من خرطومي شاحنتي إطفاء متقابلتين، تشكل في سماء مطار الكويت، قوس مائي كبير، تهادت أسفله طائرة «ايرباص A320» عراقية، مسجلة عودة الرحلات بين الكويت والعراق، بعد انقطاع دام أكثر من عشرين عاماً. وكخلفية لمشهد الهبوط أخذت أردد تلقائياً بيت خالد الفيصل:
ماينسينا الخطأ حب الخشوم
ولايطهرك المطر عشرين عاماً
كنت على وشك أن أنتقد نفسي على التحيز ضد إصلاح العلاقات الكويتية مع بغداد، حين قفز راكب من بوابة الطائرة يحمل علم الكويت مقلوباً. و من لا يعلم خباثة من أرسل هذا المهرج نقول إن «رفع البيرق مقلوباً في العلم العسكري يعني أن المكان محتل من الأعداء، وهذه الأرض تطلب العون»، وعلى من أراد الاستزادة حول هذه النقطة مشاهدة الفيلم الأمريكي «القلعة الأخيرة The Last Castle».
وما تلك الحركة العراقية إلا استمرار لعملية «يوم النداء»، حيث كانت ذريعة صدام لغزونا قبل أكثر من عشرين عاماً، أن الكويت المحتلة تطلب النجدة من العراق.
كنت في مزاج احتفالي بعيد التحرير، وانتصارنا على غطرسة بغداد 1991، ثم قفز وزير النقل العراقي هادي العامري، ليزيد من تأنيبي لنفسي، حين وصف هبوط الطائرة بمثابة جسر بين الشعبين لبدء صفحة جديدة. لكن الأمين العام لمنظمة «بدر» لم يأت من أجل ذلك، فوزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري الذي كان على رأس الوفد كان قادراً على قول ما يقوي العلاقات الكويتية العراقية كعادته دائماً، إضافةً إلى أن الفصيل الذي يعتاش على مهاجمة الكويت كل شهر هما العامري وعالية نصيف.
ولم يطل بنا الأمر، فقد كان على العامري أن يقرأ الرسالة الثانية من خبثاء بغداد، وفنجان قهوتنا لايزال ساخناً في يده، فقال: «لم ولن نوافق على إنشاء ميناء مبارك دون نتيجة تحكيم دولي حتى لو ألغيتم المرحلة الثالثة والرابعة من المشروع».
ومن ليس لديه خصومة مع البديهيات العقلية، يعلم أن إعادة فتح الخط الجوي مخاتلة للوعي الجمعي الكويتي، ومحاولة لإضعاف الممانعة الشعبية. وفتح باب التحكيم الدولي، كلما أردنا إقامة مشروع تنموي، ليس انتقاصاً لسيادتنا فحسب، بل هو خطوة خبيثة ترمي إلى فتح ملف شرعية وجود الكويت كلها، فبعد الميناء سيتوجب علينا أخذ رأي بغداد في كل مشروع شمال الكويت، كمشروع المطار الجديد، ومدينة الحرير، بل وحتى بناء فندق ومنتجع قد يسحب الزبائن من «فندق العشار».
ما سبق كله كان استطراداً غير مقصودٍ لنفسه، جرتنا إليه أحداث الأسبوع الماضي، التي تشير إلى أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مستمر في التمسك بالخط الذي انتهجه، وهو في طريقه للولاية الثالثة. لكن ما الذي دفع المالكي لبعث تلك الرسائل؟ في حين تمد الكويت يدها للصلح بزيارة الأمير لبغداد قبل عام لفكها من عزلتها الخليجية، ثم بفك عزلتها الدولية برفع الحظر عن الطيران العراقي. وما الذي يدفع العراق لإثارة المشاكل قبيل زيارة يتم الإعداد لها ليقوم بها رئيس الوزراء الكويتي؟ أعتقد أنه للآتي:
1- لضمان نجاح المالكي في ولاية ثالثة، يخطب «حزب الدعوة» ود فصائل سياسية ترضع من ثدي طهران، كـ «منظمة بدر» و»عصائب الحق» وكتائب «حزب الله» العراقية، والنواب الذين انشقوا عن التيار الصدري وجيش المهدي والمجلس الأعلى. وبما أن مشروعهم الحضاري يقوم على ابتلاع الكويت كان لابد من تبني أجندتهم ولو مرحلياً.
2- فشل المالكي في مد جسور مع جواره العربي والخليجي، جعل مواقفه تتسق مع خط طهران، حتى أكاد أسمعه، وهو يقول لطهران: «الحمد لله إن سوريا هي المحافظة الإيرانية 35». لأن هذا يعني أن البصرة وبغداد وأربيل هي المحافظات 32 و33 و34. فإيران 31 محافظة. فرسالة رفض قيام ميناء مبارك هي دعم لخطط طهران ببناء ميناء ضخم في عبادان، الملاصقة للفاو، قبل أن تكون خوفاً على مصالح العراق، والدليل أن المالكي لم يضع حجراً واحداً في مشروع ميناء «الفاو» العراقي.
لن تعرف العلاقات العراقية الكويتية الصفاء طالما كان حكام الصدف الانتخابية كالمالكي هم صناع القرار السياسي ببغداد. فكيف نتفق مع زعيم لا يثق به شعبه فتخرج كل جمعة مدن الرمادي والفلوجة والموصل وسامراء، وغيرها في مظاهرات ضد سياسته. زعيم ينتظر وصول «اف 16 F 16» ليضرب الأكراد، زعيم حطم جيش المهدي في عملية النسر الأسود «Operation Black Eagle» أبريل 2007.
لقد رضع المالكي حتى الآن أربع رضعات مشبعات من المرضعة الفارسية، الأولى تبني طهران له، وهو حزبي مطارد بلا مأوى، والثانية حين سرقت فوز إياد علاوي وسلمته السلطة. والثالثة حين أهدرت دم مقتدى الصدر وكسرت جيش المهدي رغم تحصنهم في مرقد الإمام علي ومقبرة وادي السلام صيف 2004، ثم معركة شعبانية كربلاء 2007. والرابعة بتجديد ولاية المالكي الثانية، ولم يبق إلا الرضعة الخامسة وهي تجديد ولايته الثالثة.
فهل باستطاعة العرب أخذه من حضن المرضعة الفارسية؟
الإجابة ملقاة على قارعة السؤال نفسه، وتبدأ بكلمة الاستطاعة.
المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج
ماينسينا الخطأ حب الخشوم
ولايطهرك المطر عشرين عاماً
كنت على وشك أن أنتقد نفسي على التحيز ضد إصلاح العلاقات الكويتية مع بغداد، حين قفز راكب من بوابة الطائرة يحمل علم الكويت مقلوباً. و من لا يعلم خباثة من أرسل هذا المهرج نقول إن «رفع البيرق مقلوباً في العلم العسكري يعني أن المكان محتل من الأعداء، وهذه الأرض تطلب العون»، وعلى من أراد الاستزادة حول هذه النقطة مشاهدة الفيلم الأمريكي «القلعة الأخيرة The Last Castle».
وما تلك الحركة العراقية إلا استمرار لعملية «يوم النداء»، حيث كانت ذريعة صدام لغزونا قبل أكثر من عشرين عاماً، أن الكويت المحتلة تطلب النجدة من العراق.
كنت في مزاج احتفالي بعيد التحرير، وانتصارنا على غطرسة بغداد 1991، ثم قفز وزير النقل العراقي هادي العامري، ليزيد من تأنيبي لنفسي، حين وصف هبوط الطائرة بمثابة جسر بين الشعبين لبدء صفحة جديدة. لكن الأمين العام لمنظمة «بدر» لم يأت من أجل ذلك، فوزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري الذي كان على رأس الوفد كان قادراً على قول ما يقوي العلاقات الكويتية العراقية كعادته دائماً، إضافةً إلى أن الفصيل الذي يعتاش على مهاجمة الكويت كل شهر هما العامري وعالية نصيف.
ولم يطل بنا الأمر، فقد كان على العامري أن يقرأ الرسالة الثانية من خبثاء بغداد، وفنجان قهوتنا لايزال ساخناً في يده، فقال: «لم ولن نوافق على إنشاء ميناء مبارك دون نتيجة تحكيم دولي حتى لو ألغيتم المرحلة الثالثة والرابعة من المشروع».
ومن ليس لديه خصومة مع البديهيات العقلية، يعلم أن إعادة فتح الخط الجوي مخاتلة للوعي الجمعي الكويتي، ومحاولة لإضعاف الممانعة الشعبية. وفتح باب التحكيم الدولي، كلما أردنا إقامة مشروع تنموي، ليس انتقاصاً لسيادتنا فحسب، بل هو خطوة خبيثة ترمي إلى فتح ملف شرعية وجود الكويت كلها، فبعد الميناء سيتوجب علينا أخذ رأي بغداد في كل مشروع شمال الكويت، كمشروع المطار الجديد، ومدينة الحرير، بل وحتى بناء فندق ومنتجع قد يسحب الزبائن من «فندق العشار».
ما سبق كله كان استطراداً غير مقصودٍ لنفسه، جرتنا إليه أحداث الأسبوع الماضي، التي تشير إلى أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مستمر في التمسك بالخط الذي انتهجه، وهو في طريقه للولاية الثالثة. لكن ما الذي دفع المالكي لبعث تلك الرسائل؟ في حين تمد الكويت يدها للصلح بزيارة الأمير لبغداد قبل عام لفكها من عزلتها الخليجية، ثم بفك عزلتها الدولية برفع الحظر عن الطيران العراقي. وما الذي يدفع العراق لإثارة المشاكل قبيل زيارة يتم الإعداد لها ليقوم بها رئيس الوزراء الكويتي؟ أعتقد أنه للآتي:
1- لضمان نجاح المالكي في ولاية ثالثة، يخطب «حزب الدعوة» ود فصائل سياسية ترضع من ثدي طهران، كـ «منظمة بدر» و»عصائب الحق» وكتائب «حزب الله» العراقية، والنواب الذين انشقوا عن التيار الصدري وجيش المهدي والمجلس الأعلى. وبما أن مشروعهم الحضاري يقوم على ابتلاع الكويت كان لابد من تبني أجندتهم ولو مرحلياً.
2- فشل المالكي في مد جسور مع جواره العربي والخليجي، جعل مواقفه تتسق مع خط طهران، حتى أكاد أسمعه، وهو يقول لطهران: «الحمد لله إن سوريا هي المحافظة الإيرانية 35». لأن هذا يعني أن البصرة وبغداد وأربيل هي المحافظات 32 و33 و34. فإيران 31 محافظة. فرسالة رفض قيام ميناء مبارك هي دعم لخطط طهران ببناء ميناء ضخم في عبادان، الملاصقة للفاو، قبل أن تكون خوفاً على مصالح العراق، والدليل أن المالكي لم يضع حجراً واحداً في مشروع ميناء «الفاو» العراقي.
لن تعرف العلاقات العراقية الكويتية الصفاء طالما كان حكام الصدف الانتخابية كالمالكي هم صناع القرار السياسي ببغداد. فكيف نتفق مع زعيم لا يثق به شعبه فتخرج كل جمعة مدن الرمادي والفلوجة والموصل وسامراء، وغيرها في مظاهرات ضد سياسته. زعيم ينتظر وصول «اف 16 F 16» ليضرب الأكراد، زعيم حطم جيش المهدي في عملية النسر الأسود «Operation Black Eagle» أبريل 2007.
لقد رضع المالكي حتى الآن أربع رضعات مشبعات من المرضعة الفارسية، الأولى تبني طهران له، وهو حزبي مطارد بلا مأوى، والثانية حين سرقت فوز إياد علاوي وسلمته السلطة. والثالثة حين أهدرت دم مقتدى الصدر وكسرت جيش المهدي رغم تحصنهم في مرقد الإمام علي ومقبرة وادي السلام صيف 2004، ثم معركة شعبانية كربلاء 2007. والرابعة بتجديد ولاية المالكي الثانية، ولم يبق إلا الرضعة الخامسة وهي تجديد ولايته الثالثة.
فهل باستطاعة العرب أخذه من حضن المرضعة الفارسية؟
الإجابة ملقاة على قارعة السؤال نفسه، وتبدأ بكلمة الاستطاعة.
المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج