إن «الوفاق» اليوم تسعى لكسر هيبة الدولة، وتسعى لأن تشل قدرتها، وحلمها أن تقعدها على كرسي متحرك، تدور به وتحركه، في أية جهة أرادت، وحيثما شاءت، وتتعلق بآمال واهية، أن يكون لا لسان إلا لسانها، ولا قول إلا قولها، ولا شروط إلا شروطها، فلسان عيسى قاسم يمتد ويتمغط، فيكون جواب جمهوره «لبيك»، ويفتح علي سلمان «بلاعيمه» ويجيبه جمهوره «لبيك»، وكذلك الأمر بالنسبة ليوسف قدرت وموسى الأنصاري وخليل مرزوق الذين ينصبون المضارع ويرفعون الماضي، وجمهورهم يرد عليهم «بتصفيق حار»!
فهذا هو يا أهل البحرين آخر الزمن الذي حدث عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: «سيأتي على الناس سنوات خداع، يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة.. قيل وما الرويبضة يا رسول الله، قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة».
رجال الدولة الثقات، أبناء البحرين صار الحديث عنهم باستخفاف وازدراء سلوك مباح، وشخوص أصولها «فارس» و»المحمرة»، صارت عندهم «الخطوط حمراء»، رجال الدولة الكبار عندما يتحدثون يوصفون بأنهم «مؤزمين وليسوا أهلاً للثقة ووزاراتهم صورية ومؤسساتهم باطلة ولا شرعية لحكومتهم»، أي أن دولة البحرين بالنسبة للشرذمة الصفوية هي «دولة باطلة»، ومن هنا بدأت مطالبهم بإسقاط الحكومة حتى وصلوا اليوم إلى الديوان الملكي الذي وصفوه بأنه «وزارة صورية»، وكذلك مثله وزارة الداخلية فقالوا إنها «ليست أهلاً للثقة» و»وزارة العدل غير عادلة»، وغيرها من مؤسسات الدولة التي تسعى «الوفاق» من خلال تصريحاتها وبياناتها وأفعالها خلع هيبة الدولة أمام الشعب، وكسر الدولة أمام المجتمع الدولي.
إن الحديث اليوم عن تطاول «الوفاق» على وزير الديوان الملكي الشيخ خالد بن أحمد، والخطاب الذي وجهته لجلالة الملك المفدى، احتجاجاً على تصريح راقي المعاني واضح التعابير جلي التفاسير، ينم عن حكمة ورأي، وعن نظرة سياسية ثاقبة، فسر وبين طاولة الحوار، وموقف جلالة الملك تجاه المتحاورين، فعندما يقول الشيخ خالد بن أحمد إن «جلالة الملك يقف على مسافة واحدة من الجميع وإن هناك ممثلين للسلطات والجمعيات السياسية»، فهو قول يؤكد أن جلالة الملك على مسافة واحدة من الجميع.
بالطبع «الوفاق» لا يروق لها التصريحات الصادقة، فقد اعتادت أذناها وعيناها على سماع وقراءة الحديث البذيء، والكلام القبيح، فهي قد تألف وتهلل وتعايد بتصريحات حسين أمير عبداللهيان ضد البحرين، وتهديدات نصر الله، وعنتريات مقتدى الصدر، ولذلك فهي لا تفقه درر الكلام، ولا جواهر الأدب والحديث، ولأنها أيضاً لا تفهم المفردات العربية، ولا العبارات المختصرة المعبرة، التي يشمل السطر منها معاني وتفاسير، لا يستطيع قيادتها كتابة مثلها، ولو خطوا آلاف المعلقات، وطبعاً هذا يرجع الى أن أغلبيتهم ليسوا من أصول العرب، كما أيضاً لم تألف أعيونهم على مشاهدة الشخصيات المهيبة، ولا الهيئات الشامخة، لأنها اعتادت وتعودت على مشاهدة الخفافيش والوجوه المظلمة والهيئات الدميمة، ولم تعتاد على الكلام الصادق، ولا الحديث الصحيح، ولا البرهان الظاهر، ولا الدليل البائن، فكلامها خزعبلات، وحديثها شعوذات، وبرهانها فبركات، ودليلها من وحي الأحلام والخيالات، فلذلك عندما يصم أذنها كلام محكم فيلجم لسانها، وتضيع أخبارها، ومن ثم تكر وتفر، وتبدأ بالنياح والعويل، كي تخرج بفكرة داهية خائنة خائبة، تسعى من خلالها إلى تحقيق أهدافها، وهاهو كاظم يشير إلى الفكرة الخائنة الخائبة «أن الحوار ليس هدفاً، إنما وسيلة للوصول إلى الهدف»، والهدف معروف وهو السيطرة على السلطة ومؤسسات الدولة، ولذلك نسمع الهجوم المتواصل على سمو رئيس الوزراء، لأنه يمثل رمز الدولة الخليفية، وها هو الدور يصل اليوم إلى وزير الديوان الملكي الشيخ خالد بن أحمد، فلم يبق وزيراً من العائلة الحاكمة، إلا وتطاولوا عليه، بشتى الطرق والوسائل، كي يصلوا بعدها بحراشيفهم وخفافيشهم إلى كرسي الحكم.
ولكن يبقى الكلام الصريح والقول الفصيح في تصريح الشيخ خالد بن أحمد، الذي تناثرت من حروفه درر الكلام ووضعت النقاط على الحروف، وهو أن جلالة الملك «يقف على مسافة واحدة من الجميع وأن الحوار بين جمعيات والإئتلاف يمثل الشعب»، وان أتفقوا على مخرجات فليقدموها لجلالة الملك ليقيسها بمنظار الحاكم العادل، هل المخرجات مرضية تصون حق الدولة، المتمثلة في حق الشعب وبالأخص مكونها الرئيس؟ وللملك الحق كل الحق في الفصل في تلك الأمور، فهو ملك البلاد.
ونعود ونؤكد أن تصريح وزير الديوان الملكي صح، وكلامه عربي قح، ومن لم يستطع فهمه فهو بالطبع ليس من أهل البحرين، وليس له بعدها حق في البحرين.