قبل حين، أصدر من قدم نفسه على أنه «حركة أنصار ثورة 14 فبراير» بياناً اعتبر فيه حوار التوافق الوطني الذي بدأ يشق طريقه بقوة «مؤامرة لإجهاض الثورة ومصادرة تطلعات الشعب باختزالها في تسويات سياسية»، رافضاً فكرة أن الحوار هو من أجل الإصلاح والخروج بالبحرين من الوعكة التي ألمت بها بسبب قصر نظر البعض وضيق أفقهم وقلة درايتهم بعالم السياسة ورافضاً فكرة أن من يضع العصا في عجلة الحوار ظالم لوطنه.
ورغم أن البيان اعترف في بدايته أن «كل الأزمات السياسية وحتى الحروب بين الدول تحل في نهاية المطاف عبر طاولة الحوار» إلا أنه سرعان ما استثنى البحرين مقدماً لذلك مبررات لا قيمة لها إلا عنده ولا تفسير لها سوى أن «طرفاً ما» يريد أن يفرض شروطاً ليأتي الحوار على مزاجه.. ومقاسه. فالبيان يرفض الحوار لأنه لم يتم «الاستفتاء عليه شعبياً» ولم يستجب لشروط مصدريه، وبالتالي فإنه «مرفوض جملة وتفصيلاً»!
البيان لا يرفض الحوار وفكرته فقط، ولكنه «يرفض حتى الجمعيات السياسية المشاركة فيه»، معتبراً أنها «خرجت صفر اليدين من حوار التوافق الوطني الأول»، ومبيناً أن «أحداً لم يفوض الجمعيات السياسية للمشاركة في الحوار».
وتابع البيان «ولذلك فإننا نؤكد بأن هذا الحوار لا يعنينا على الإطلاق وإن مخرجاته ليست ملزمة لشعبنا ولا لسائر قوى الثورة الشبابية وقوى المعارضة والرموز، كما إن شعبنا سيرفض الاستفتاء عليه ولن ينجر إلى ميثاق خطيئة آخر»، ومصراً على أن «إسقاط النظام هو الطريق الأقصر لتحقيق تطلعات الشعب»!
البيان المليء بالكلمات البذيئة والاتهامات للنظام والأسرة الحاكمة قال «إننا في بداية إعلان الجمعيات السياسية عن مشاركتها في هذا الحوار قد صدمنا وأبدينا استغرابنا لموافقة الجمعيات السياسية على التحاور، وهم قد خرجوا من الحوار الأول صفر اليدين متذمرين من مخرجاته ونتائجه»، واصفاً الحوار بأنه «حوار الطرشان» وداعياً إلى «حوار الميادين»، والاستمرار في فوضى الشارع بتسيير المظاهرات والمسيرات والاعتصامات.. والمواجهات مع رجال الأمن وتعطيل حياة المواطنين والمقيمين طبعاً!
البيان طالب «الجمعيات السياسية بالانسحاب من الحوار»، معتبراً المشاركة فيه «تأخيراً للنصر المؤزر»، ومعلناً «رفض من يقف وراءه لأي خطوات إصلاحية يمكن أن تسهم في إخراج البلاد مما صارت فيه»، ومتهماً قادة الجمعيات السياسية بأنهم «لا يشعرون بمعاناة الناس»، وأنهم –وهذا استنتاج– يسعون لمصالحهم الخاصة.
مصدرو البيان اعتبروا أنفسهم متحدثين عن ضمير شعب البحرين، وبالتالي فإن المشاركين في الحوار المرفوض من قبلهم لا مكانة لهم لدى «الشعب» .
البيان في كل الأحوال مثير للسخرية، لأنه عبر عن عواطف مرتبكة، وأوضح أن من كتبه يعاني من نقص في التجربة، وضيق أفق وقلة خبرة في عالم السياسة، فمن كتبه لا يدرك أنه إنما يشق ببيانه هذا صف «المعارضة» الذي يعتبر نفسه أساسه والجزء الأهم منه!
حسب البيان ومعطيات أخرى، يمكن القول إن اختلافاً قد يفضي إلى خلاف بين «المعارضة» الناعمة والخشنة يتنامى، وهو ما يبشر بإمكان التأثير على هذه الكتلة وصولاً إلى لحظة الوعي اللازمة لإخراج البحرين من الحال التي صارت فيها، لكن التدقيق في خطاب أمين عام «الوفاق» الشيخ علي سلمان الأسبوع الماضي في سار يمكن أن ينسف كل هذه المعطيات والاستنتاجات، حيث قال في جزء من خطابه «علينا أن «نزيد من وحدتنا» كفصائل سياسية مناضلة، و»نعاضد» بعضنا و»ندعم» الفعاليات التي تنظمها «مختلف القوى»»، وكذلك «علينا «زيادة» وتيرة العمل الشعبي و»مساحة الفعل»»، وهو كلام يتضمن توجيها واضحاً لجماهير «الوفاق» والجمعيات السياسية التي تسير في ركبها للمشاركة العملية في مختلف الفعاليات التي ينفذها ما صار يعرف بـ«ائتلاف فبراير»!