بعض القصائد تسيطر عليك، وبعضها يتحول إلى جزء من حياتك، وبعضها الثالث يغير حياتك بالكامل، وقصيدة «إذا» للشاعر والروائي الإنجليزي الكبير روديارد كبلنغ، واحدة من القصائد العظيمة القادرة على البقاء معك طوال حياتك، تعود إليها بين فترة وأخرى لتستمد منها روح النمو، بكل ما تحمله من معنى، وقد قرأت القصيدة عندما كنت في بريطانيا في أواخر عام 1981، في الفترة التي كنت فيها مبتعثاً من وزارة الزراعة لـ «كورس» في المختبر البيطري.
في منطقة ثيريست، وفي بيت سكنت فيه بأجر أسبوعي، كان هناك أحد الموظفين الهنود، الذي هو الآخر يسكن مع عائلته، كنا نتحدث عن الشعر والمسرح، وقام بإهدائي كتاب صغير، لا يتجاوز الكف، بإصدار بسيط، عنوانه «إذا»، وفي الحال قمت بقراءته، ولأن القصيدة أكثر من جميلة، قمت بترجمتها، طبعاً بمرافقة «الأستاذ» القاموس، وبعد فترة نشرتها.
وبعد تواصلي مع كتابات التنمية البشرية، والانغماس في كتب الطاقة الحيوية، ودراسات البرمجة اللغوية العصبية، وجدت أن هذه القصيدة تشكل ملخصاً لكل الكتابات الجديدة في مجال النجاح الذاتي، وفي التغلب على جميع المعوقات في طريق الإنسان.
والقصيدة التي أنشرها الآن، ليست هي ترجمتي، فقد ضاعت بين الأوراق، ولذلك اخترت أفضل ترجمة أمامي وهي للكاتب البحريني الكبير الدكتور محمد الخزاعي.
تقول القصيدة:
إذا استطعت أن تحتفظ برباطة جأشك عندما يفقد الجميع من حولك رباطة جأشهم ويلومونك بسببها.
إذا استطعت أن تثق بنفسك حينما يشكك فيك كل الذين من حولك، ومع ذلك تراعي شكوكهم أيضاً.
إذا استطعت الانتظار ولم تمل الانتظار.
أو أن تكون ممن يفترى عليه، لا تتاجر في الأكاذيب.
أو أن تكون ممن يحقد عليه لا تستسلم للحقد.
مع ذلك لا تبدِ طيبة فائقة، أو تتحدث بحكمة أكثر مما يلزم.
إذا استطعت أن تحلم - ولم تصبح عبداً لأحلامك.
إذا استطعت أن تفكر - ولم تجعل الأفكار هدفك.
إذا استطعت أن تقابل النصر والكارثة.
وتعاملت مع هذين الدجالين على نفس القدر من المساواة.
إذا استطعت احتمال سماع الحقيقة كما نطقتها.
وقد لويت من قبل الأوغاد لينصبوا فخاخاً للمغفلين.
أو أن تشاهد الأشياء التي نذرت نفسك من أجلها، وقد تكسرت.
وتخنع لتبنيها بأدوات بالية.
إذا استطعت أن تصنع كومة واحدة من جميع مكاسبك.
وتخاطر برمية واحدة في لعبة من ألعاب الحظ.
وتخسر، وتبدأ مرة أخرى من حيث بدأت.
ولا تنبس بكلمة بشأن خسارتك:
إذا استطعت أن تجبر قلبك وأعصابك وأطنابك.
من أجل خدمة أغراضك بعد أن يكونوا قد قضوا منذ أمد طويل.
ولذلك تستمر عندما لا يوجد فيك شيء.
سوى الإرادة التي تقول لهم: «استمر!».
إذا استطعت أن تتحدث مع جموع الناس وتحتفظ بفضيلتك.
أو أن تصاحب الملوك - ولا تفقد مقدرتك على مصاحبة العامة والتحدث إليهم.
إذا لم يستطع الأعداء أو الأصدقاء المحبون أن يؤذوك.
إذا كان لكل الناس أهمية عندك، غير أن لا أحد منهم كثيراً:
إذا استطعت أن تملأ دقيقة عدم المغفرة.
بما يساوي ستين ثانية من جري المسافات.
الأرض لك وكل ما عليها.
و- ما هو أكثر - ستكون رجلاً، يا بني!
قصيدة كبلنغ هذه، واحدة من أعظم القصائد التي تخترق الزمان والمكان، ويمر الآن على موعد صدورها الأول قرناً من الزمان، جاءت آلاف القصائد والكتابات ورحلت، وبقيت هي واحدة من القصائد التي لا تموت. واحدة من القصائد التي أرى ضرورة حفظها باللغتين العربية والإنجليزية، من قبل الأطفال والمراهقين، بالضبط كما يحفظون القصائد العربية، لأن حفظها عن ظهر قلب، معناه أنها ستبقى في قلوبهم، تقودهم إلى طريق النجاح.