كشفت وسائل الاتصال الحديثة والسريعة مكنونات ثقافتنا العربية الهشة، ومدى وعينا بما يدور حولنا، كما عرت تلكم الوسائل طبيعة تفكيرنا ونظراتنا لما حولنا من أشياء، حتى بانت الكثير من عيوبنا الثقافية والسلوكية، وهذا يتجلى بوضوح عبر ما يصلنا وما نوصله للآخرين من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل «الملتي ميديا» السريعة.
أمور ومعلومات كثيرة تصلنا في اليوم الواحد، بل في الساعة الواحدة، ومن المؤكد أن ليس كل ما يصلنا يعتبر حقيقة بينة، لأن الكثير منها يحتاج إلى بينة واضحة ومصداقية.
ليس هذا هو الهدف من طرحنا فيما يتعلق بانتشار هذه «البرودكاستات»، بل الفكرة هو في نقل بعض المحظورات الشخصية التي يتم تداولها بين الناس، والتي لو تم تداولها في دول متقدمة، لنالوا جزاءهم وفق القانون.
لاحظنا في الآونة الأخيرة، قيام شريحة كبيرة من المجتمع بتداول مقاطع مصورة «فيديوهات» لأشخاص مصابين بمرض نفسي حاد، فيقومون بتصويرهم بطريقة غير لائقة إنسانياً، ومن ثم يقومون بتوزيع تلك المقاطع عبر مواقع التواصل الإجتماعي للضحك عليهم والسخرية منهم، دون رادع من دين أو ضمير، منتهكين كل خصوصياتهم الشخصية بصورة مقززة، ومخالفة لأبسط قواعد الذوق الإنساني، بذريعة أنهم «مجانين»!
طبعاً كلنا يعلم، أن هؤلاء مرضى وليسوا «مجانين» كما يحلو للبعض أن يطلق عليهم، ومن هنا وجب علينا القيام بمساعدتهم والأخذ بيدهم لانتشالهم من مرضهم، لا أن نقوم بالسخرية منهم والاستهزاء بهم بطريقة لا تخلو من الوحشية والحيوانية.
لا يجوز أن أقوم بتصوير مواقف مؤلمة «وليست مضحكة طبعاً» لأشخاص يعانون من أمراض نفسية متطورة جداً، ومن ثم أبدأ في توزيعها على الملايين من البشر بضغطة زر، فهذا العمل لا يجوز حسب كل الشرائع السماوية والأرضية، لأنه يعتبر مخالفاً لكل القيم والمثل الإنسانية.
إن تداول الكثير من المجتمعات المتخلفة لمثل هذه المقاطع التي تخترق خصوصيات هؤلاء المرضى، يعكس حقيقة مستوى تفكيرها الهش، وسطحية الثقافة التي تتمتع بها بشكل عام.
يجب علينا محاربة هذه الظاهرة، وعدم الترويج لها فضلاً عن استقبالها، كما يجب على المعنيين من المثقفين وعلماء الدين والتربويين وكافة منظمات المجتمع المدني الحر، في التصدي لمثل هذه الخروقات الجارحة للقيم الإنسانية، وعدم السماح بانتشارها.
حدثني بعض من الأصدقاء البحرينيين عن مدى ألمهم الشديد بسبب استغلال البعض لتكنولوجيا التصوير، بانتهاك خصوصيات بعض أفراد عوائلهم من المرضى النفسيين، وذلك بتصويرهم عبر مقاطع فيديو «دون علم ذويهم بكل تأكيد»، ومن ثم توزيعها بين الناس لأجل الضحك عليهم، وقد أكد لي هؤلاء، عدم رضاهم المطلق عن هذا الأمر، لأن في تلك المقاطع ما يؤلم أمهات وآباء أولئك المرضى، كما إن ذلك يعتبر خرقاً لخصوصيات الأفراد والأسر معاً.
قليلاً من الحياء والإنسانية أيها المروجون للضحك التافهِ وغير المشروع، ورفقاً بهؤلاء البشر من المرضى، فالله سائلكم يوم القيامة عنهم.