خرجت القضية السورية من حالة الانقسام السوري إلى الانقسام العربي، وإن دل ذلك على شيء فإنه يدل على أن ما يحدث في سوريا لم يعد ثورة، بل حرب طائفية، وقتال مصالح، والخطابات المؤسسة لهذه الحرب والمتناقضة مع مبادئ الثورة هي الدليل على ذلك.
من أخطر وقائع الأيام الماضية مقتل العلامة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، إذ تبرأ الغالبية من دمه، ووقفوا وقفة واحدة يثنون على علمه واعتداله واستقامته وزهده وإعراضه عن المناصب وزينة الحياة الدنيا، ويصعب قبول رواية المعارضة بأن «النظام هو من قتله مخافة أن يهرب من دمشق»!!
فالنظام السوري لن يتورع عن قتل أي معارض ولكن المنطق يأبى تصديق أن يقتل النظام أقوى حليف له، فالشيخ البوطي هو رئيس اتحاد علماء الشام، وهو عالم سني مجدد ينحدر من أصول كردية، وبذلك يمثل البوطي للنظام السوري التنوع الثقافي والعرقي والمرجعية الدينية المخالفة التي تؤيد شرعيته، ثم إننا لا نستطيع التغاضي عن آلاف البيانات المحرضة ضده، والمشككة في ولائه وصحة مذهبه، وسلامة دينه واتزان عقله، التي صدرت من المعارضة وأنصارها، وفضاء الإنترنت مفتوح لمن يريد أن يقرأ العجب العجاب في روايات المعارضة عن البوطي!!
ومن مقتل العلامة البوطي، نطرح السؤال الذي أصبح ملحاً حقاً، من هم الثوار في سوريا؟ وما هي مبادئ الثورة التي خرج من أجلها السوريون؟ ومن الذين يقاتلون في سوريا؟ وما هي مبادؤهم وشعاراتهم؟ ولو تتبعنا حقيقة ما يسمى بـ»الجيش الحر»، لوجدنا أن العقيد رياض الأسعد قائد «الجيش الحر»، يهدد «من مقره في تركيا» الجماعات المسلحة التي تتشكل من ذاتها، وتقاتل داخل المناطق السورية ويحملها وحدها مسؤولية القتلى الذين يسقطون!! ولتفاجأنا بأن بعض وحدات «الجيش الحر» ترفض تنصيب أية قيادة عسكرية في الخارج باعتبارها هي وحدها التي تدفع ضريبة الدم.
وعلى صعيد آخر ثمة وحدات وقيادات أخرى لـ»الجيش الحر» يديرها أو يتصل بها الشيخ العرعور عندما دخل الحدود السورية، بعد غيابه عنها لأكثر من أربعين عاماً، لتوحيد صفوف «الجيش الحر» وتوقيع اتفاقيات تنسيق بينها!!
وليس ثمة تصريحات أو دلائل على تنسيقها مع العقيد رياض الأسعد، وليس ثمة أية مؤشر لاتحاد الجبهات المقاتلة أو اتفاقها على مبادئ عامة، بالتالي ليس للجيش الحر أي كيان عسكري موحد ومنظم ويخضع لعقيدة دفاعية وقتالية واحدة!!
والعدد الأكبر من المقاتلين في سوريا هم غير السوريين، وينقسمون إلى عناصر «شيعية» من «حزب الله» والحرس الثوري الإيراني، وهؤلاء يناصرون نظام الأسد، في مقابلهم عناصر أخرى هي، من مجاهدين «سنة سلفيين» قادمين من أصقاع شتى عربية وآسيوية وأوروبية، وجميعهم يتلقى الدعم المالي والعسكري من الخارج، وشعارات الفريقين المتناقضة: «قتال الوهابيين وتنظيم القاعدة»، و»قتال الصفويين والروافض»!!
وهذه هي العقيدة القتالية الحقيقية التي تدير رحى الحرب في سوريا وليس شيئاً آخر، ولو بحثنا عن شعارات الثورة السورية «الأصلية» المطالبة بالحرية والعدلة والنظام المدني وتداول السلطة وتوزيع عادل للثروة، فلن نجدها البتة!!
أما على مستوى «مسرحيات» تشكيل ائتلاف المعارضة السورية والحكومة الانتقالية، فالأمر جد مرهق أن نتبع عامين من الفشل في تشكيل هذا الائتلاف، وعامين من تبادل الاتهامات والشجارات والاستقالات والانسحابات من الائتلاف، هذه المسرحيات نتفرج عليها في غياب تام لمعارضة الداخل ولقرار الشعب السوري في اختيار قيادته أو إبداء الرأي في تشكيلها من أساسه.
تلاشي الثورة السورية واختطافها في جراب الحرب الطائفية تثبته المصطلحات الميدانية العسكرية، فحمص لم تسقط بثورة أهل حمص، وحلب لم تقع بهبة الحلبيين بين يدي الفصيل الذي أعلن على «يوتيوب» العمل على تحويلها الى إمارة إسلامية، ولكنهما سقطتا بواسطة ما سمي بمعركة حمص ومعركة حلب، ومنذ عام والجميع ينتظر «معركة دمشق» الحاسمة ولا ينتظر ثورة أهل دمشق، سوريا تسقط بالمعارك، ولا تسقط بالمد الثوري وتنظيم صفوف السوريين، وتوحيد خطابهم وطرح مشروع وطني للثورة، وما بعد الثورة.
هذا المشهد هو الذي شق صفوف السوريين بين منخرط في هذه المعارك، وبين مرتاب ومشكك في مصداقيتها ونتائجها، ومن ثم انشقت صفوف العرب بين مدافع عن حق السوريين الذين ذاقوا الويلات من هذا النظام، وبين رافض لأي عملية تغيير مدججة بالسلاح، ومشحونة بشعارات طائفية وممولة من الخارج، والجميع يخشى من انفجار بركان دمشق، الذي لن يبقي ولن يذر أحداً في مأمن من الحرب الطائفية في هذا الإقليم.
وتصريحات بعض الجهات الرسمية تكشف عن إدراك لخطورة التدخل في المستنقع السوري، ففي حين يتذبذب موقف الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة -التي تمثل الحزب الحاكم في تونس- في مسألة اشتراك بعض التونسيين في القتال، موضحاً أن «حركته غير مسؤولة عن أي مواطن تونسي يذهب إلى سوريا، عبر الدول الأخرى»، تتخذ المملكة العربية السعودية موقفاً واضحاً بتصريح وزير الداخلية بمحاكمة أي مواطن سعودي يتورط في القتال في سوريا، سواء ذهب إلى سوريا عن طريق السعودية، أو أي بلد آخر، وقد سبقه تصريح لمفتي السعودية بعدم جواز الجهاد في سوريا، والاكتفاء بدعم الشعب السوري مادياً، ولحقه تصريح للشيخ عبدالله المنيع عضو هيئة كبار العلماء أن «دول الربيع العربي لا جهاد فيها بل حرب أهلية لا يجوز الاشتراك فيها».
لذلك نتمنى من بعض الجهات البحرينية التي تجمع الأموال والتبرعات للشعب السوري أن تكتفي بالعمل الخيري وألا تتورط في دعم القتال العسكري، وأن يحذر الجميع استخدام الشعارات الطائفية التي لن تجني منها المنطقة سوى الحرب الأهلية الشاملة، وتفتيت الوجدان الوطني، وأن نترك الشعب السوري يتخذ قراره في الحوار والصراع والثورة دون أن نشترك في دماء من نعلم ومن لا نعلم، ولو بحسن النية.
ومن أراد أن يلق الله بريئاً من الدم، فليعصم لسانه ويده وماله من دعم القتال في سوريا.
من أخطر وقائع الأيام الماضية مقتل العلامة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، إذ تبرأ الغالبية من دمه، ووقفوا وقفة واحدة يثنون على علمه واعتداله واستقامته وزهده وإعراضه عن المناصب وزينة الحياة الدنيا، ويصعب قبول رواية المعارضة بأن «النظام هو من قتله مخافة أن يهرب من دمشق»!!
فالنظام السوري لن يتورع عن قتل أي معارض ولكن المنطق يأبى تصديق أن يقتل النظام أقوى حليف له، فالشيخ البوطي هو رئيس اتحاد علماء الشام، وهو عالم سني مجدد ينحدر من أصول كردية، وبذلك يمثل البوطي للنظام السوري التنوع الثقافي والعرقي والمرجعية الدينية المخالفة التي تؤيد شرعيته، ثم إننا لا نستطيع التغاضي عن آلاف البيانات المحرضة ضده، والمشككة في ولائه وصحة مذهبه، وسلامة دينه واتزان عقله، التي صدرت من المعارضة وأنصارها، وفضاء الإنترنت مفتوح لمن يريد أن يقرأ العجب العجاب في روايات المعارضة عن البوطي!!
ومن مقتل العلامة البوطي، نطرح السؤال الذي أصبح ملحاً حقاً، من هم الثوار في سوريا؟ وما هي مبادئ الثورة التي خرج من أجلها السوريون؟ ومن الذين يقاتلون في سوريا؟ وما هي مبادؤهم وشعاراتهم؟ ولو تتبعنا حقيقة ما يسمى بـ»الجيش الحر»، لوجدنا أن العقيد رياض الأسعد قائد «الجيش الحر»، يهدد «من مقره في تركيا» الجماعات المسلحة التي تتشكل من ذاتها، وتقاتل داخل المناطق السورية ويحملها وحدها مسؤولية القتلى الذين يسقطون!! ولتفاجأنا بأن بعض وحدات «الجيش الحر» ترفض تنصيب أية قيادة عسكرية في الخارج باعتبارها هي وحدها التي تدفع ضريبة الدم.
وعلى صعيد آخر ثمة وحدات وقيادات أخرى لـ»الجيش الحر» يديرها أو يتصل بها الشيخ العرعور عندما دخل الحدود السورية، بعد غيابه عنها لأكثر من أربعين عاماً، لتوحيد صفوف «الجيش الحر» وتوقيع اتفاقيات تنسيق بينها!!
وليس ثمة تصريحات أو دلائل على تنسيقها مع العقيد رياض الأسعد، وليس ثمة أية مؤشر لاتحاد الجبهات المقاتلة أو اتفاقها على مبادئ عامة، بالتالي ليس للجيش الحر أي كيان عسكري موحد ومنظم ويخضع لعقيدة دفاعية وقتالية واحدة!!
والعدد الأكبر من المقاتلين في سوريا هم غير السوريين، وينقسمون إلى عناصر «شيعية» من «حزب الله» والحرس الثوري الإيراني، وهؤلاء يناصرون نظام الأسد، في مقابلهم عناصر أخرى هي، من مجاهدين «سنة سلفيين» قادمين من أصقاع شتى عربية وآسيوية وأوروبية، وجميعهم يتلقى الدعم المالي والعسكري من الخارج، وشعارات الفريقين المتناقضة: «قتال الوهابيين وتنظيم القاعدة»، و»قتال الصفويين والروافض»!!
وهذه هي العقيدة القتالية الحقيقية التي تدير رحى الحرب في سوريا وليس شيئاً آخر، ولو بحثنا عن شعارات الثورة السورية «الأصلية» المطالبة بالحرية والعدلة والنظام المدني وتداول السلطة وتوزيع عادل للثروة، فلن نجدها البتة!!
أما على مستوى «مسرحيات» تشكيل ائتلاف المعارضة السورية والحكومة الانتقالية، فالأمر جد مرهق أن نتبع عامين من الفشل في تشكيل هذا الائتلاف، وعامين من تبادل الاتهامات والشجارات والاستقالات والانسحابات من الائتلاف، هذه المسرحيات نتفرج عليها في غياب تام لمعارضة الداخل ولقرار الشعب السوري في اختيار قيادته أو إبداء الرأي في تشكيلها من أساسه.
تلاشي الثورة السورية واختطافها في جراب الحرب الطائفية تثبته المصطلحات الميدانية العسكرية، فحمص لم تسقط بثورة أهل حمص، وحلب لم تقع بهبة الحلبيين بين يدي الفصيل الذي أعلن على «يوتيوب» العمل على تحويلها الى إمارة إسلامية، ولكنهما سقطتا بواسطة ما سمي بمعركة حمص ومعركة حلب، ومنذ عام والجميع ينتظر «معركة دمشق» الحاسمة ولا ينتظر ثورة أهل دمشق، سوريا تسقط بالمعارك، ولا تسقط بالمد الثوري وتنظيم صفوف السوريين، وتوحيد خطابهم وطرح مشروع وطني للثورة، وما بعد الثورة.
هذا المشهد هو الذي شق صفوف السوريين بين منخرط في هذه المعارك، وبين مرتاب ومشكك في مصداقيتها ونتائجها، ومن ثم انشقت صفوف العرب بين مدافع عن حق السوريين الذين ذاقوا الويلات من هذا النظام، وبين رافض لأي عملية تغيير مدججة بالسلاح، ومشحونة بشعارات طائفية وممولة من الخارج، والجميع يخشى من انفجار بركان دمشق، الذي لن يبقي ولن يذر أحداً في مأمن من الحرب الطائفية في هذا الإقليم.
وتصريحات بعض الجهات الرسمية تكشف عن إدراك لخطورة التدخل في المستنقع السوري، ففي حين يتذبذب موقف الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة -التي تمثل الحزب الحاكم في تونس- في مسألة اشتراك بعض التونسيين في القتال، موضحاً أن «حركته غير مسؤولة عن أي مواطن تونسي يذهب إلى سوريا، عبر الدول الأخرى»، تتخذ المملكة العربية السعودية موقفاً واضحاً بتصريح وزير الداخلية بمحاكمة أي مواطن سعودي يتورط في القتال في سوريا، سواء ذهب إلى سوريا عن طريق السعودية، أو أي بلد آخر، وقد سبقه تصريح لمفتي السعودية بعدم جواز الجهاد في سوريا، والاكتفاء بدعم الشعب السوري مادياً، ولحقه تصريح للشيخ عبدالله المنيع عضو هيئة كبار العلماء أن «دول الربيع العربي لا جهاد فيها بل حرب أهلية لا يجوز الاشتراك فيها».
لذلك نتمنى من بعض الجهات البحرينية التي تجمع الأموال والتبرعات للشعب السوري أن تكتفي بالعمل الخيري وألا تتورط في دعم القتال العسكري، وأن يحذر الجميع استخدام الشعارات الطائفية التي لن تجني منها المنطقة سوى الحرب الأهلية الشاملة، وتفتيت الوجدان الوطني، وأن نترك الشعب السوري يتخذ قراره في الحوار والصراع والثورة دون أن نشترك في دماء من نعلم ومن لا نعلم، ولو بحسن النية.
ومن أراد أن يلق الله بريئاً من الدم، فليعصم لسانه ويده وماله من دعم القتال في سوريا.