رداً على أي مقترح معني بزيادة الرواتب تكون الإجابة الرسمية جاهزة متمثلة بوجود «عجز» في موازنة الدولة، بالتالي لا يمكن إقرار الزيادة المطلوبة والتي تأتي في صالح هذا المواطن الذي بدوره عليه أن يبلع القهر مرة تلو الأخرى ويسكت.
نتحدث عن العجز وكأن المواطن نفسه هو مصدره، بالتالي هؤلاء المواطنون لا يستحقون أية زيادة، فهم من «يكسر» ظهر الدولة بتسببهم بالعجز!!
هذا الذي يفهم مما يحصل، بيد أن المصيبة تتمثل في أن هذا المواطن لا علاقة له البتة في هذا العجز، فالمواطن ليس سبب إهدار ملايين الدنانير الموثقة في تقارير ديوان الرقابة المالية على مشاريع كثير منها فاشلة، وليس هو السبب في سوء توزيع الموازنة بحيث تضيع على سياسات لا تؤثر بشكل فعلي في حياته وواقعه.
المواطن هو المتضرر في كل حالة، وللأسف يعامل وكأنه هو مصدر كل الشرور، بالتالي لا يجب أن يطاله الخير، وكأن الجميع يريد أن يعاقبه على جريمة لم يرتكبها!
يا جماعة، ارحموا الناس، فلقد وصلوا لحالة يرثى لها، كلما يطرقون باباً يجدون وراءه عشرات الأبواب المغلقة، كلما تفاءلوا بتصريحات تصدر هنا وهناك يكتشفون بعدها أنها مجرد شعارات رنانة وجميلة لكن على الورق فقط.
اليوم نتحدث عن زيادات بسيطة جداً، نتحدث عن 15% والتي هي بالنسبة لرواتب المواطنين بالأخص أصحاب الدرجات الدنيا لا تعتبر زيادة مؤثرة، لكن مع ذلك فإن الرد يأتي بالسلب، وأن العجز لا يسمح بأن نزيد المواطن فلساً أحمر واحداً، وإلا انهارت الميزانية وسقطت على وجهها.
الآن أصبحت عملية تحسين وضع الناس وزيادة رواتبهم هي المشكلة التي قد تودي بالبلد إلى كارثة مالية غير مسبوقة؟! والله هذه أعذار لا يملك معها المواطن إلا أن يرفع يديه للسماء ويقول: حسبي الله ونعم الوكيل.
حدثونا عن هذا العجز قليلاً، رجاء حدثونا بشيء من الشفافية والصراحة، لمرة واحدة أخبروا الناس من هم المتسببون الفعليون فيما يعانونه اليوم من إفشال أي فرصة لتحسين أوضاعهم.
العجز الإكتوراي الرهيب الذي تعاني منه الدولة، هل سببه المواطن؟!
الهدر المالي المهول في ميزانية قطاعات الدولة، هل سببه المواطن؟!
الأموال الطائلة التي تصرف على فعاليات هنا وهناك لا توجه للمواطن بقدر ما تهدف إلى تطريز شكل البحرين خارجياً، هل المواطن هو من يقيمها ويصرف عليها الملايين؟!
الفساد الموثق في تقارير الرقابة المالية، هل سببه المواطن؟!
لسنا نقف هنا ضد أي مشروع يخدم البلد، ولسنا ضد أية أفكار واستراتيجيات تقدم البحرين في صورة جميلة، لكننا نقول هنا ما فائدة هذا كله والمواطن البحريني المفترض أن يكون أساس أي معادلة عمل أو أي مشروع هو المتضرر ولا يصله الخير؟!
فقط أتمنى من القائمين على ديوان الرقابة المالية، أتمنى عليهم وأرجو أن يجيبونا لا أن يقرؤوا فقط ولا يصلنا منهم رد، فقط نريد منهم أن يعطونا رقماً واحداً هنا، أعطونا رقماً يتضمن مجموع المبالغ المهدرة بسبب الفساد الإداري والمالي على امتداد تسعى تقارير كتبت طوال السنوات الماضية، فقط نريد معرفة الرقم الضخم للأموال التي ضاعت هكذا، حتى يعرف الناس كيف صرف المال العام في أوجه ليست بذات أولوية بالنسبة لملفاته المعيشية وأوضاعه العملية.
أقسم بأن الرقم المعني بالأموال التي أهدرت كفيل بأن يسبب سكتات قلبية لبعض الناس، خاصة أولئك الذين تتعلق آمالهم وتنحصر مطالباتهم في علاوة غلاء مبلغها بخس، أو متقاعدين فرحوا بمبلغ 150 ديناراً ثم صدموا برفض منحهم هذا المبلغ الزهيد، أو موظفين سمعوا عن زيادة الـ15% فقالوا أفضل من لا شيء ليصدموا بأن نصيبهم هو الـ»لا شيء».
أخبروا الناس بمن تسبب في عجز موازنة الدولة، قولوا لهم كيف وصل بنا الحال لنعاني من عجز إكتواري، من سبب هذا العجز؟! ولماذا لم تتحرك الدولة لوقفه أو أقلها محاسبة المتسببين فيه؟! أخبروا الناس عن مدخول النفط وهل بالفعل هو لا يضيف شيئاً مؤثراً في الموازنة بحيث يتم الاعتماد عليه؟!
والله المواطن البحريني بسيط وتطلعاته ليست قائمة على الطمع، مثلما حال بعض المتنفذين الذين يعملون بأسلوب نار جهنم التي تحرق كل شيء أمامها وتقول هل من مزيد، والله المواطن بسيط يرضى بأقل القليل لكن هذا القليل لا يرضى بهذا المواطن!
مجلس النواب وأعضائه الذين انتخبهم الناس غير معفيين أبداً من مسألة رفض الميزانية، بل هم يتحملون الوزر، يتشاركون فيما حصل، حتى من اجتهد وعمل منهم، لأن في النهاية الشر يعم والخير يخص، والناس تنظر لكم باعتباركم صوتها، لكن للأسف صوت الناس لم نجده يصل من خلال المجلس ليتحول إلى أداة ضغط تفرض على الدولة التعاطي وتحقيق مطالب الشعب.
بعد كل هذه التصريحات وبعد كل «العشم» الذي «عشمه» بعض النواب للناس بشأن زيادة الرواتب وعلاوة الغلاء ووضع المتقاعدين، جاء رد الدولة «بكل برود» أن زيادة المواطنين لا يمكن أن تتم بسبب العجز، وما يمكن تقديمه لا يمثل سوى فتات، لا يمثل سوى حفنة دنانير يصرفها أي مسؤول كبير على صحن «أبتايزر» في أحد المطاعم «الراقية».
مقابل هذا الرد أليس من منطلق إخلاء المسؤولية أو إبراء الذمة أن نجد رد فعل عنيف من النواب، سواء بتعليق الجلسات أو تقديم الاستقالات؟! ألا يفترض أن يكون هناك غضب يتبعه موقف أقلها لإنصاف هؤلاء البشر؟!
كيف تريدون رضا المواطن، وهو يعامل وكأنه شخص طماع وإنسان مادي لو طالب بتحسين وضعه؟! كيف تريدون للمواطن أن يظل وفياً ومخلصاً وهو أكبر المتضررين؟!كيف تريدون للمواطن أن يكون منتجاً وعامل بناء للبلد ومسؤولو البلد ونوابها يعاملونه بأسلوب كله تجاهل وترفع؟!
والله لولا الحياء لقالوها بصراحة بأن المواطن «مادي» و»طماع» وأنه هو «سبب العجز!!».