قبل أسبوع بالتحديد، جمعتني مع عدد من طلبة الدراسات العليا في لندن محاضرة عن «الأيدولوجيا الدينية وتأثيرها على السياسة»، وفيها تحدث أحد الزملاء الإيرانيين بحماسة شديدة عن دولته التي اعتبرها «أفضل ديمقراطية على الأرض»، وتفنن في القول بأنها الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تنتخب رئيسها انتخاباً حراً نزيهاً، وأن في برلمانها تمثيلاً لليهود والزرادشتيين وغيرهم (طبعاً سنة إيران المضطهدين سقطوا من حسبته)، وأن نظامها السياسي هو «أروع» الأنظمة العالمية.
في إطار النقاش الأكاديمي المتاح فيه الاختلاف في وجهات النظر مع الالتزام بالاحترام، علقت وقلت بأنني لوهلة أحسست أن إيران هي «الجنة الموعودة» لكن على الأرض، ورغم أنني أحيي فيه حماسته الواضحة لبلده، لكن هذه الحماسة تتعارض مع الموضوعية في الطرح الأكاديمي، وعليه فإنني حتى أصدق ما قاله وأجزم به أحتاج لسماع وجهة نظر إيرانيين آخرين بالأخص المهجرين في الخارج أو المحسوبين على المعارضة العلمانية لأنهم يقولون غير ما يقول، بالأخص فيما يتعلق بحرية الأقليات في إيران (السنة على سبيل المثال) وتعذيب المعارضين وشنقهم على أعمدة الإنارة وغيرها من أمور.
المهم، كان سؤالي الذي ختمت فيه تعليقي بأنه: هل بالفعل إيران تنتخب رئيسها انتخاباً حراً ديمقراطياً بحيث لا يمتلك أحد تأثيراً عليه، أم أن الحاكم الفعلي لإيران هو المرشد الديني لها، والذي بحركة من إصبع يده الصغير ممكن أن «يتبهدل» الرئيس المنتخب ديمقراطياً؟!
لم يطل أمد الإجابة، فالأيام الماضية في إيران أثبتت لمن مازال يحاول «خداع» الناس بشأن «الديمقراطية الزائفة» في جمهورية المرشد الأعلى كيف أن المسألة ليست متعلقة لا بديمقراطية أو حرية أو «بطيخ»، المسألة كلها مرهونة بما يريده الخامنائي الذي أوصلوه لدرجة التقديس.
اليوم ليس الخامنائي من «يبهدل» الرئيس الإيراني «المنتخب ديمقراطياً» أحمدي نجاد، بل وصلت المسألة لاختطاف نجاد من قبل ضباط في «الحرس الثوري» واستجوابه لمدة سبع ساعات متواصلة من قبل «مجتبى خامنائي» نجل المرشد الأعلى (لا أذكر أين سمعت أيضاً اسم مجتبى!) وكذلك نائب قائد الحرس الثوري للشؤون الأمنية حسين طالب ومدعي عام إيران محسن إيجئي وعنصر بارز في مكتب خامانائي هو أصغر حجازي. والاستجواب كان بسبب تلويح نجاد بكشف معلومات تشير لتزوير الانتخابات عام 2009 وهو التزوير الذي جاء لصالحه أصلاً بتوجيه من الخامنائي.
عموماً اختطاف الرئيس الإيراني من قبل «مجتبى» ابن الخامنائي وعناصر الحرس الثوري انتهى بأمر ابن المرشد لنجاد بأن «يخرس» وألا يتحدث بما يسبب الحرج لقادة إيران الكبار! وهنا السؤال: إذا لم يكن الرئيس الإيراني نفسه من القادة الكبار فمن هم هؤلاء الذين يجب أن يخرس «عنهم»؟! روعة ديمقراطيتكم الإيرانية، ابن المرشد يقول للرئيس المنتخب من قبل الملايين «اخرس»! برافو.
عموماً الخبر نشرته عديد من وسائل الإعلام ونشره تقرير في موقع WND بقلم رضا كهليلي وهو ضابط إيراني عمل في الاستخبارات الأمريكية وتوغل في «الحرس الثوري» الإيراني، في حين أبرز موقع «ملي-مذهبي» التابع للإسلاميين الإيرانيين إلى احتمال اعتقال نجاد قريباً باعتبار أن الخامنائي تحدث عن اعتقاله مرتين، الأولى حينما ذهب إليه أحد المحافظين الأصوليين محتجاً على تصرفات الرئيس وأنه يؤجج الوضع وسيفسد العملية الانتخابية فرد الخامنائي بأن: «لو أقدم على ذلك فسأصدر أمراً برميه في المعتقل!»، والمرة الثانية حينما حذر رئيس مجلس تشخيص النظام من تصرفات نجاد فرد الخامنائي عليه: «سأقول لهم أن يعتقلوه سريعاً»!
المضحك في الموضوع أن هناك من يصدق أكذوبة ادعاء الديمقراطية في إيران، وأن أحمدي نجاد هو الرئيس الفعلي لها. أين حصلت هذه حينما «يبهدل» ابن المرشد الديني رئيس دولة انتخبه الملايين ويقول له «اخرس»؟! بل أين حصلت أن يختطف رئيس لسبع ساعات حتى يعلموه «السنع» وألا يتطاول على المرشد وأعوانه؟! وأين حصلت أن يعد المرشد الديني باعتقال رئيس الدولة إن تصرف بعكس ما يريد؟! أين توجد هذه «الديمقراطية المضروبة» سوى بإيران؟!
عموماً، ما حاول المتحدث في تلك الندوة عدم التطرق له سعياً لتصوير إيران على أنها «الجنة» لكثير من المتواجدين الذين يجهلون حقائق كثيرة عنها بأن النظام السياسي في الجمهورية الإيرانية قائم على دستور 1979 الذي وضعه الخميني لا الشعب، وتتشكل الدولة من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الذي تناط به مسؤولية الإشراف على السياسات العامة في الجمهورية ويتولى المرشد الأعلى قيادة القوات المسلحة والاستخبارات وأن الولي الفقيه يعتبر هو «الحاكم الأعلى» للبلاد، وأن موقع رئيس الجمهورية يأتي تحت المرشد (بالأصح تحت قدمه) وأن اختيار واستبعاد المرشحين للانتخابات الرئاسية يتم من قبل أجهزة الرقابة الإيرانية وهي من تختار وتستبعد من تريد مثلما هو الحاصل هذه الأيام من تهديدات صريحة ومباشرة لكل من الرئيسين السابقين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي لمجرد عزمها خوض الانتخابات الرئاسية الشهر القادم، لدرجة توجيه تهديد صريح من رئيس الاستخبارات الإيرانية لهما.
عموماً، والنعم فيها من ديمقراطية عريقة، والنعم في نجاد الرئيس الوحيد المنتخب بحرية ونزاهة في الشرق الأوسط، لكنه أيضاً الرئيس الوحيد الذي «يختطف» ويؤمر بأن «ينخرس» لا من قبل الخامنائي نفسه بل من ابنه «مجتبى»! وعاشت الديمقراطية الإيرانية.
اتجاه معاكس:
لاحظوا أننا تكلمنا عن إيران أعلاه لا عن البحرين، لكن بالتأكيد هناك من سيقفز لأن الحديث عن الخامنائي الذي يوالونه سياسياً ودينياً ويقدسونه، مثلما جن جنون بعضهم عندما كتبنا قبل يومين عن «مفاتيح الخميني» و»جوازات الخامنائي» تعليقاً على الوضع في سوريا لا البحرين، واستماتوا للدفاع عن حبيبة قلبهم ومرشدهم «المقدس».
لا نلومهم فهم من يحلمون بأن يصحوا يوماً وإذا بالخامنائي هو الحاكم لهذه الأرض، عموماً نقول لكم مثلما قال «أبو مجتبى» البحريني: تحلموووووون!
{{ article.visit_count }}
في إطار النقاش الأكاديمي المتاح فيه الاختلاف في وجهات النظر مع الالتزام بالاحترام، علقت وقلت بأنني لوهلة أحسست أن إيران هي «الجنة الموعودة» لكن على الأرض، ورغم أنني أحيي فيه حماسته الواضحة لبلده، لكن هذه الحماسة تتعارض مع الموضوعية في الطرح الأكاديمي، وعليه فإنني حتى أصدق ما قاله وأجزم به أحتاج لسماع وجهة نظر إيرانيين آخرين بالأخص المهجرين في الخارج أو المحسوبين على المعارضة العلمانية لأنهم يقولون غير ما يقول، بالأخص فيما يتعلق بحرية الأقليات في إيران (السنة على سبيل المثال) وتعذيب المعارضين وشنقهم على أعمدة الإنارة وغيرها من أمور.
المهم، كان سؤالي الذي ختمت فيه تعليقي بأنه: هل بالفعل إيران تنتخب رئيسها انتخاباً حراً ديمقراطياً بحيث لا يمتلك أحد تأثيراً عليه، أم أن الحاكم الفعلي لإيران هو المرشد الديني لها، والذي بحركة من إصبع يده الصغير ممكن أن «يتبهدل» الرئيس المنتخب ديمقراطياً؟!
لم يطل أمد الإجابة، فالأيام الماضية في إيران أثبتت لمن مازال يحاول «خداع» الناس بشأن «الديمقراطية الزائفة» في جمهورية المرشد الأعلى كيف أن المسألة ليست متعلقة لا بديمقراطية أو حرية أو «بطيخ»، المسألة كلها مرهونة بما يريده الخامنائي الذي أوصلوه لدرجة التقديس.
اليوم ليس الخامنائي من «يبهدل» الرئيس الإيراني «المنتخب ديمقراطياً» أحمدي نجاد، بل وصلت المسألة لاختطاف نجاد من قبل ضباط في «الحرس الثوري» واستجوابه لمدة سبع ساعات متواصلة من قبل «مجتبى خامنائي» نجل المرشد الأعلى (لا أذكر أين سمعت أيضاً اسم مجتبى!) وكذلك نائب قائد الحرس الثوري للشؤون الأمنية حسين طالب ومدعي عام إيران محسن إيجئي وعنصر بارز في مكتب خامانائي هو أصغر حجازي. والاستجواب كان بسبب تلويح نجاد بكشف معلومات تشير لتزوير الانتخابات عام 2009 وهو التزوير الذي جاء لصالحه أصلاً بتوجيه من الخامنائي.
عموماً اختطاف الرئيس الإيراني من قبل «مجتبى» ابن الخامنائي وعناصر الحرس الثوري انتهى بأمر ابن المرشد لنجاد بأن «يخرس» وألا يتحدث بما يسبب الحرج لقادة إيران الكبار! وهنا السؤال: إذا لم يكن الرئيس الإيراني نفسه من القادة الكبار فمن هم هؤلاء الذين يجب أن يخرس «عنهم»؟! روعة ديمقراطيتكم الإيرانية، ابن المرشد يقول للرئيس المنتخب من قبل الملايين «اخرس»! برافو.
عموماً الخبر نشرته عديد من وسائل الإعلام ونشره تقرير في موقع WND بقلم رضا كهليلي وهو ضابط إيراني عمل في الاستخبارات الأمريكية وتوغل في «الحرس الثوري» الإيراني، في حين أبرز موقع «ملي-مذهبي» التابع للإسلاميين الإيرانيين إلى احتمال اعتقال نجاد قريباً باعتبار أن الخامنائي تحدث عن اعتقاله مرتين، الأولى حينما ذهب إليه أحد المحافظين الأصوليين محتجاً على تصرفات الرئيس وأنه يؤجج الوضع وسيفسد العملية الانتخابية فرد الخامنائي بأن: «لو أقدم على ذلك فسأصدر أمراً برميه في المعتقل!»، والمرة الثانية حينما حذر رئيس مجلس تشخيص النظام من تصرفات نجاد فرد الخامنائي عليه: «سأقول لهم أن يعتقلوه سريعاً»!
المضحك في الموضوع أن هناك من يصدق أكذوبة ادعاء الديمقراطية في إيران، وأن أحمدي نجاد هو الرئيس الفعلي لها. أين حصلت هذه حينما «يبهدل» ابن المرشد الديني رئيس دولة انتخبه الملايين ويقول له «اخرس»؟! بل أين حصلت أن يختطف رئيس لسبع ساعات حتى يعلموه «السنع» وألا يتطاول على المرشد وأعوانه؟! وأين حصلت أن يعد المرشد الديني باعتقال رئيس الدولة إن تصرف بعكس ما يريد؟! أين توجد هذه «الديمقراطية المضروبة» سوى بإيران؟!
عموماً، ما حاول المتحدث في تلك الندوة عدم التطرق له سعياً لتصوير إيران على أنها «الجنة» لكثير من المتواجدين الذين يجهلون حقائق كثيرة عنها بأن النظام السياسي في الجمهورية الإيرانية قائم على دستور 1979 الذي وضعه الخميني لا الشعب، وتتشكل الدولة من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الذي تناط به مسؤولية الإشراف على السياسات العامة في الجمهورية ويتولى المرشد الأعلى قيادة القوات المسلحة والاستخبارات وأن الولي الفقيه يعتبر هو «الحاكم الأعلى» للبلاد، وأن موقع رئيس الجمهورية يأتي تحت المرشد (بالأصح تحت قدمه) وأن اختيار واستبعاد المرشحين للانتخابات الرئاسية يتم من قبل أجهزة الرقابة الإيرانية وهي من تختار وتستبعد من تريد مثلما هو الحاصل هذه الأيام من تهديدات صريحة ومباشرة لكل من الرئيسين السابقين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي لمجرد عزمها خوض الانتخابات الرئاسية الشهر القادم، لدرجة توجيه تهديد صريح من رئيس الاستخبارات الإيرانية لهما.
عموماً، والنعم فيها من ديمقراطية عريقة، والنعم في نجاد الرئيس الوحيد المنتخب بحرية ونزاهة في الشرق الأوسط، لكنه أيضاً الرئيس الوحيد الذي «يختطف» ويؤمر بأن «ينخرس» لا من قبل الخامنائي نفسه بل من ابنه «مجتبى»! وعاشت الديمقراطية الإيرانية.
اتجاه معاكس:
لاحظوا أننا تكلمنا عن إيران أعلاه لا عن البحرين، لكن بالتأكيد هناك من سيقفز لأن الحديث عن الخامنائي الذي يوالونه سياسياً ودينياً ويقدسونه، مثلما جن جنون بعضهم عندما كتبنا قبل يومين عن «مفاتيح الخميني» و»جوازات الخامنائي» تعليقاً على الوضع في سوريا لا البحرين، واستماتوا للدفاع عن حبيبة قلبهم ومرشدهم «المقدس».
لا نلومهم فهم من يحلمون بأن يصحوا يوماً وإذا بالخامنائي هو الحاكم لهذه الأرض، عموماً نقول لكم مثلما قال «أبو مجتبى» البحريني: تحلموووووون!