«لم يسبق أنني سمعت من قبل باسم نيزك يدعى «تريزومي 21» وأنه سيضرب كوكب الأرض، بالرغم من أنني من المتابعين لنشرات الأرصاد الجوية، متى وأين؟ هل لديك أية فكرة يمكن أن تفيديني بها؟! حتى أن الصحف المحلية لم أتذكر أنها نشرت شيئاً عن مدى خطورته»، هذه كانت ردة فعل إحدى صديقاتي، بعد أن سألتها إن كانت تعرف شيئاً عما يسمى «تريزومي 21»، مع العلم أنها في نفس الوقت أفادتني بأدق التفاصيل عن معرض للساعات تنوي زيارته في جنيف مطلع الشهر الجاري. ولكن مع كل السرد الحرفي الذي كانت تقوم به إلا أن نظرات الخوف كانت تخيم على ملامحها لتسألني مرة أخرى، «هل أكيد أن نيزك «تريزومي 21» فعلاً سيزور كوكب الأرض؟ وما هي قدرة تأثيره؟».
نظرت إليها بصمت هادئ لثوان قليلة، والألم يعتريني، حيث لا أعرف من أين أبدأ كسر جدران الجهل الإسمنتي الذي تعيش فيه صديقتي، لكن المشكلة لا تكمن فيها فقط، بل في 80% من مجتمعاتنا العربية، أجبتها: «لا تخافي فإنه نيزك صديق للبشر، لأنه من البشر».
ردت عليّ: «أهذه مزحة أو أسطورة من أساطير ألف ليلة وليلة؟»، قلت لها «لا، بل هذه حقيقة وممكن أن يطلق على اسم هذا النيزك «كروموزومي 21»، إلا أن الأمر لديها كان لايزال على حاله، مبهم!!
فكرت أن أعطيها المصطلح الأكثر شيوعاً: «ممكن أن يسمى أيضاً «متلازمة داون» أو باللغة الإنجليزية Down Syndrome»، كنت أعتقد أن الأمر سيكون أكثر سهولة، لكني فوجئت بالعكس فقد ازداد الوضع تعقيداً. قلت لها أخيراً، «»تريزومي 21» يعني بمصطلحنا العربي «المنغوليين»، وإن كانت هذه التسمية خاطئة بل هذه هي الحقيقة، واليوم العالمي لهذه الفئة من البشر الذين يسكنون على كوكب الأرض هو يوم 21 مارس من كل سنة».
قاطعتني مسرعة: «يعني نفس يوم الأم، لماذا هذا الظلم، يعني من الضروري يتم تذكير الأم أن لديها ولد معاق في يوم فرحتها؟!».
لم أكن أتخيل لحظة أنني سوف أشعر بمثل هذا السيف الناري الذي خرق أذناي عند سماعي لكلماتها المؤلمة، والتي لا تعرف أي معنى من معاني الإنسانية، ولا أيضاً التحضر الفكري. هل تعتقدون أن هذا حال صديقتي فقط ؟! بالتأكيد لا، بل هو حال الكثيرين ممن يرون أن الطفل المعاق آفة اجتماعية، لا بد من القضاء عليها بالسبل الحميدة، والتي تحفظ ماء وجههم، وأن هذا الطفل أو الشاب لا يملك شعوراً ولا إحساساً، وأنه لا يحق له أن يتمتع بمباهج الحياة، والبعض الآخر يرى أن لا حاجة لتعليمه، وتدريبه، وتطويره، وأن أي مجهود سنقوم به معه لن يَعُود علينا بأي مردود يذكر.
كم أتمنى أن يهتم الجميع بتلك الفئة من البشر، الذين يمثلون شريحة من مجتمعنا، وبدل أن يكون شغلنا حمل «الماركات» المزيفة بأرخص الأسعار، من الأفضل شراء ثقافة عقولنا وأفكارنا بأغلى الأثمان.
عجباً لمن يضع الإنسانية وساماً على صدره وهو لا يدري معناها!