يقوم التلفزيون الرسمي الإيراني شيئاً فشيئاً باستضافة طاولات نقاش مستديرة للحديث عن الميزات التي يحتاجها الرئيس القادم لإيران، وعادة ما يقول المشاركون في الندوات أشياء لا تنطبق على أي من المرشحين المعروفين، وهم يعنون خاتمي وهاشمي رفسنجاني.
في الشارع يسأل مراسلو التلفزيون الشباب الإيرانيين حول ما يأملونه من رئيسهم القادم. من الواضح أن الناس متضايقون جداً من ارتفاع الأسعار وهم يتطلعون إلى حياة أفضل.
في نهاية الفترة الرئاسية، من الطبيعي أن يشتكي جميع الإيرانيين، من مواطنين عاديين إلى مسؤولين من الأوضاع. والشخص الوحيد الذي يلقي عليه الجميع باللوم كله هو الرئيس. لكن الواقع هو أن المرشد الأعلى هو من يتحمل المسؤولية الحقيقية. بدون موافقة خامنئي لا يستطيع أحد أن يدخل اللعبة الانتخابية الرئاسية، وحتى عندما يصل ذلك الشخص إلى كرسي الرئيس، فإنه ليس حراً في عمل ما يريد. لعل المؤهلات المهمة المطلوبة في هذه الانتخابات الرئاسية هو أن يكون المرشح أقل ذكاء، أكثر طاعة، وأكثر هدوءاً وصمتاً.
لأول مرة في تاريخ الجمهورية الإسلامية، لا يعرف الإيرانيون بعد أسماء المرشحين رغم بقاء 5 أسابيع فقط على الانتخابات. ومع ذلك فقد كان كل شيء يسير بهدوء إلى أن طالب الناس العاديون الرئيسين السابقين محمد خاتمي وهاشمي رفسنجاني ترشيحَ نفسيهما. كان يفترض ألا تضم هذه الانتخابات أشخاصا معروفين. وبدأت أسماء المرشحين بشخصيات غير معروفة كثيراً، أو لا تتمتع بشعبية كبيرة، مثل محافظ طهران غاليباف، أو وزير الخارجية السابق الدكتور ولايتي، ورئيس فريق المفاوضات النووية السابق حسن روحاني.
لكن الحسابات كانت خاطئة. بقي موسوي وكروبي قيد الإقامة الجبرية، لكن الزعيم الإصلاحي محمد خاتمي يختبر المياه قبل أن يقدم على أي خطوة رسمياً. الإصلاحيون قرروا أن يعملوا حتى لو بقي موسوي وكروبي قيد الإقامة الجبرية وهم لن يقاطعوا الانتخابات.
لكن الوضع مختلف بالنسبة لهاشمي رفسنجاني. الرجل الذي كان أحد أعمدة الثورة، واستطاع أن يبقى كل هذه السنين يراهن على شعبيته ونفوذه بين رجال الدين في قم، وبين أفراد الشعب بالطبع. دور هاشمي معروف في إيصال آية الله خامنئي إلى منصب المرشد الأعلى عندما توفي الخميني. الرجل الثوري الذي كان بؤبؤ عين الحرس الثوري لم يعد يتمتع بشعبية مطلقاً بين قادة الجيش الموالين لخامنئي.
عندما قام الإصلاحيون بما اعتقدوا أنه ضروري لتصفية حساباتهم مع هاشمي رفسنجاني، جاء دور المحافظين لتشويه سمعة رفسنجاني وأفراد أسرته. هذه المرة جاء دور محمود أحمدي نجاد ومؤيديه من المحافظين الشباب لمهاجمة هاشمي رفسنجاني. لكن هاشمي رفسنجاني استطاع أن ينجو من جميع الحملات التي شنت ضده، وأن يعيد التواصل مع الشارع الإيراني. فكانت الخطبة التي ألقاها رفسنجاني في صلاة جمعة منذ أربع سنوات. رفسنجاني دعا إلى استعادة الثقة بين الحكومة والشعب من خلال إطلاق سراح المساجين، إطلاق حريات أجهزة الإعلام، واستخدام الوسائل القانونية فقط للتعامل بين النظام وبين معارضيه. رفسنجاني قال أيضا: «لا تدعوا أعداءنا يضحكون علينا من خلال وضع شعبنا في السجن. يجب أن نسعى إلى الوحدة؛ كي نجد الطريق المناسب للخروج من ورطتنا».. في تلك الخطبة الشهيرة، تحول رفسنجاني من مساعد للمرشد الأعلى آية الله خامنئي وحليف له، إلى صف الشعب في جميع مطالبه. لقد كان تغيراً محسوبا بدقة!.
هاشمي رفسنجاني يبلغ نحو 80 سنة من العمر، لكن ترشيحه للانتخابات الرئاسية يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً. سيواجه مجلس صيانة الدستور تحدياً كبيراً إذا قرر أن رفسنجاني غير مؤهل لخوض الانتخابات. وفي جميع الأحوال فقد يقرر رفسنجاني سحب ترشيحه لصالح مرشح آخر، لكن وجوده وتأييده يمكن أن يغير قواعد اللعبة، وهذا بالضبط ما يزعج المرشد الأعلى آية الله خامنئي ومؤيديه.
في هذه الفترة، الرئيس محمود أحمدي نجاد ومؤيدوه هادئون وصامتون لدرجة كبيرة. وقد أطلق على نجاد ومؤيديه صفة حركة المنحرفين، ومرشحهم المحتمل هو إسفنديار رحيم مشائي يمثل تحدياً آخر للمرشد الأعلى.
ماذا يمكن أن يحدث إذا كان لدينا عدة مرشحين مثيرين للاهتمام مثل مشائي ورفسنجاني يتنافسون بعيداً عما كان يتوقع آية الله خامنئي؟ هاشمي رفسنجاني لديه خبرة طويلة، ويتمتع بشخصية مستقلة قوية مثل خامنئي. كلا الرجلين، خامنئي ورفسنجاني، يمكن اعتبارهما من نفس المستوى والقوة، وهذا لا يناسب آية الله خامنئي. رجال الدين المتطرفون في قم يشككون في رحيم مشائي، وفي هدفه الحقيقي إذا وصل إلى الرئاسة. مشائي تحيط به نظريات المؤامرة وهناك شكوك حول قراءته الخاصة بالعقيدة الشيعية وبالإمام الثاني عشر. رجال الدين يعتبرون مشائي خطيراً، وهم بالطبع سيفعلون ما بوسعهم ليمنعوا أحمدي نجاد من ترشيحه.
في جميع الأحوال، إذا قرر خاتمي ورفسنجاني أن يوحدا جهودهما في خوض الانتخابات الرئاسية القادمة، فإنهما سيؤثران بشكل كبير في نتائج الانتخابات.
التسجيل رسميا للانتخابات بدأ الثلاثاء 7 مايو، وسوف يستمر أربعة أيام حتى تاريخ 11 مايو. بعد ذلك سيكون أمام مجلس حماية الدستور 10 أيام لدراسة مؤهلات المرشحين، وإصدار بيان عام حول المرشحين. وعند إعلان أسماء المرشحين المقبولين، ستبدأ المعركة الفعلية على منصب رئيس إيران القادم.

- عن «الوطن» السعودية