سعادة السيد توماس كراجيسكي الموقر
سفير الولايات المتحدة الأمريكية بالمنامة
صباح الخير..
لم أعتد كتابة الرسائل للمسؤولين وتحديداً الدبلوماسيين الأجانب في المملكة، رغم حرصي تماماً على متابعة أنشطتهم، ومعرفة اتجاهاتها لفهم طبيعة العلاقات الخارجية للمملكة، والسياسات الخارجية للدول الأخرى.
أتفهم جيداً انزعاجك الشديد واستياءك الكبير مما أكتب بشأن العلاقات البحرينية ـ الأمريكية منذ العام 2011 وحتى الآن. فحرية التعبير التي كفلها الدستور في المملكة تتيح لي انتقاد السياسة الخارجية لبلادي، وإبداء الملاحظات بشأنها، وكذلك تقديم الاقتراحات ـ كمواطن ـ إزاء العلاقات الدولية للمملكة. وأعتقد أن مثل هذه الحرية موجودة في بلادكم العريق بديمقراطيته.
طوال الفترة الماضية كنت ألاحظ أن ردود الأفعال على مقالاتي بشأن العلاقات البحرينية ـ الأمريكية تتركز لدى القراء في البحرين، والقراء في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث مازلت أجهل سر تصنيف «غوغل أنلاليتيكس، وتويتر» بأن قرائي يتركزون في البحرين أولاً ثم الولايات المتحدة الأمريكية كبلد ثانٍ، رغم مشاهدتي مقالي يترجم يومياً وينشر في العديد من المنتديات والمدونات الأمريكية. ومع ذلك فإن ردود الأفعال الرسمية من السفارة تجاه مقالاتي لم تكن يوماً علنية، وأتفهم سبب ذلك بسبب عدم الرغبة في إثارة استياء أطراف عدة ومنها الرأي العام طبعاً.
خلال الأيام العشرة الماضية وصلتني رسائل عديدة من المسؤولين في الحكومة تنقل لي انزعاجك الكبير من فقرة صغيرة جداً في أحد مقالاتي يبدو أنها لم تترجم لكم جيداً، أو أن هناك إدراكاً مختلفاً دفعكم لفهمها بشكل غير دقيق للأسف الشديد.
وحتى لا أخلط الأمور، وأكون أكثر دقة، سأحدد ما أنا بصدد الحديث عنه، ففي يوم الأحد الموافق 7 أبريل 2013 نشرت مقالاً بعنوان «السفارة الأمريكية ورشاد حسين»، وجاء في نهايته الفقرة الآتية نصاً: «إذا كانت الحكومة عاجزة عن إيقاف تدخلات السفارة الأمريكية في المنامة، فإن هناك وسائل أخرى ناجعة أكثر لإيقاف هذا التدخل في مصالحنا الوطنية، والدبلوماسيون في السفارة يعرفون جيداً ما هي هذه الوسائل التي لم يفتح بابها بعد».
هذه هي القصة باختصار شديد، هذا ما كتبته، وهذا ما أثاركم، ومن الواضح أنه دفعكم للتوجس لأنكم اعتبرتم ما طرحته في الفقرة المذكورة أعلاه تهديداً صريحاً لسعادتكم شخصياً، ولكافة الدبلوماسيين في السفارة الأمريكية بالمنامة، وربما للمصالح الاستراتيجية الأمريكية!
لا أعتقد أن سفير الولايات المتحدة الأمريكية بحاجة لمقابلة وزيرين في حكومة مملكة البحرين لينقل انزعاجه واستياءه من هذه الفقرة الصغيرة التي كتبتها. ولذلك استغربت كثيراً عندما وردتني الاتصالات، وطلب الوزيران مقابلتي بشأن هذا الموضوع، لأنني أعتقد أن هناك مبالغة كبيرة في المسألة.
الوزيران نقلا لي وجهة نظركم في المقال الذي كتبته، ومازلت متمسكاً بموقفي الرافض لكافة التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية للمملكة، خاصة وأنني أرى أن هناك تدخلاً أمريكياً موثقاً في شؤوننا الداخلية، وهو تدخل طبعاً لا يخدم العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة وأن هناك تحالفاً استراتيجياً قديماً بينهما.
وفيما يتعلق بالفقرة التي فسّرها سعادتكم ودبلوماسيو السفارة الأمريكية بأنها تهديد مباشر، فإن المقصود بها ليس أي تهديد، ونؤكد هنا أننا ضد أي تهديد أو عمل إرهابي يستهدف المصالح الأمريكية، وكذلك سفارة واشنطن بالمنامة ودبلوماسييها. وقطعاً للتأويل، سأوضح ما قصدته في المقال بطريقة شبه بدائية:
أولاً: إذا كانت الحكومة عاجزة عن إيقاف تدخلات السفارة الأمريكية في المنامة: عجز الحكومة ملحوظ وسببه استمرار التدخلات الأمريكية وإن كانت أقل حدة اليوم. أما بالنسبة لتدخلات السفارة فهي مبيّنة بشكل تفصيلي في كتابي «أمريكا وشتاء البحرين»، ويمكن لسعادتكم الاطلاع عليها.
ثانياً: هناك وسائل أخرى ناجعة أكثر لإيقاف هذا التدخل في مصالحنا الوطنية: طبعاً هناك العديد من الوسائل لإيقاف التدخل الأمريكي في المصالح الوطنية البحرينية، فإذا كان الرأي العام يرى تراخياً من حكومته لإيقاف هذا التدخل، فإنه سيلجأ للعديد من الوسائل السلمية المشروعة والتي يكفلها الدستور وينظمها القانون، مثل الحملات الشعبية لكتابة العرائض لسعادتكم أو لفخامة الرئيس الأمريكي، أو لأصحاب السعادة أعضاء الكونغرس يشرحون فيها وجهات نظرهم.
وهناك وسائل أخرى، مثل الاعتصام أمام مبنى السفارة الأمريكية بالمنامة بالاشتراطات التي يحددها القانون البحريني. وإقامة الندوات لمناقشة مثل هذه التدخلات في الشؤون الداخلية، والضغط على أعضاء البرلمان البحريني لتفعيل دورهم تجاه مساءلة الحكومة في هذه المسألة. وجميع هذه الوسائل سلمية ومشروعة للتعبير عن الرأي، وحماية المصالح.
ثالثاً: الدبلوماسيون في السفارة يعرفون جيداً ما هي هذه الوسائل التي لم يفتح بابها بعد: طبعاً كافة الدبلوماسيين في السفارة يعلمون جيداً أدوات وتكتيكات الشؤون العامة، وكيفية إحداث عملية «اللوبي» التي تتم بشكل يومي في الولايات المتحدة تجاه مختلف السياسات العامة، وقضايا الشأن العام. ومازلت أعتقد أن باب هذه الوسائل بعيد عن الاستخدام في البحرين بسبب طبيعة الوعي السياسي السائد.
مضى على تولي سعادتكم مسؤولية رئاسة البعثة الدبلوماسية الأمريكية في المنامة نحو سنتين، ومن المفترض أن تكون الفترة المتبقية نحو سنتين أخريين أو أقل أو أكثر طبقاً لما تقرره وزارة الخارجية الأمريكية. وأعتقد أنها فترة قصيرة جداً بالنسبة لكم للانشغال في تعزيز العلاقات الأمريكية ـ البحرينية بدلاً من زيارة الوزراء لتقديم الشكوى ضد ما أكتب، والتلويح بالضغط نحو اتخاذ عقوبات ضدي أو ضد الصحيفة. فدوركم أهم بكثير في تطوير العلاقات بين البلدين، وبالمقابل دوري تقييم هذه العلاقة وإبداء الملاحظات بشأنها، وسأواصل القيام بهذا الدور انطلاقاً من مسؤولياتي الإعلامية.
وتفضلوا سعادتكم قبول التحية
يوسف البنخليل