كانت أصواتهما مرتفعة تدوي في أرجاء البيت، فكل واحد منهما يحاول أن يثبت لي أنه على حق وأن الآخر عكس ذلك، فهذا أمر طبيعي بين أي طرفين متخاصمين سواء كان النزاع مادياً أو تبايناً في وجهات النظر، ناهيك عن مدى اتفاق أو اختلاف في ظرف الزمان والمكان لهذين المتخاصمين ومهما تباين إدراكهما ووعيهما العقلي والحسي.
يبقى الأمر واحداً؛ أن كل طرف يحاول أن يثبت بأنه على صواب، فولدي صاحبا الثلاث سنوات والنصف كل واحد منهما يحاول أن يثبت لي صحة تصرفه تجاه الآخر، ولن يقبل بأقل من مباركة جماعية من كل أطراف البيت، وفوق كل هذا يعمل كل واحد منهما جهده لتراجع الطرف الآخر عن وجهة نظره التي بسببها اندلعت حرب حامية بينهما، وأنا أقف بينهما أحاول أن أنصف وأعدل وأقدم المشورة للأول والنصيحة للثاني، ولاشك أن الغضب والاستشاطة يكونان سيدا الموقف عندما تدعو الحاجة بأن أقف في صف واحد ضد الآخر، أو ضد تصرفهما، فالحزم مطلوب في كثير من الأحيان.
من المؤكد أنهما لا يعرفان إلى الآن المعنى الحقيقي للديمقراطية والحرية الفكرية والدفاع عن وجهات نظرهما وكيفية تطبيقها بأقل الخسائر المادية والنفسية والبدنية بالشكل الصحيح، فبعد عاصفة هوجاء قضت بعقاب الاثنين أثارني هدوء رهيب، فأحياناً كثيرة يكون السكوت كالضجيج، كلاهما يسبب لي القلق، فقلت في نفسي لأتفقد صمتهما؛ وإذ بصوتي هو الذي يدوي هذه المرة في أرجاء البيت، فالجدران البيضاء أصبحت لوحات لا يعرف لها مثيل، وبعد حالة العصبية التي أصابتني كان المبرر لتصرفهما بأن «الشخبطة على الجدران» كانت انتقاماً من بعضهما، لكن وقع الانتقام على الحائط على من كان شاهداً على نزاعهما ولم يتدخل في شأن هذا أو ذاك.
بعد أن هدأت أعصابي جمعتهما وشرحت لهما عن الأضرار التي تعرض لها الجدار بسبب تصرفهما الأحمق. ومن وقتها يعلمان أن الشخبطة على الجدران ليست تصرفاً حضارياً وليست الطريقة الأمثل للتعبير عن غضبنا، وأن ضررها أكبر من نفعها. لكن ماذا كانت ردة فعلي أمام استهجان ابني وسؤاله عندما كنا مارين في شارع الجفير القديم: «ماما شوفي مين مشخبط على الحيط هيك؟ ماما مش أنت علمتينا عيب نعمل هذا؟!»، فالمعترض الآن على هذه الشخبطة هو نفسه الولد الذي فرغ موهبته الفنية وطاقته العصبية على جدران البيت، لكنه يبقى بكل المقاييس ولداً.. لكن أيعقل أن نكون لانزال نعبر عن وجهات نظرنا بالأساليب الرخيصة هذه؟ فماذا عسى أن أجيبه في تلك اللحظة؟
أتجاهل جوابه؛ وهذا يعتبر أسوأ أساليب التربية؟ أكذب عليه حتى أكون له عبرة جميلة يقتدي بها عندما يكبر ويعرف ويفهم؟ أشرح له وأفتح عقله وبراءته على أمور يرفض كل عاقل أن يقبل بها؟
فلنجلس جميعاً ونتقابل ونفتح الأوراق ونحللها ونضع جمال يوم غد نصب أعيننا، ونحمي جدران البيت وأهله من التفكك والضياع، فإن غداً لناظره قريب، وكلنا أمل أن تعود وتشرق سماؤنا دون سحاب أسود محمل بالأحقاد والعبثية والقلق النفسي والأمني الذي نعيشه كل يوم، آملين أن يأخذ رب البيت القرار الحازم الذي يؤمن راحة وأمان الجميع بأقل الخسائر النفسية والحسية، وترجع الحال مثل أول وأحسن من زمان.. فصدق المثل الذي يقول «الولد، ولد.. إن عمر بلد وإن خرب بلد»، لكن الذين بنيتهم تخريب هذا البلد هم أصغر من أصغر حبة تراب على هذا الوطن.
وصدق الإمام علي بن أبي طالب عندما قال: «حين سكت أهل الحق عن الباطل توهم أهل الباطل أنهم على حق».
يبقى الأمر واحداً؛ أن كل طرف يحاول أن يثبت بأنه على صواب، فولدي صاحبا الثلاث سنوات والنصف كل واحد منهما يحاول أن يثبت لي صحة تصرفه تجاه الآخر، ولن يقبل بأقل من مباركة جماعية من كل أطراف البيت، وفوق كل هذا يعمل كل واحد منهما جهده لتراجع الطرف الآخر عن وجهة نظره التي بسببها اندلعت حرب حامية بينهما، وأنا أقف بينهما أحاول أن أنصف وأعدل وأقدم المشورة للأول والنصيحة للثاني، ولاشك أن الغضب والاستشاطة يكونان سيدا الموقف عندما تدعو الحاجة بأن أقف في صف واحد ضد الآخر، أو ضد تصرفهما، فالحزم مطلوب في كثير من الأحيان.
من المؤكد أنهما لا يعرفان إلى الآن المعنى الحقيقي للديمقراطية والحرية الفكرية والدفاع عن وجهات نظرهما وكيفية تطبيقها بأقل الخسائر المادية والنفسية والبدنية بالشكل الصحيح، فبعد عاصفة هوجاء قضت بعقاب الاثنين أثارني هدوء رهيب، فأحياناً كثيرة يكون السكوت كالضجيج، كلاهما يسبب لي القلق، فقلت في نفسي لأتفقد صمتهما؛ وإذ بصوتي هو الذي يدوي هذه المرة في أرجاء البيت، فالجدران البيضاء أصبحت لوحات لا يعرف لها مثيل، وبعد حالة العصبية التي أصابتني كان المبرر لتصرفهما بأن «الشخبطة على الجدران» كانت انتقاماً من بعضهما، لكن وقع الانتقام على الحائط على من كان شاهداً على نزاعهما ولم يتدخل في شأن هذا أو ذاك.
بعد أن هدأت أعصابي جمعتهما وشرحت لهما عن الأضرار التي تعرض لها الجدار بسبب تصرفهما الأحمق. ومن وقتها يعلمان أن الشخبطة على الجدران ليست تصرفاً حضارياً وليست الطريقة الأمثل للتعبير عن غضبنا، وأن ضررها أكبر من نفعها. لكن ماذا كانت ردة فعلي أمام استهجان ابني وسؤاله عندما كنا مارين في شارع الجفير القديم: «ماما شوفي مين مشخبط على الحيط هيك؟ ماما مش أنت علمتينا عيب نعمل هذا؟!»، فالمعترض الآن على هذه الشخبطة هو نفسه الولد الذي فرغ موهبته الفنية وطاقته العصبية على جدران البيت، لكنه يبقى بكل المقاييس ولداً.. لكن أيعقل أن نكون لانزال نعبر عن وجهات نظرنا بالأساليب الرخيصة هذه؟ فماذا عسى أن أجيبه في تلك اللحظة؟
أتجاهل جوابه؛ وهذا يعتبر أسوأ أساليب التربية؟ أكذب عليه حتى أكون له عبرة جميلة يقتدي بها عندما يكبر ويعرف ويفهم؟ أشرح له وأفتح عقله وبراءته على أمور يرفض كل عاقل أن يقبل بها؟
فلنجلس جميعاً ونتقابل ونفتح الأوراق ونحللها ونضع جمال يوم غد نصب أعيننا، ونحمي جدران البيت وأهله من التفكك والضياع، فإن غداً لناظره قريب، وكلنا أمل أن تعود وتشرق سماؤنا دون سحاب أسود محمل بالأحقاد والعبثية والقلق النفسي والأمني الذي نعيشه كل يوم، آملين أن يأخذ رب البيت القرار الحازم الذي يؤمن راحة وأمان الجميع بأقل الخسائر النفسية والحسية، وترجع الحال مثل أول وأحسن من زمان.. فصدق المثل الذي يقول «الولد، ولد.. إن عمر بلد وإن خرب بلد»، لكن الذين بنيتهم تخريب هذا البلد هم أصغر من أصغر حبة تراب على هذا الوطن.
وصدق الإمام علي بن أبي طالب عندما قال: «حين سكت أهل الحق عن الباطل توهم أهل الباطل أنهم على حق».