إن قبل المجتمع البحريني بالجلوس مع حزب ائتلاف الوفاق بمرجعياته الدينية الخمس وبخطوطه الثلاث المتقاطعة «خط الولي الفقيه، وخط ولاية الفقهاء، وخط الشيرازيين»، فعلى هذا الحزب أن يقر بحق الآخرين في تقديم رؤيتهم للنظام السياسي في وطنهم على قدم المساواة مع الوفاق.
إنما السؤال هل تستطيع الوفاق أن تتعايش مع الآخرين؟ إن مجرد القبول بآخرين لهم ذات الحقوق والالتزامات السياسية يناقض البنية الفكرية لمجموعات ائتلاف الوفاق وتلك حقائق تتناقض وبنيتها العقائدية وتتناقض مع تصورها عن المجتمع البحريني.
ولنفهم معضلة الوفاق علينا أن نعرف لم الإصرار على تجاهل وجود شعب بحريني خارج دائرتها والتفافها على هذا الواقع بقولها «إن ما نريده موجود عند الملك ولا شأن لنا مع الآخرين».
الآخرون في عرف الأمانة العامة للوفاق تحديداً غير موجودين، والإقصاء هنا لا يطال السنة وبقية الطوائف ولا يطال الشيعة من غير أتباع المقلدين الخمس من الشيعة، بل يصل حتى داخل ائتلاف الجمعية وبين الخطوط الثلاث الائتلافية «خط الإمام، خط الفقهاء، خط الشيرازية» فهؤلاء جميعهم تم تكميم أفواههم لصالح المتصدر «عيسى قاسم».
إذ إن مشكلة الوفاق هي في بنيتها العقائدية التي أقصت حتى الدوائر الداخلية فيما بينها وحاربت كل من «يتصدى» للفتوى في ظل وجود «متصدر» وهو عيسى قاسم.
هذه المصطلحات تعرفها الأمانة العامة للوفاق التي يفترض أنها أمانة لمجموعة ائتلافية، لكنها جيرت الجمعية كلها بائتلافها بمجلس الشورى لصالح المجلس العلمائي، وأقصت الكل وكممت أفواههم، ومنهم متشددون أكثر من عيسى قاسم كالشيرازيين المتمردين عليه.
عمل عيسى قاسم على إقصاء كل متصد للفتوى باستصدار وكالة من السيد خامنئي، ومن الفضليين، ومن الحائري، وحارب كل من فكر ورفع صوته لطرح أفكار كالتعددية الفقهية مثلما فعل مع عبدالعظيم المهتدي البحراني والمدني من قبله وغيرهم.
الوفاق لا يمكنها أن تقبل أن تتعايش مع التعددية حتى داخل بيت الولي الفقيه، ولا يمكنها أن تتعايش مع بقية الشيعة، فهل نتوقعها أن تتعايش مع بقية مكونات المجتمع البحريني؟.
فعلي سلمان رهن قرار الوفاق كله في يد المجلس العلمائي وهنا نجد أحد تلاميذ عيسى قاسم وهو ميثم السلمان يلخص رؤية المجلس، وبالتالي رؤية جمعية الوفاق التي أمينها العام سيف في غمده بهذه الفقرة «نتبنى بنفس المنهجية وبنفس القوة عدم التفريق بين مرجعية الفقيه في شؤون الفتوى وبين مرجعية الفقيه في القيادة السياسية كنظرية سياسية، نختلف في هذا مع آخرين، ونختلف في هذا مع نظريات إسلامية، ونختلف في هذا مع النظرية الديمقراطية».
يثبت هنا السلمان الزعامة السياسية لفقيه ديني شيعي بلا منازع والوفاق لا يمكنها أن تنكر تبنيها لهذه الرؤيا «المنبر التقدمي وجمعية وعد يعلمان جيداً ما نتحدث عنه».
وحول انفراد الزعامة الدينية في الرأي السياسي يقول ميثم ومعه الأمين العام للوفاق علي سلمان بعدم جواز «التصدي» في حال وجود فقيه «متصدر» في الساحة، وذلك لمنع أي جهة دينية من تحدي سلطة شيخه عيسى قاسم.
وقال السلمان ذات مرة في كلمة له حول «الانتظار» إن التدريب العملي لاتباع الإمام القائم عليه السلام هو من خلال اتباع القيادة الواحدة، وليس مجلس شورى أو الهيئة القيادية، وذلك في رد مبطن على من يرون بضرورة تعدد المرجعيات واحترام الآراء المختلفة في البحرين.
عن أي دولة مدنية نتحدث؟ عن أي ديمقراطية نتكلم؟ عن أي تعددية وعن أي تعايش نبحث؟ «الأمريكان أيضاً يعرفون تلك الحقائق».
وفي سبيل حفاظه على كرسي الزعامة وموقعها صعد عيسى قاسم من خطابه الشعبوي خشية من خسارة الشيرازيين، وهو بهذا التصعيد عرض كل مكتسبات جمعية الوفاق الدولية للخطر، بل عرض حتى الشيعة كلها كطائفة نتيجة وضعهم في سلته واختطاف قرارهم قسراً والحديث نيابة عنهم وتهديد وترهيب كل من يخرج عن طوق الحمامة.
لقد ظلمت الوفاق وبالتحديد ظلم عيسى قاسم الشيعة أولاً، ورهن مصيرهم كله في يده محارباً كل المرجعيات الدينية الأخرى وناهيك عن محاربة كل جماعة خارج نطاقه العقائدي من شيعة وسنة.
الوفاق لا تستطيع أن تنسلخ عن هذه البنية، وبالتالي لا يمكنها أن تقر بوجود أحزاب سياسية أخرى لأنها لا تؤمن بوجود قواعد شعبية أخرى غير قاعدتها.
إن معركة الوفاق الآن مع «الآخرين»، وهنا اتسعت دائرة الآخرين، فدخل على الخط الشيرازيون من متشددين ودخل على الخط «الآخرين» كل من تقاطع من داخل الوفاق مع عيسى قاسم، من معترضين على أدائه السياسي، ودخل على خط «الآخرين» بطبيعة الحال كل فئات المجتمع البحريني المصر على مواجهة عيسى قاسم اليوم، فالمعركة الآن معركة مصير بين شعب البحرين وبين عيسى قاسم وعقيدته السياسية.
الوفاق الآن تخوض معركة تفوق معركتها من مطالب إصلاحية كالحكومة المنتخبة وتقسيم الدوائر وووو، تلك أمور تراجعت أهميتها بعد أن واجهت الوفاق الآن واقعاً لم تظن أنها ستواجهه ولم تحسب له حساباً.
لذلك الوفاق تحلم أن تمنع مناقشة جدول الأعمال حتى تحسم هذه المسألة، وتفرض رؤيتها بأنه هي وحدها الحزب السياسي الناجي في الأرض كما في السماء.