بصراحة لم «أهول» مما فعلته منظمة «هيومن رايتس ووتش» خلال زيارتها الأخيرة للبحرين، لأن هذا المتوقع منها أصلاً، ولأن توقع تحركاتها يفترض أن يكون عملية معروفة سلفاً لمن قام بالموافقة على زيارة وفدها، بالتالي الاستياء هنا مما فعلوه من قبل الجهات الرسمية، بالأخص المعنية بالتواصل معهم والترتيب لزيارتهم لا ينفع معه إلا القول «وعلى نفسها جنت براقش».
في المثل الدارج نقول «شحادك يا المسمار، قال المطرقة»، وبالنسبة لما تقوم به وزارة حقوق الإنسان مع هذه المنظمات نسأل: «شحادج يا وزارة؟!»
المضحك في المسألة هنا أن جهات عديدة، نواباً، وجمعيات، وصحافة ومؤسسات مجتمع مدني كلها انزعجت مما فعله الوفد، وقامت تتساءل عمن يتحمل المسؤولية، ومن دعاهم، ومن سهل لهم تحركاتهم؟!
أقول مضحك، لأنهم يعرفون تماماً أن كل هذا لا يمكنه أن يحصل بمعزل عن موافقة وزارة حقوق الإنسان، وإن حصل بمعزل عنها، معنى ذلك أن دخول الوفد كان بصورة غير شرعية، وبالتالي الوزارة أيضاً ستكون مسؤولة وتتحمل كل اللوم والتقريع وغيرها.
مع احترامنا لشخص وزير حقوق الإنسان، لكننا نستغرب أنه منذ توليه المسؤولية في الوزارة تحولت البحرين كمن سقط في شبكة عنكبوت، شبكة واسعة من الاتفاقات التي وقعت والتي يعتزم توقيعها، عدد متزايد من الالتزامات «الاختيارية» بشأن حقوق الإنسان، ومنح جمعيات معينة معروفة بتقاريرها المتحيزة مساحات اهتمام لا تستحقها، لأن هذه المنظمات مهما فعلت لها فلن تنصفك.
منظمة مثل «هيومن رايتس ووتش» لن تنصف أي دولة أو نظام مهما فعلت هذه الدول، هي توضح أهدافها في نظامها الأساسي بأن حراكها «ضد» الأنظمة، أي أنها لن تصل مع أي نظام إلى أرضية مشتركة، حتى لو كانت القضايا التي تدافع عنها بشأن حقوق الإنسان كاذبة وليست حقيقة.
بدلاً من استنكار ما فعلته المنظمة وتقاريرها الداعمة للانقلابيين، هل وجدت جهود لاستنطاق المنظمة هذه وغيرها بشأن رؤيتها لحقوق «البشر الآخرين» الذين تضرروا لا من إجراءات الدولة، بل من إرهاب الشوارع ومن سد الطرقات ومن الحرائق وتخريب المرافق العامة؟!
منظمة مثل «هيومن رايتس ووتش» أثبتت مراراً أنها لن تتحدث إلا بما يصلها من معلومات توفرها المعارضة، أو أنصار نبيل رجب، أو أي طرف فقط يعرف نفسه على أنه ضد الدولة، ما يعني أنها ضد الفئات التي تدعم النظام في الدولة، بالتالي «شحادكم» يا جماعة، لماذا هذا الاهتمام الكبير بمنظمات لم تقم الولايات المتحدة الأمريكية لها أي وزن؟! اسألوا واشنطن كيف تعاملت مع «هيومن رايتس ووتش» بشأن غوانتنامو وأبوغريب، هل انتفضت واشنطن رغم أن الإدانات واضحة وتورطها مكشوف وواضح من قمة رأسها لأخمص قدميها؟!
مشكلة، إن ظن المسؤولون أن كثرة توقيع الاتفاقات مؤشر على التقدم والتطور في مجال حقوق الإنسان، بل كارثة إن رأينا عدد الالتزامات «الاختيارية» يزيد، إذ هذا تصرف بلا وعي، نتيجته أن الدولة بنفسها تضع الحبال حول رقبتها، وتلزم نفسها بنفسها بأمور حتى القانون الدولي و»عصبة الأمم» لا يلزمانها!
نكتب هذا للنصح فقط والتنبه، إذ الحالة التي حصلت في البلد بشأن زيارة الوفد تبعث على القلق بشأن وعي المعنيين بتداعيات مسألة التلهف على كسب رأي، وتعاطف منظمات عرفت بانحيازها، حتى لو اكتسبت سمعة عالمية.
انظروا للإمارات ماذا تفعل مع هذه المنظمات التي تتدخل في شؤونها المحلية، انظروا للسعودية، طيب، ابتعدوا عن الدول العربية، انظروا للولايات المتحدة الأمريكية، اسألوا رئيس الوزراء البريطاني عن موقع هذه المنظمات في اهتمامه إن جاءت تتدخل في شؤون بلاده الداخلية.
يا جماعة لا نريد الدخول في «منزلقات خطيرة» تورد الويلات على الدولة، وبعدها يتم لوم رجل واحد كالوزير المعني مثلاً، أو الجماعة العاملة معه، إذ حينها أقصى ما ستفعله الدولة «تبديل» الوزير، أو إعفاؤه، هو لن يتضرر لكن الدولة ستكون أكبر المتضررين.
فقط نقول إن كانت هناك أخطاء فاضحة وواضحة من أشخاص أو أجهزة معنية فرجاء انتبهوا لها، قبل لا «يخربونها» أكثر على رأس الدولة، مع الاحترام لكل الجهود والأشخاص، لكن البحرين تبقى أكبر من أي أحد أياً كان.