بدايـــة واجـب على الجميع من حكومات وشعـوب وتنظيمـــات سياسيــــة فــــي البحرين ومختلف دول العالم أن تتقدم بواجب العزاء لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية في الحادث الإرهابي الغاشم الذي شهدته مدينة بوسطن خلال أهم حدث رياضي تشهده المدينة سنوياً، وراح ضحيته أعداد كبيرة من الأبرياء والمدنيين بين قتلى وجرحى.
هذا العمل الإرهابي مرفوض تماماً، ولا يمكن تبريره بأي شكل من الأشكال سواءً بمبررات دينية أو سياسية أو حتى مبررات تتعلق بمطالب سياسية وحقوقية ومعيشية.
من واجبنا اليوم التضامن مع الإدارة الأمريكية في مصابها الكبير، فهي باعتبارها حليف استراتيجي لا يمكن تركها دون التضامن معها ومع شعبها، وتقديم الدعم المعنوي وحتى المادي إن تطلب الأمر.
استهداف الأمن القومي الأمريكي خلال حدث رياضي مهم يتطلب استنكاراً واسعاً على المستويين المحلي والدولي. ولكنه في الوقت نفسه يدعونا إلى قراءة الحدث الإرهابي بشكل مختلف بعيداً عن العواطف الجياشة التي نتضامن فيها مع أسر الضحايا والإدارة الأمريكية والشعب الأمريكي الصديق.
الولايات المتحدة منذ الحادي عشر من سبتمبر 2011 شهدت أعمالاً إرهابية محدودة للغاية، وكان سبب ذلك تسخير قدراتها وإمكانياتها الضخمة لمواجهة الإرهاب في الداخل والخارج من أجل حفظ أمنها واستقرارها. وكانت البحرين من أوائل الدول التي دعمت الحرب الأمريكية على الإرهاب عندما أطلقت في عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن، وهي الحرب التي كلفت الولايات المتحدة لوحدها نحو 5 تريليون دولار، وراح ضحيتها أكثر من ربع مليون شخص حول العالم. ولكن يبدو أن هناك أسباباً مازالت قائمة تدفع إلى استمرار اندلاع الأعمال الإرهابية على الأراضي الأمريكية بين وقت وآخر، فما هي هذه الأسباب؟
بلاشك فإن الأمريكيين لديهم القدرة على معرفة الأسباب التي تدفع مثل هذه الأعمال الإرهابية إلى الظهور على فترات متباعدة، ولكن لو قدمنا وجهة نظرنا فقد تكون وجهة نظر مستقلة إلى حد ما من ناحية الرأي والرأي الآخر.
على مدى أكثر من عقد مضى ساهمت جهود الولايات المتحدة الأمريكيةبإطار الحرب على الإرهاب في استعداء الكثير من الشعوب حول العالم لعدم قناعتها بجدوى السياسة الأمريكية تجاهها، أو إيمانها بأن السياسات الأمريكية هدفها التغيير السياسي القسري، أو إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار.
وفي الوقت نفسه، مثل هذه التصورات سادت لدى مكونات المجتمع الأمريكي التعددي، وخاصة لدى الجاليات العربية والمسلمة هناك، وهي جاليــات كبيـــرة ديمغرافياً. ورغم النظام الديمقراطي الأمريكي، إلا أنه يبدو أن النظام وعراقته لم يسهم في استيعاب كافة الآراء والتصورات بشأن السياسات الأمريكية الداخلية والخارجية، وهو ما فاقم الخلاف الذي يمكن ملاحظته في الاختلافات الواسعة في الآراء بشأن السياسات الأمريكية.
واشنطن اليوم بحاجة إلى إصلاح جــذري في سياساتها لحفظ أمنها واستقرارها، وهذا الإصلاح لا يمكن أن يتم إلا من خلال حوار وطني ذي مغزى بين كافة مكونات المجتمع الأمريكي، ومن المهم في الحوار نفسه أن يكون هناك تمثيل واضح لإدارة أوباما فيه، بالإضافة إلى الحاجة لإطار زمني متوافق عليه للحوار الوطني الأمريكي، على أن يسبق ذلك توافق على الآليات الخاصة بالحوار من كافة جوانبها قبل الدخول في مناقشة الأجندة الوطنية التي يجب مناقشتها وطرحها خلال جلسات الحوار. ولا مانع من تقديم أوراق عمل متنوعة من قبل كافة المشاركين في الحوار نفسه.
الإصلاح الجذري الذي تحتاجه واشنطن سيساهم في الاستماع أكثر للأقليات المتعـــددة فـــي الولايـــات المتحــــدة، وسيجعل من سياسات الإدارة الأمريكية أكثر فهماً وقرباً للإرادة الشعبية التي يجب احترامها دائماً وفقاً للمبادئ الديمقراطية الأمريكية العريقة. والهدف في النهاية من الحوار الوطني بأمريكا هو إصلاح سياساتها لتكون أكثر فهماً وتعبيراً للمصالح الأمريكية التي يفترض أن تحترم مصالح الدول الأخرى، وهذا كله سيساهم في حفظ الأمن القومي الأمريكي.
في السياق نفسه، لابد من دعم جهود الإدارة الأمريكية حالياً لحفظ أمنها واستقرارها عبر إجراءات التحقيق التي نثق في احترافيتها، وأن السلطات الأمنية هناك ستتمكن قريباً من التعرف على من استهدف أمن بوسطن. كما يجب الانتباه إلى ضرورة احترام إدارة أوباما لمبادئ حقوق الإنسان أثناء التحقيق والبحث على الحقيقة في هذا العمل الإرهابي. وإشراك مؤسسات المجتمع المدني الأمريكية، وتحديداً المنظمات الحقوقية مثل «هيومن رايتس ووتش» وغيرها ضرورة لأنها مؤسسات تقوم بدور رقابي مهم على أداء السياسات الحكومية، وجهودها تحفظ احترام مبادئ حقوق الإنسان وتضمن عدم انتهاكها، سيّما أن هذه المنظمات لها خبرات طويلة في مجال الدفاع الحقوقي حول العالم وليس في أمريكا فقط.
الإصلاح السياسي، والحوار ذو المغزى متطلبات أساس الآن للإدارة الأمريكية للدفع بعجلة التنمية في الولايات المتحدة، وباتت ضرورة لا تتطلب الانتظار أكثر، وعلى إدارة الرئيس أوباما الاستماع إلى مطالب الشعب الأمريكي بكافة مكوناته فهو أقدر في إيصال وجهات نظره بشأن سياسات بلاده أكثر من الآخرين.
وما يهمنا نحن هنا في البحرين هو حفظ أمن واستقرار الولايات المتحدة باعتبارها حليفاً استراتيجياً لنا، ولا مساومة على أمن أمريكا.