستسقيكم.
فملأت القربة بالماء وشرب الخليفة فوجد حلاوة بالماء لم يعهدها!
فقال: من أين أتيتم بالماء؟
قالوا: من بيت حاتم.
فقال: نادوه لأجازيه.
فقالوا: هو في الحج.
فخلع أمير المؤمنين منطقه -وهي حزام من القماش الفاخر المرصع بالجواهر- وقال:هذه لهم.
ثم قال: من كان له عليّ يد بمعنى «من يحبني»؟
فخلع كل الوزراء والتجار منطقهم لهم، فتكومت المناطق فاشتراها أحد التجار بمال ملأ البيت ذهباً يكفيهم حتى الموت، وأعاد المناطق إليهم.
فاشتروا الطعام وهم يضحكون فبكت البنت!
فقالت لها الأم: أمرك عجيب يا ابنتي؛ كنا نبكي من الجوع وأنت تضحكين، أما وقد فرج الله علينا فمالك تبكين؟!
قالت البنت: هذا المخلوق الذي لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً «الخليفة» نظر إلينا نظرة عطف أغنتنا إلى الموت، فكيف بمالك الملك!
ويختتم ناقل القصة كلامه: إنها الثقة بالله؛ إنها الثقة بالرزاق ذي القوة المتين، إنها قوة الإيمان وقوة التوكل على الله.
شخصياً؛ ما رأيت أحداً نوى للحج أو للخير إلا ويسر له الله كل السبل، وذلل كل الصعاب التي تعترض طريقه، وما علينا إلا أن نسمع حكايات الذين نووا للحج وكيف حصلوا على ما يريدون، كأن كل المصاعب التي مرت في أذهانهم لم تكن إلا مضيعة للوقت والتفكير.
إن التفكير الإيجابي الخارج من القلب لابد أن يصل إلى قلب الكون، وبالتالي يفتح له الله كل الأبواب المغلقة ويهيئ له السبل التي توصله إلى ما نوى وما حلم.
عن النوايا الطيبة لا تتوقف..
عن المحبة الكونية لا تكف..
وبهذا تستطيع تحقيق كل ما تريده في هذه الحياة من نجاح وصحة وثروة ومجد.