دون أن يقصد، أثار مجيد ميلاد في حديثه حول الشؤون البلدية في جريدة الوسط بالأمس، ذكرى لتجربة لو قدر لها أن تستمر لأثمرت خيراً ليس لهذا البلد فحسب، بل خيراً به تنتقل الوفاق من حراك الثورة إلى بناء الدولة.
تذكرت كم كانت الأريحية بين البحرينيين بعضهم بعضاً في التعاطي مع «الوفاق» حين كانت لها حصة الأسد في المجالس البلدية.
فقد أتاح المشروع الإصلاحي فرصة لحركة أحرار البحرين الإسلامية أن تعمل ضمن الإطار الدستوري لتكون واحدة ضمن جماعات أخرى خارج نطاق قراها ومناطق سكناها، وتعمل معهم في مجال الخدمات العامة، وهي المرة الأولى التي تختلط فيها هذه المجموعة التي انصقلت على ثقافة الثروة، أن تعمل على بناء الدولة بالشراكة مع الجماعات الأخرى فيها.
كان العمل البلدي الميداني المباشر لخدمة خمس محافظات فرصة لإدارة شؤون الخدمة العامة من خلال الشراكة المجتمعية لخدمة الصالح العام، بكل ما تحمله كلمة «عام» من معنى.
فالنظافة والمماشي والحدائق والأسواق والتخطيط وووو بقية الخدمات كانت تمس الناس بمختلف مشاربهم مباشرة دون تمييز، كانت للمنطقة ككل والمجلس البلدي، كان يقاتل من أجل تحقيق أهدافه كوحدة واحدة بغض النظر عن مذهب أعضاء المجلس الواحد المتباينة.
حينها كان كل البحرينيين بغض النظر عن طوائفهم يعملون بخط واحد، المجالس البلدية بالذات كان لها طابع خدمي والمحافظات كانت خليطاً سكنياً.
كانت المجالس البلدية الخمس أو على الأقل الأربع عدا الجنوبية تضم شيعة وسنة، والوسطى على سبيل المثال تضم سنة في الغالب إنما رأسها شيعي هو سيد محفوظ، والحق يقال كان الكل يعمل بيد واحدة وبنفس واحدة، والحق يقال قد أنجزوا الكثير الكثير. وشهدت البحرين في السنوات العشر الأخيرة من حدائق ومماش ومنتزهات ومشاريع ترفيهية وإعادة تأهيل سواحل أكثر مما شهدتها في السنوات الثلاثين السابقة.
أما على الصعيد الإعلامي فالصحف ـ دون استثناء - كانت تنظر للمجالس البلدية كمجالس أهلية شعبية بحرينية بجميع محافظاتها، سواء كأخبار أو تقارير أو تغطية فعاليات أو كتابة مقالات، لم تجد صحيفة مثلاً ضد مساندة العمل البلدي حتى حين كان البلديون يطالبون بزيادة اختصاصاتهم في قانون البلديات، وقفت كل الصحف معهم دون استثناء، وما ذلك إلا لأن المكاسب لم تكن فئوية فكل مكسب كان يستفيد منه الجميع دون استثناء.
لم تخسر الوفاق فقط بل خسرت البحرين تلك الأرضية والقاعدة المشتركة التي كانت بالإمكان أن تكون منطلقاً للعمل الإداري الموحد، والتي ممكن أن يبنى عليها أجندات لبرامج وطنية شاملة، فكثير من الأحزاب نجحت سياسياً بعد نجاحها بلدياً، فالعمل البلدي يصلح أن يكون جامعاً وطنياً لعمل حزبي سياسي مستقبلي حين يجمع الفرقاء بمصالح مشتركة.
لم يقابلها في المجلس النيابي إلا لجنتا التحقيق اللتان تم تشكيلهما في الفصل التشريعي الثاني وهما لجنتا السواحل وأملاك الدولة، وهما لجنتان رغم أن عمرهما الزمني كان قصيراً، إلا أن إنجازاتهما أيضاً كان لها الأثر على المستوى الوطني كبير، إذ يكفي أن نتجاوز أهداف هاتين اللجنتين المباشرة لنقف عند أهدافها غير المباشرة، وهي العمل المشترك بين القوى السياسية الدينية «السنية والشيعية»، فوجد الاثنان أنه حين تتوحدان وتقفان على أرضية مشتركة وهي الثروات العامة، فإن الكثير من الحواجز تسقط تلقائياً، والوفاق أول من استشهد بمهنية تلك القوى وحرصهم الوطني.
وعودة على المجلس البلدي، فإن تلك الأرضية كانت أكثر صلابة لأنها امتدت لفصلين تشريعيين أي لثمان سنوات، سمحت بالكثير من الجليد أن يذوب وسمحت للعديد من الجسور أن تمتد، وسمحت للقواعد المشتركة أن تزيد مساحتها.
كانت فرصة لمجموعة من الشباب القروي أن يتعامل مع «الآخر» ذلك الذي يجهله، ذلك المحرقي أو الرفاعي أو الزلاقي، كانت فرصة أن تتوحد أجندات خدمية وطنية شاملة بين السني والشيعي، كانت فرصة أن يختبرا فرصة العمل المشترك.
في هذا الوقت ظلت حركات مثل «حق» و»وفاء» تبذلان كل ما تستطيعانه من جهد لإخراج الوفاق من هذه القاطرة والعودة بها إلى قاطرة الثورة، هدم الدولة كان ومازال بنداً من بنود أجندتها خرقته الوفاق حين قبلت بالدخول في إطارها الدستوري بدءاً بتسجيل الجمعية وانتهاء بالترشيح البلدي والنيابي، وجاءت إعادة الترشيح مرة أخرى لتثبت الاعتراف بالدولة ومؤسساتها.
إذ رغم أن الوفاق دخلت المجلسين «النيابي والبلدي» وهي تتعذر لجماهيرها بأنها «تجربة»، فإن ثبت فشلها فستنسحب، إلا أنها عادت ورشحت قائمتها للفصل التشريعي الثالث نيابياً وللمجالس البلدية للمرة الثالثة، وعرضت إنجازاتها النيابية والبلدية في حملاتها الانتخابية لشارعها تحاول جاهدة أن تظهر أن الإنجازات هي لهذا الشارع أي «للشيعة»، ومرت مرور الكرام وربما لم تتطرق إلى أن أكبر إنجاز كان للوفاق كحراك سياسي هو تلك الفرصة الثمينة التي هيأت لها بناء وتأسيس أرضية وقاعدة بحرينية مشتركة مع بقية الشعب البحريني خارج حدود الجدار الحاجز لها ولجماهيرها، والأهم أن هذه الأرضية المشتركة كانت ضمن الإطار الدستوري للدولة. ووجدت الوفاق تلك الأرضية في العمل البلدي ولجان التحقيق النيابية المشتركة، لكن للأسف لم تصمد.. سقطت في الفخ الذي نصب لها وسحبت من جديد إلى داخل السور وسحبت معها جماهيرها وأغلقت عليهم الباب ورمت المفتاح في البحر.
تذكرت كم كانت الأريحية بين البحرينيين بعضهم بعضاً في التعاطي مع «الوفاق» حين كانت لها حصة الأسد في المجالس البلدية.
فقد أتاح المشروع الإصلاحي فرصة لحركة أحرار البحرين الإسلامية أن تعمل ضمن الإطار الدستوري لتكون واحدة ضمن جماعات أخرى خارج نطاق قراها ومناطق سكناها، وتعمل معهم في مجال الخدمات العامة، وهي المرة الأولى التي تختلط فيها هذه المجموعة التي انصقلت على ثقافة الثروة، أن تعمل على بناء الدولة بالشراكة مع الجماعات الأخرى فيها.
كان العمل البلدي الميداني المباشر لخدمة خمس محافظات فرصة لإدارة شؤون الخدمة العامة من خلال الشراكة المجتمعية لخدمة الصالح العام، بكل ما تحمله كلمة «عام» من معنى.
فالنظافة والمماشي والحدائق والأسواق والتخطيط وووو بقية الخدمات كانت تمس الناس بمختلف مشاربهم مباشرة دون تمييز، كانت للمنطقة ككل والمجلس البلدي، كان يقاتل من أجل تحقيق أهدافه كوحدة واحدة بغض النظر عن مذهب أعضاء المجلس الواحد المتباينة.
حينها كان كل البحرينيين بغض النظر عن طوائفهم يعملون بخط واحد، المجالس البلدية بالذات كان لها طابع خدمي والمحافظات كانت خليطاً سكنياً.
كانت المجالس البلدية الخمس أو على الأقل الأربع عدا الجنوبية تضم شيعة وسنة، والوسطى على سبيل المثال تضم سنة في الغالب إنما رأسها شيعي هو سيد محفوظ، والحق يقال كان الكل يعمل بيد واحدة وبنفس واحدة، والحق يقال قد أنجزوا الكثير الكثير. وشهدت البحرين في السنوات العشر الأخيرة من حدائق ومماش ومنتزهات ومشاريع ترفيهية وإعادة تأهيل سواحل أكثر مما شهدتها في السنوات الثلاثين السابقة.
أما على الصعيد الإعلامي فالصحف ـ دون استثناء - كانت تنظر للمجالس البلدية كمجالس أهلية شعبية بحرينية بجميع محافظاتها، سواء كأخبار أو تقارير أو تغطية فعاليات أو كتابة مقالات، لم تجد صحيفة مثلاً ضد مساندة العمل البلدي حتى حين كان البلديون يطالبون بزيادة اختصاصاتهم في قانون البلديات، وقفت كل الصحف معهم دون استثناء، وما ذلك إلا لأن المكاسب لم تكن فئوية فكل مكسب كان يستفيد منه الجميع دون استثناء.
لم تخسر الوفاق فقط بل خسرت البحرين تلك الأرضية والقاعدة المشتركة التي كانت بالإمكان أن تكون منطلقاً للعمل الإداري الموحد، والتي ممكن أن يبنى عليها أجندات لبرامج وطنية شاملة، فكثير من الأحزاب نجحت سياسياً بعد نجاحها بلدياً، فالعمل البلدي يصلح أن يكون جامعاً وطنياً لعمل حزبي سياسي مستقبلي حين يجمع الفرقاء بمصالح مشتركة.
لم يقابلها في المجلس النيابي إلا لجنتا التحقيق اللتان تم تشكيلهما في الفصل التشريعي الثاني وهما لجنتا السواحل وأملاك الدولة، وهما لجنتان رغم أن عمرهما الزمني كان قصيراً، إلا أن إنجازاتهما أيضاً كان لها الأثر على المستوى الوطني كبير، إذ يكفي أن نتجاوز أهداف هاتين اللجنتين المباشرة لنقف عند أهدافها غير المباشرة، وهي العمل المشترك بين القوى السياسية الدينية «السنية والشيعية»، فوجد الاثنان أنه حين تتوحدان وتقفان على أرضية مشتركة وهي الثروات العامة، فإن الكثير من الحواجز تسقط تلقائياً، والوفاق أول من استشهد بمهنية تلك القوى وحرصهم الوطني.
وعودة على المجلس البلدي، فإن تلك الأرضية كانت أكثر صلابة لأنها امتدت لفصلين تشريعيين أي لثمان سنوات، سمحت بالكثير من الجليد أن يذوب وسمحت للعديد من الجسور أن تمتد، وسمحت للقواعد المشتركة أن تزيد مساحتها.
كانت فرصة لمجموعة من الشباب القروي أن يتعامل مع «الآخر» ذلك الذي يجهله، ذلك المحرقي أو الرفاعي أو الزلاقي، كانت فرصة أن تتوحد أجندات خدمية وطنية شاملة بين السني والشيعي، كانت فرصة أن يختبرا فرصة العمل المشترك.
في هذا الوقت ظلت حركات مثل «حق» و»وفاء» تبذلان كل ما تستطيعانه من جهد لإخراج الوفاق من هذه القاطرة والعودة بها إلى قاطرة الثورة، هدم الدولة كان ومازال بنداً من بنود أجندتها خرقته الوفاق حين قبلت بالدخول في إطارها الدستوري بدءاً بتسجيل الجمعية وانتهاء بالترشيح البلدي والنيابي، وجاءت إعادة الترشيح مرة أخرى لتثبت الاعتراف بالدولة ومؤسساتها.
إذ رغم أن الوفاق دخلت المجلسين «النيابي والبلدي» وهي تتعذر لجماهيرها بأنها «تجربة»، فإن ثبت فشلها فستنسحب، إلا أنها عادت ورشحت قائمتها للفصل التشريعي الثالث نيابياً وللمجالس البلدية للمرة الثالثة، وعرضت إنجازاتها النيابية والبلدية في حملاتها الانتخابية لشارعها تحاول جاهدة أن تظهر أن الإنجازات هي لهذا الشارع أي «للشيعة»، ومرت مرور الكرام وربما لم تتطرق إلى أن أكبر إنجاز كان للوفاق كحراك سياسي هو تلك الفرصة الثمينة التي هيأت لها بناء وتأسيس أرضية وقاعدة بحرينية مشتركة مع بقية الشعب البحريني خارج حدود الجدار الحاجز لها ولجماهيرها، والأهم أن هذه الأرضية المشتركة كانت ضمن الإطار الدستوري للدولة. ووجدت الوفاق تلك الأرضية في العمل البلدي ولجان التحقيق النيابية المشتركة، لكن للأسف لم تصمد.. سقطت في الفخ الذي نصب لها وسحبت من جديد إلى داخل السور وسحبت معها جماهيرها وأغلقت عليهم الباب ورمت المفتاح في البحر.