سؤال متى يفهمنا الأمريكان؟ منتشر كثيراً منذ فترة في دوائر صنع القرار الخليجية، وسبب ذلك البون الشاسع في وجهات النظر بين واشنطن من جهة وحكومات دول مجلس التعاون الخليجي تجاه تطورات الأوضاع الإقليمية وطريقة التعاطي مع طهران.
دول المجلس بلاشك تخشى من حدوث انفراج أو تقارب في العلاقات الأمريكية - الإيرانية، وفي الوقت نفسه تخشى من استمرار الخلاف الكبير بشأن تقييم واشنطن للأوضاع الداخلية في دول المجلس، وهنا تكمن الإشكالية الرئيسة.
التقييم الأمريكي للحراك الداخلي في دول مجلس التعاون بأنه «مطالب شعبية مشروعة»، في حين التقييم الخليجي للحراك نفسه يرى أنها «أعمال إرهاب مدعومة من طهران».
هذا الاختلاف الكبير هيمن كثيراً على العلاقات الخليجية - الأمريكية منذ مطلع عام 2011 ومازال مستمراً حتى الآن. واستمراره من شأنه أن يؤدي إلى حالة من الفتور في العلاقات بين الطرفين من النادر أن يسجلها تاريخ هذه العلاقات منذ مطلع القرن العشرين.
رغم ذلك فإن هناك بصيص أمل ينتظر بعد تعيين وزير الخارجية الأمريكي الجديد جون كيري الذي يزور منطقة الشرق الأوسط، ويواجه كيري تحدياً كبيراً للإخفاق الذي تسببت فيه سابقته هيلاري كلنتون عندما دعمت الجماعات الراديكالية في البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي باسم الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان.
لا يمكن الحكم من الآن على طريقة أداء جون كيري، فتاريخه السياسي تركز بشكل رئيس في عضوية الكونغرس الأمريكي لنحو 28 عاماً، ونذكر من مواقفه عندما كان رئيساً للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ حول تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق: «التقرير هو لحظة مهمة للبحرين التي عاشت طوال سنة أحداثاً كانت بمثابة صدمة شديدة». وأبدى موقفه سابقاً في نهاية نوفمبر 2011 بشأن الأوضاع في المنامة قائلاً: «الإصلاح السياسي في البحرين لن يأتي بسهولة، ولكن من الأهمية البدء في المصالحة».
ندرك هذه النظرة الأمريكية، ولكن المطلوب لتعزيز العلاقات الخليجية - الأمريكية المزيد من الفهم لنظرة دول مجلس التعاون الخليجي، فالإرهاب هو إرهاب مهما كانت مبرراته الدينية أو السياسية في جميع أنحاء العالم.
من الإشكاليات المتوقعة في تعاطي وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع البحرين، سفير واشنطن في المنامة توماس كراجيسكي المثير وتدخله في الشؤون الداخلية البحرينية ومواقفه المثيرة للجدل، وانحيازه غير الموضوعي للجماعات الراديكالية. فهل سيتمكن جون كيري من تعديل سياسة واشنطن تجاه البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي؟ سؤال يحتاج لإجابة طبعاً!
آخر مستجدات العلاقات البحرينية - الأمريكية حماس السفير كراجيسكي المبالغ فيه لإدخال وفد عن منظمة «هيومن رايتس ووتش» للمنامة، حيث بذل السفير جهوده لإقناع المسؤولين بضرورة التعاطي مع هذه المنظمة، فماذا كانت النتيجة؟
موقف وتقرير تم إعداده مسبقاً، ولا يرى أي إصلاحات تمت منذ عام 2011!
بالطبع نظرة مبالغ فيها وأحادية ومنحازة وتتجاوز موضوعية العمل الحقوقي، كما لم يكن هناك مهنية في الاستماع للآراء الأخرى في المجتمع، ولم يهتم وفد المنظمة بزيارة المصابين من رجال الأمن على الأقل، مقابل زياراته لمن تورط في أعمال الإرهاب. ومن الطبيعي أن يكون هناك رفض رسمي وشعبي ومن مؤسسات المجتمع المدني البحرينية لما صدر عن «هيومن رايتس ووتش»، مقابل ترحيب أحادي الجانب من الجماعات الراديكالية ووسائل الإعلام التابعة لها.
وزارة الداخلية، ثم وزارة التنمية الاجتماعية، وبعدها وزارة حقوق الإنسان، وأخيراً مجلس الوزراء كلها جهات حكومية أصدرت مواقف إدانة لتقرير منظمة «هيومن رايتس ووتش». هل مثل هذه المواقف كافية؟
كلا، فالأزمة الأخيرة علمت المؤسسات الحكومية أهمية الرد، ولكن يبدو أنها لم تعلمها بعد سرعة الرد وفرق كبير بين الاثنين، فالرد مطلوب دائماً، ولكن الرد إذا تأخر أكثر من 90 دقيقة لا جدوى منه، ففي الإعلام الدولي ليس مجدياً بالمرة التأخر عن إصدار موقف تجاه حدث ما إذا زاد عن 90 دقيقة. في الوقت الذي تابعنا فيه مواقف حكومة البحرين التي صدرت بعد مؤتمر «هيومن رايتس ووتش» ما بين 24-48 ساعة، فلا معنى لهذه المواقف، لأن الإعلام الدولي لن يكون مهتماً بحدث انتهى وقته، وستبقى نظرة المنظمة هي المنتشرة في الإعلام الدولي، ونظرة الحكومة غائبة بلاشك أو حضورها ضعيف للغاية. مسألة أخرى، المواقف الحكومية التي صدرت ضد «هيومن رايتس ووتش» استهدفت الإعلام المحلي في البحرين فقط، وليس مجدياً الاكتفاء بذلك. بل الحاجة تتطلب مخاطبة إدارة المنظمة في الولايات المتحدة الأمريكية بخطاب رسمي من الحكومة لبيان كافة الأخطاء والمغالطات والادعاءات الكاذبة الواردة في التقرير. حتى لا تكون هناك حجة في المستقبل من منع القائمين على المنظمة الدخول في أراضي البحرين، والخيار الآخر -وهو مهم طبعاً- ضرورة محاسبة المنظمة قانونياً، فمن غير المقبول عدم محاسبة المنظمة بعد إساءاتها تجاه البحرين بهذه الطريقة. هذه الحادثة واحدة، تمثل درساً كبيراً للحكومة والمطلوب منها السرعة في التجاوب مع الأحداث. وفي الوقت نفسه تمثل تحدياً للعلاقات البحرينية - الأمريكية من جانب، والعلاقات الخليجية - الأمريكية من جانب آخر. وهو تحدٍ كبير أمام وزير الخارجية الأمريكي الجديد جون كيري ليعالجه إذا كان مهتماً بإصلاح التباعد في العلاقات بين واشنطن ودول مجلس التعاون الخليجي.
{{ article.visit_count }}
دول المجلس بلاشك تخشى من حدوث انفراج أو تقارب في العلاقات الأمريكية - الإيرانية، وفي الوقت نفسه تخشى من استمرار الخلاف الكبير بشأن تقييم واشنطن للأوضاع الداخلية في دول المجلس، وهنا تكمن الإشكالية الرئيسة.
التقييم الأمريكي للحراك الداخلي في دول مجلس التعاون بأنه «مطالب شعبية مشروعة»، في حين التقييم الخليجي للحراك نفسه يرى أنها «أعمال إرهاب مدعومة من طهران».
هذا الاختلاف الكبير هيمن كثيراً على العلاقات الخليجية - الأمريكية منذ مطلع عام 2011 ومازال مستمراً حتى الآن. واستمراره من شأنه أن يؤدي إلى حالة من الفتور في العلاقات بين الطرفين من النادر أن يسجلها تاريخ هذه العلاقات منذ مطلع القرن العشرين.
رغم ذلك فإن هناك بصيص أمل ينتظر بعد تعيين وزير الخارجية الأمريكي الجديد جون كيري الذي يزور منطقة الشرق الأوسط، ويواجه كيري تحدياً كبيراً للإخفاق الذي تسببت فيه سابقته هيلاري كلنتون عندما دعمت الجماعات الراديكالية في البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي باسم الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان.
لا يمكن الحكم من الآن على طريقة أداء جون كيري، فتاريخه السياسي تركز بشكل رئيس في عضوية الكونغرس الأمريكي لنحو 28 عاماً، ونذكر من مواقفه عندما كان رئيساً للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ حول تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق: «التقرير هو لحظة مهمة للبحرين التي عاشت طوال سنة أحداثاً كانت بمثابة صدمة شديدة». وأبدى موقفه سابقاً في نهاية نوفمبر 2011 بشأن الأوضاع في المنامة قائلاً: «الإصلاح السياسي في البحرين لن يأتي بسهولة، ولكن من الأهمية البدء في المصالحة».
ندرك هذه النظرة الأمريكية، ولكن المطلوب لتعزيز العلاقات الخليجية - الأمريكية المزيد من الفهم لنظرة دول مجلس التعاون الخليجي، فالإرهاب هو إرهاب مهما كانت مبرراته الدينية أو السياسية في جميع أنحاء العالم.
من الإشكاليات المتوقعة في تعاطي وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع البحرين، سفير واشنطن في المنامة توماس كراجيسكي المثير وتدخله في الشؤون الداخلية البحرينية ومواقفه المثيرة للجدل، وانحيازه غير الموضوعي للجماعات الراديكالية. فهل سيتمكن جون كيري من تعديل سياسة واشنطن تجاه البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي؟ سؤال يحتاج لإجابة طبعاً!
آخر مستجدات العلاقات البحرينية - الأمريكية حماس السفير كراجيسكي المبالغ فيه لإدخال وفد عن منظمة «هيومن رايتس ووتش» للمنامة، حيث بذل السفير جهوده لإقناع المسؤولين بضرورة التعاطي مع هذه المنظمة، فماذا كانت النتيجة؟
موقف وتقرير تم إعداده مسبقاً، ولا يرى أي إصلاحات تمت منذ عام 2011!
بالطبع نظرة مبالغ فيها وأحادية ومنحازة وتتجاوز موضوعية العمل الحقوقي، كما لم يكن هناك مهنية في الاستماع للآراء الأخرى في المجتمع، ولم يهتم وفد المنظمة بزيارة المصابين من رجال الأمن على الأقل، مقابل زياراته لمن تورط في أعمال الإرهاب. ومن الطبيعي أن يكون هناك رفض رسمي وشعبي ومن مؤسسات المجتمع المدني البحرينية لما صدر عن «هيومن رايتس ووتش»، مقابل ترحيب أحادي الجانب من الجماعات الراديكالية ووسائل الإعلام التابعة لها.
وزارة الداخلية، ثم وزارة التنمية الاجتماعية، وبعدها وزارة حقوق الإنسان، وأخيراً مجلس الوزراء كلها جهات حكومية أصدرت مواقف إدانة لتقرير منظمة «هيومن رايتس ووتش». هل مثل هذه المواقف كافية؟
كلا، فالأزمة الأخيرة علمت المؤسسات الحكومية أهمية الرد، ولكن يبدو أنها لم تعلمها بعد سرعة الرد وفرق كبير بين الاثنين، فالرد مطلوب دائماً، ولكن الرد إذا تأخر أكثر من 90 دقيقة لا جدوى منه، ففي الإعلام الدولي ليس مجدياً بالمرة التأخر عن إصدار موقف تجاه حدث ما إذا زاد عن 90 دقيقة. في الوقت الذي تابعنا فيه مواقف حكومة البحرين التي صدرت بعد مؤتمر «هيومن رايتس ووتش» ما بين 24-48 ساعة، فلا معنى لهذه المواقف، لأن الإعلام الدولي لن يكون مهتماً بحدث انتهى وقته، وستبقى نظرة المنظمة هي المنتشرة في الإعلام الدولي، ونظرة الحكومة غائبة بلاشك أو حضورها ضعيف للغاية. مسألة أخرى، المواقف الحكومية التي صدرت ضد «هيومن رايتس ووتش» استهدفت الإعلام المحلي في البحرين فقط، وليس مجدياً الاكتفاء بذلك. بل الحاجة تتطلب مخاطبة إدارة المنظمة في الولايات المتحدة الأمريكية بخطاب رسمي من الحكومة لبيان كافة الأخطاء والمغالطات والادعاءات الكاذبة الواردة في التقرير. حتى لا تكون هناك حجة في المستقبل من منع القائمين على المنظمة الدخول في أراضي البحرين، والخيار الآخر -وهو مهم طبعاً- ضرورة محاسبة المنظمة قانونياً، فمن غير المقبول عدم محاسبة المنظمة بعد إساءاتها تجاه البحرين بهذه الطريقة. هذه الحادثة واحدة، تمثل درساً كبيراً للحكومة والمطلوب منها السرعة في التجاوب مع الأحداث. وفي الوقت نفسه تمثل تحدياً للعلاقات البحرينية - الأمريكية من جانب، والعلاقات الخليجية - الأمريكية من جانب آخر. وهو تحدٍ كبير أمام وزير الخارجية الأمريكي الجديد جون كيري ليعالجه إذا كان مهتماً بإصلاح التباعد في العلاقات بين واشنطن ودول مجلس التعاون الخليجي.