لا تختلف خيام «الوفاق» التي نُصبت في دوار مجلس التعاون وعلى طول شوارعه وأرصفته، عن خيام حزب الله اللبناني، حيث نصب 600 خيمة في 2006 حول مقر الحكومة اللبنانية للمطالبة بإقالة رئيسها السني فؤاد السنيورة، مع أن الدستور اللبناني يقضي أن يكون خلفه سنياً أيضاً. إلا أن هذه الرغبة من حزب الله كانت إشارة إلى قدرته على تغيير الأمور حسب ما يريد، وأن الذي سيأتي من ورائه لا بد أن يسمع ويطيع أوامر القيادة المنتظرة للبنان، والمتمثلة في حسن نصر الله، ولكن الحكومة لم تستجب لأوامره، فدام الاعتصام ما يقرب من 18 شهراً متصلة!! ثم تفاقم الأمر عندما قام حزب الله بعملية إجرامية عسكرية، إذ نزل بقواته المسلحة ليحاصر بيروت الغربية بالكامل حيث يعيش السُّنة، مهدداً بالاجتياح أو عدم رفع الحصار حتى تقال الحكومة، وكان ذلك يوم 9 مايو سنة 2008. فكلاهما يطالبان برئاسة الوزراء، لأن كليهما يريد من الدولة أن تتحول إلى دولة شيعية، حيث إن الدعم المادي والعسكري والإعلامي التي تمده إيران لحزب الله و»الوفاق» ليس لأجل جدايل حسن نصر الله الناعمة، ولا لأجل عيون علي سلمان الناعسة، وإنما من أجل قيام دولة شيعية لبنانية تكون بوابة على الوطن العربي، ودولة شيعية في البحرين تكون بوابة على دول الخليج العربي.
إذاً المطالبة بتمثيل الحاكم في الحوار هو مطالبة برئاسة الوزراء وغداً كرسي الحاكم، وأن ما تفعله «الوفاق» من استدراج المسؤولين في الدولة هو محاولة لدفع الدولة للاعتراف بأن «الوفاق» هي جبهة معارضة وطنية حصلت على الشرعية بجلوس ممثل الحاكم، مما يجعل كفتها تتغلب على كفة تمثيل الفاتح الذي يعتبر أن تمثيل الحاكم في الحوار هو إقصاء لإرادة المكون الرئيسي من شعب البحرين الذي يرفض وبكل إصرار أن يكون هناك تمثيل للحاكم في الحوار، وذلك عندما يكون التمثيل تنفيذاً لرغبة «الوفاق» التي تقود حرباً ضد الدولة؛ «الوفاق» التي تسعى إلى السيطرة على ما تبقى من الدولة؛ «الوفاق» التي تهدد وتحرق وتتخابر وتتآمر على الدولة ثم يكون المقابل استرضاؤها والنزول لطلباتها، فماذا سيكون رد فعل المكون الرئيسي للشعب.. إنه الإحباط والانكسار والتراجع إلى خطوط خلفية بحثاً عن بوابة الهروب إلى المجهول الذي سيكون أرحم من أن تكون يوماً تحت إمرة مجرم يكون له أمر على أبناء الفاتح، وتكون له صولات وجولات، ويكون له حرس وقيادة، كما هو حزب الله الذي يحكم لبنان اليوم. إذ أصبح دم المواطن اللبناني سهلاً بأمر نصر الله، فلا قيمة له ولا وزن لا في قوات أمنية ولا جيش ولا مؤسسة حكومية، فالأمر والقول لمليشيات حزب الله المتفرعة والمتغلغة في كافة مفاصل الدولة اللبنانية، ومثلها «الوفاق» اليوم التي تخطط للأمر نفسه بمجرد أن تكون لها فرصة عندما يمثل الحاكم أو من ينوب عنه في الحوار. فتصبح حزباً شيعياً منافساً للحاكم على حكم البلاد، وذلك بعدما تتم تبرئته من الأعمال الإرهابية التي يقوم بها منذ مارس 2011، كما يكسب شرعية مطالبته برئاسة الوزراء عندما يكون حزباً وطنياً معارضاً. وستكون الدولة بعدها حاكماً بلا صلاحية سياسية ولا حتى اقتصادية أو ثقافية، وتصبح الدولة في قبضة «الوفاق» التي لا يخط قائد جيش ولا وزير أمراً إلا بموافقتها، وذلك بعدما تحصل على الشرعية بأنها شريك في الحكم، إلى أن تكون كل الحكم.
«الوفاق» اليوم ليست في الحكم، لكن ما تقوم به هو أكبر مما تقوم به الدولة من فرض سيطرة وفرض واقع تعيشه الدولة ويعيشه الشعب، فمليشياتها تخرب الشوارع، وها هي الأشرطة المسجلة تثبت كيف تنزل مليشياتها إلى الشارع في وقت النهار وبأعداد كبيرة، توقف حركة المرور وتصف الإطارات وتسكب الزيت وتشعل النار دون سرعة واستعجال. فهذا حال ميلشيات «الوفاق» ليس في منصب رئاسة وزراء ولا شريك حكم، فكيف بعد أن يكون لها شيء من الحكم.
إن تمثيل الحاكم في الحوار هو ضد رغبة المكون الرئيسي للشعب، الذي رفض حتى مبدأ الحوار مع ميلشيات تعذبه وتقتله وتذله في كل شارع وطريق وقرية ومدينة، ميلشيات تسوق من قبل الولي الفقيه في إيران، ميلشيات مرجعها السيستاني وخامنئي، ثم تتم الاستجابة إلى مطالبها. فالأوضاع لن تبشر عندما تكون صدمة ويتحقق لـ»الوفاق» ما تريده، ويصبح السقف مفتوحاً لها مرة أخرى.
إن الحلول الناجحة ليس بالاسترضاء؛ وإنما بتطبيق القانون، وذلك كما حصل أيام السلامة الوطنية، حين رجعت ميلشيات «الوفاق» إلى جحورها، فإن سياسة الاسترضاء ستعود بها إلى الشارع بقوة أكبر حين تقرر أن تبدأ الخطوة التي فيها تطالب بكرسي الحكم، وبعدها لن تحتاج «الوفاق» إلى نصب الخيام، فقد تعدت مرحلتها، عندما يكون لها كيان مسلح، يتشابه بل هو الشكل نفسه.. بخطواته وهيكلته ومراحل تنفيذه.. «الوفاق» ومطالبتها برئاسة الوزراء.. وإصرارها على تمثيل الحاكم في الحوار جميعها مراحل قد مر بها حزب الله اللبناني الذي وصل سدة الحكم.