الشاب الذي فقد حياته في مواجهات يوم 14 فبراير في النبيه صالح لايزال دون اتخاذ القرار النهائي بمكان دفنه، فهو حتى ساعة كتابة هذا المقال معلق نتيجة اختلاف في وجهات النظر على مكان الدفن. وبعيداً عن الأسباب التي أدت إلى وفاته، وبقاء جثته في المشرحة قيد الانتظار، فإن موضوع التنادي لتطويق مستشفى السلمانية بهدف إرغام المعنيين على الإفراج عن الجثة بالشكل والكيفية التي يريدها البعض، الذي ينطبق عليه القول «يبحث عن جنازة يشبع فيها لطم»، موضوع ينبغي ألا يمر مرور الكرام، فالدعوة إلى «الهجوم» على المستشفى وتطويقها دعوة خطيرة، ولا تنتج إلا المزيد من الآلام والمزيد من الفوضى.
ذلك البعض الذي نادى عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمحاصرة المستشفى فقال «عليكم بتطويق منطقة السلمانية بالسيارات، وإرباك الحركة المرورية»، والمؤسف أن هذا النداء لقي من يستجيب له فخرجت مجموعة من البلاد القديم والزنج تريد تنفيذ «الأمر» لكنها بطبيعة الحال لم تتمكن من الوصول إلى المكان الهدف، حيث تم التعامل معها من قبل رجال الأمن، فمثل هذه الدعوة لا يمكن إلا التعامل معها بقوة، ولا يمكن وصفها إلا بالمجنونة.
لهؤلاء الذين لا يدركون ولا يعرفون ما يحتويه مستشفى السلمانية، أقول إن فيه أجنحة، وفي كل جناح يتواجد عدد من المرضى الذين ابتلاهم الله سبحانه وتعالى بأمراض مختلفة، وكلهم بحاجة إلى عناية وبحاجة إلى هدوء كي يتم علاجهم بالكيفية التي تؤدي إلى شفائهم بإذن الله. أما الطرقات إلى المستشفى فهي في الأساس مزدحمة ولعلها تؤخر وصول سيارات الإسعاف، وغيرها من السيارات القاصدة قسم الطوارئ، فكيف يستجاب لدعوة مفادها تطويق الطرق المؤدية إلى السلمانية والهجوم على المستشفى؟
المؤسف والجميل في آن واحد هو أن هذه الدعوة والاستجابة لها تكشف عن مشكلة في القدرات العقلية للبعض، فهو لم يضع في الاعتبار أي شيء، ولم ير إلا الهدف المتمثل في الضغط على إدارة المستشفى للإفراج عن الجثة - ناسياً أن القرار لم يعد بيد إدارة المستشفى وأنها صارت طرفاً بين أطراف عديدة - ومن أجل تحقيق هذا الهدف لا بأس لو مات من مات وجرح من جرح واحتجز من احتجز، ولا بأس لو تعطل المستشفى بأكمله!
الذين دعوا إلى تطويق مستشفى السلمانية، لم ينتبهوا إلى أنهم إنما يدعون الناس إلى ارتكاب جريمة بل جرائم، حيث تعطيل الطرق المؤدية إلى المستشفى، وتحويل المنطقة التي تقع فيها إلى ساحة مواجهات مع رجال الأمن، يعني إعاقة وصول حالات الطوارئ، أي أنهم قد يتسببون في وفاة مرضى، قبل وصولهم إلى بوابة المستشفى، ولن أفترض أن بعض هؤلاء المرضى قد يكونون من أهلهم أو ربما من بعضهم!
مؤلم ومؤسف أن يكون هذا هو تفكير أناس يحلمون بالسيطرة على مقدرات البلاد، أما الأكثر إيلاماً وأسفاً فهو أن تعليقاً واحداً لم يصدر عن «القياديين» في الجمعيات السياسية، يعارض هذه الدعوة المتخلفة، وكأن الأمر لا يعنيهم طالما أن هناك من يناكف الحكومة ويزعجها.
أتمنى أن يكون موضوع دفن الفقيد قد انتهى قبل نشر هذا المقال، لكني أتمنى أيضاً من القياديين بالجمعيات السياسية التي قبلت الدخول في حوار، أن تعمل على التهدئة، وأن تضع حداً لمثل هذه التصرفات التي وإن حققت أهدافها المتمثلة في إزعاج الحكومة ومحاولة إحراجها، إلا أنها تتسبب في تعطيل حياة الآخرين وربما إنهائها، وهو ما يعني أن على الجمعيات السياسية أن تفرض شخصيتها وتضع قليلي الخبرة من المنفعلين على السكة الصحيحة، لأنه من غير المنطقي أبداً التسبب في وفاة مجموعة من أجل «تطليع النعر اللي في روس البعض»!