هذا الكلام يشبه كلام ذاك الذي بصق في وجه الآخر، وقال له وهو يبتسم «سامحني.. تفلت في وجهك»!
فما يقوم به ذلك البعض الذي استمرأ قطع الشوارع وإشعال النار في إطارات السيارات، وتعطيل حياة الناس لا يختلف عما قام به «الشخص الباصق في وجه الآخر»، وإن فعلها وهو يبتسم!
في واقع الأمر فإن من ينفذون تلك الأعمال في الشوارع لم يعطلوا حياة المواطنين والمقيمين فقط، ولكنهم دمروها بسبب أفعالهم غير المسؤولة، واهمين أنهم بهكذا أفعال يستعرضون عضلاتهم وقوتهم ومعتقدين أنهم سيرغمون السلطة على الاستجابة لما يريدون، حيث إن الواضح أن الخطة المعتمدة تفترض أن استمرار تعطيل حياة المواطنين وتعريضهم للخطر سيؤدي إلى إحراج الحكومة، وإلى أن «يثور» الناس عليها، بعد أن يقولوا إنها غير قادرة على حمايتهم.
مثل هذا الكلام ربما يكون صحيحاً إلى حد ما من الناحية النظرية، لكنه من الناحية العملية يؤدي إلى نتيجة عكسية، حيث استمرار هؤلاء في تعكير صفو حياة الناس سيؤدي إلى نفورهم، واتخاذ موقف سلبي تجاههم، فعندما تتعرض حياة الناس للخطر، ويرون بأم أعينهم كيف أن هؤلاء لا يبالون بهم، ولا يهمهم إن أصيبوا أو احترقوا أو ماتوا هم وأبناؤهم، فإن من الطبيعي أن ينفروا من هؤلاء الذين ينظرون إليهم باستعلاء ويشعرونهم أنهم إنما أدوات لا قيمة لها، فلا يمكن للناس أن يقبلوا بوضع قد يدفعون بسببه حياتهم، إلا إن كانوا عديمي العقل.
منذ أن تم الإعلان عما سمي بـ»الإضراب رقم 2» الذي يعتزمون تنفيذه يوم الرابع عشر من مارس الجاري، وعمليات قطع الشوارع وإشعال النار في إطارات السيارات لم تتوقف، والحجة هي «التمهيد» لتلك الفعالية أي «التسخين» لها، وهو أمر غريب لأنه إذا كانت الغاية هي تنفيذ الإضراب فإنه يمكن الدعوة إلى ذلك بالإعلان عنه عبر مختلف وسائل التواصل، فيصير الخبر عند الجميع، ويشارك في الإضراب من يقرر المشاركة فيه، لكن أن تنفذ سلسلة العمليات المعطلة لحياة الناس يومياً وعلى مدى أسبوعين، فهذا يعني أن الهدف ليس هو الإضراب، وإنما إشاعة الفوضى والتخريب وتعطيل حياة الناس، أملاً في تحقيق ما سبق بيانه، وفي كل الأحوال تحرج هذه الأفعال شعار «السلمية» المرفوع، وتخرج حامليه عن دائرة الصدق التي يدعونها، فما يجري في الشوراع لا يمكن أن يندرج تحت إطار السلمية، كما لا يمكن الادعاء أنه لا يؤدي إلى إصابة الأبرياء بسوء.
حسب البعض فإن «طيبة» الحكومة هي التي جعلت هؤلاء يبالغون في فعلهم هذا، هذا البعض يرى أن الفاعلين يعلمون أن عقوبة فعلهم غير قاسية بل سهلة، هذا طبعاً لو تم إلقاء القبض عليهم وهم متلبسون بالجرم المشهود، ذلك أن التجربة علمتهم أنهم يظلون متحكمين في المشهد على الأقل لبضع دقائق، قبل وصول رجال الأمن الذين لا يملكون إلا إطفاء النار، والعمل على إعادة تأمين الشارع، وهي فترة كافية ليتمكن الفاعلون من الهروب وكافية لاستعراض العضلات والتقاط «الصور التذكارية»، لنشرها بعد قليل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبثها عبر الفضائيات، ومنها «السوسة»، التي تقدم تلك الأخبار بإحساس المنتصر وبفخر، حيث تعطيل حياة الناس في عرفهم يستوجب الفخر.. أوليس نصراً؟!
كل هذا مؤلم، لكن الأكثر إيلاماً هو إطلاق صفة «المعارضة» على هؤلاء، فهل تقول الجمعيات السياسية «المعارضة» إنها لا تؤيدهم أو على الأقل لا توافقهم على أفعالهم تلك، وإنها غير مسؤولة عنهم ولا معنية بهم؟
سؤالان للجمعيات السياسية «المعارضة»، هل هؤلاء جزء منكم؟ هل توافقون على أفعالهم؟ أم ستطلبون من الناس أن يسامحوكم أنتم أيضاً؟