عندما علم بعض الأصدقاء بقرار «الوطن» تخصيص هذه المساحة لي على مدار الأسبوع، لأتواصل مع القراء سبعة أيام في الأسبوع، بدلاً من خمسة، قالوا إنهم يتمنون أن أبتعد في مقال الجمعة على الأقل عن الشأن السياسي، ذلك أن يوم الجمعة يوم عطلة، والمفروض أن نساهم فيه بما يعين القراء على الارتياح من عناء الأسبوع، الذي لم يعد يهدأ في البحرين، فقلت إنني أوافق على الفكرة وأتحمس لها، فالقارئ بحاجة ماسة إلى شيء من الاسترخاء بعد توتر مستمر هو عنوان الأيام الستة السابقة للجمعة، لكن تنفيذها شبه مستحيل، والسبب هو أن الأحداث التي بدأت مع تلك القفزة «الغشيمة» في الهواء في فبراير 2011، لا تتوقف لا قبل ولا بعد الجمعة، بل لا تتوقف حتى يوم الجمعة نفسه، وبالتالي لا مفر من تناولها وإبداء الرأي فيها والتعليق عليها، وإلا نكون قد خرجنا من الزمن.
الأيام الأخيرة مثلاً شهدت الساحة المحلية تطورات تتعلق بالحوار، وما يشهده من مناورات وصدر عن المشاركين فيه تصريحات كثيرة، لا يمكن إغفالها، وشهدت تصريحات من مسؤولين كبار يؤكدون توفر أدلة على التدخلات الإيرانية في شؤون البحرين الداخلية، وعلى تورطها في دعم وتدريب خلايا، بغرض الإساءة إلى البحرين، وزعزعة الأمن وتحويل هذه الأرض الطيبة إلى ساحة حرب حقيقية، كما شهدت اعتداءات كثيرة على رجال الأمن بزجاجات المولوتوف الحارقة القاتلة، التي لولا رحمة رب العالمين لأوقعت في كل يوم قتلى وجرحى بين رجال الأمن، وشهدت قطع شوارع وإشعال النيران في إطارات السيارات، وتعطيل حياة الناس والإمعان في إيذائهم، قام الفاعلون أنفسهم بتوثيقها ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر القناة «السوسة»، وغيرها من قنوات إيرانية ولبنانية وعراقية وأخرى تتبع المعارضة - تبث من الخارج - صارت تبثها بفرح غامر، من دون أي اعتبار للدين الإسلامي، الذي ينهى عن مثل هذه السلوكيات، وشهدت الساحة أحداثاً كثيرة لا يمكن تجاوزها، فهذه المساحة مخصصة للتعبير عن رفض مثل هذه الممارسات الدخيلة على مجتمعنا البحريني المسالم، وللتعليق على ما ينبغي التعليق عليه من أحداث، يزداد إيقاعها سرعة يوماً بعد يوم، لعلنا نتمكن بذلك من المساهمة في توضيح الأمور، أو يكرمنا الله جل شأنه فنكون سبباً في إثناء البعض عن الاستمرار في غيه.
للأسف، لم يعد بالإمكان التغاضي عن كل هذا الذي يجري، أو تصميد الأعين كي لا نراه، فهذه الأحداث تجري في بلادنا وليست في بلاد بعيدة عنا، وهي تمس حياتنا مباشرة، وتسيء إليها وإلى قيمنا وأخلاقنا ومبادئنا، وتسيء إلى ديننا الإسلامي الحنيف، الذي يدعو إلى إماطة الأذى عن الطريق، لا إلى توظيفه لإلحاق الأذى بالآخرين، وبالتالي لا مفر من تناولها بالتعليق والنقد، إلا أن نكون أناساً غير طبيعيين، لا نحس ولا نشعر بما يجري بيننا وحولنا.
الأمر الآخر الذي لا يمكن بسببه تجاوز ما يجري من أحداث، هو أن القراء أنفسهم صاروا لا يقرؤون إلا الموضوعات التي تتناول «حياتهم»، باعتبار أن ما يجري في البحرين اليوم منذ ذلك اليوم (...) هو جزء منهم شاءوا أم أبوا، فهم يريدون أن يعرفوا ما تشهده الساحة المحلية من تطورات ويريدون أن يتبينوا مختلف الآراء التي ربما يتمكنون من خلالها من تكوين صورة متكاملة لما يجري، تعينهم على اتخاذ مواقفهم وتغيير أو تعديل قناعاتهم.
مؤسف أن نصل إلى الحد الذي نرفض فيه حتى الابتسامة في يوم مخصص للراحة والهدوء، ولا نقبل إلا أن نتواصل مع ما يعكر أمزجتنا، لكن كما قال المثل الشعبي «اشحادك يا مسمار، قال المطرقة».. وأي مطرقة أكثر أذى من هذه المطرقة التي... ؟!
في كل الأحوال.. جمعة مباركة!