لا شك أن الدول الغربية من أبرز الدول المتقدمة في عصرنا الراهن، خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا التقدم الكبير الذي تقدمه هذه الدول الغريبة وعلى رأسها أمريكا للعالم، لا يمكن أن يتجاهله أي مخلوق يعيش على وجه الأرض، لكن السؤال الجوهري في هذه المسألة هو، هل الدول الغربية هي دول متقدمة؟ أم أننا نحن المتخلفون؟ وبصيغة أوضح، هل أمريكا هي الدولة القوية؟ أم أننا نحن الضعفاء؟
نحن وبكل وضوح نلتمس الأمر البيِن من التقدم الأمريكي الذي لا يمكن تجاهله على الإطلاق، لكن لا يمكن لنا أن نرى حقيقة هذه العطايا المشوهة من الدولة العظمى، إذ أننا نؤمن أشد الإيمان، بأن الغرب لا يعطينا شيئاً، إلا بعد أن يفْقدنا كل شيء.
ماذا أعطتنا أمريكا؟ هذا هو السؤال الذي لا يمكن أن تستتر خلفه المصالح والمطامع الأمريكية، ولا يمكن أن تظهر من خلاله مصالحنا الصغيرة جداً.
أمريكا وفي الأعوام الأخيرة، أعطتنا حرية مشوهة، وأغدقتنا بربع ديمقراطية عرجاء، أمريكا أعطتنا الفوضى التي نشهدها في عالمنا العربي، وهي مازالت تنتظر النتيجة. نحن بالنسبة لأمريكا «فئران» تجارب، إذ لا يبالي من يجري التجارب على الفئران بموتها أو ببقائها، لأن ما يهمه هو النتيجة النهائية من التجربة، وهكذا تفعل أمريكا بالإنسان في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وفي كل الدول العربية، وفي الشرق الأوسط تحديداً، فنحن بالنسبة لها «فئران» مختبرات سياسية وعسكرية واستراتيجية لا أكثر.
نحن لم نزدهر في ظل الهيمنة الأمريكية، فهي اكتفتْ ومازالت تكتفي بتصدير المشروبات الغازية لمجتمعاتنا العربية، وبإرسال السجائر المميتة، فتصدير علبة بيبسي وعلبة «دخان» للعرب، هو كل نتاج الحضارة المستوردة من الغرب!!
زِدْ عليهما قطعاً من الشوكولاته، وقنينة عطر، وربطة عنق، وهاتف محمول، أما الديمقراطية والتطور والتقدم الحقيقي، فإنه لا يسمح له أن يتجاوز حدود أمريكا وأوروبا، أم أنكم مازلتم تعتقدون بأن الغرب حليف استراتيجي؟!
إن الفوضى التي تتسلسل من أقصى دول المغرب العربي مروراً بمصر والشام وانتهاء بالخليج العربي، هي لعبة مزدوجة، وهي من أخبث وأخطر أنواع الألعاب الأمريكية «للكبار فقط»، لأن فيها رائحة التغيير الشعبي ذو المزاج الأمريكي، وفيها الدعوة للديمقراطية، لكن بالطريقة الأمريكية كذلك.
لا يمكن أن نستجدي الغرب ونقبل أقدامه لأجل نصف ديمقراطية، كما لا يمكن أن نرضى لأنفسنا بنصف تقدم، لكن هذا هو الموجود، وعلينا القبول بذلك، ليس لأن أمريكا هي الأقوى، لكن لأننا نحن الأضعف دائماً في كل حلقات الصراع الدولي، وستظل واشنطن تعمل على هذا المنوال، لأنها تريدنا دولاً مهلهلة ضعيفة مريضة تحيط بنا النزاعات والحروب المدمرة، لتظل وحدها متربعة على قمة العرش الدولي، ومعها لقيطتها إسرائيل، فهل وصل «المسج»، أم أنكم مازلتم تؤمنون بالعم سام كمنقذ للبشرية؟!
الخيار خياركم أيها العرب، وما أصعبه من خيار، لأنه خيار المفلسين.