تستمر مواقف روسيا وإيران، اللتين تخوضان معركة إطالة عمر النظام السوري في لعبة عض الأصابع ولي الأذرع مع دول الغرب، في إثارة الدهشة والاستغراب لكثرة تناقضها وعدم انسجامها.
وإذا كان قرار القمة العربية منح مقعد سوريا للائتلاف الوطني السوري وإتاحة المجال أمام أي من الدول العربية لتسليح المعارضة السورية، استدرج ردود الفعل من موسكو وطهران، فإن ما صدر عنهما لا يؤدي سوى إلى تثبيت الانطباع عن مدى التناقض في مواقفهما.
موسكو كانت قالت مع بداية الأزمة السورية إنها ترفض تدخل الغرب في سوريا، وإنها مع الحوار بين أطرافها، وأيدت خريطة الطريق التي رسمتها الجامعة العربية حول الحوار، وإرسال المراقبين العرب، ثم حين قرر أركان هذا الحل العربي تعليق عضوية سوريا في الجامعة لرفض الرئيس السوري بشار الأسد التعاون مع بنوده التي صدرت في نوفمبر 2011، اعتبرت القيادة الروسية أن هذا القرار غير مفيد. وخلال السنتين الماضيتين لعبت موسكو على أرجوحة عدم تمسكها بشخص الأسد بل اهتمامها بمصير سوريا، كما صرح الرئيس فلاديمير بوتين، ثم على مقولتها إن الحل السياسي على أساس خطة مجموعة العمل في جنيف لا يعني تنحي الأسد.
وحين صدر قرار القمة العربية الأخير، رأت أن تسليم مقعد سوريا إلى الائتلاف «غير مشروع». فموسكو ترفع «الفيتو» في المنظمة الدولية على القرارات الهادفة إلى استخدام الضغط على النظام كي يسهل الحل السياسي وتريد منع منظمة إقليمية مثل الجامعة العربية من ممارسة هذا الضغط ولا تنوي الوقوف على الحياد وترك الدول العربية تختبر قدرتها على الدفع نحو هذا الحل، ولا تريد التدخل الخارجي الذي تبيحه لنفسها بتسليحها النظام وجماعته وغضها النظر عن تدخل جهات أخرى في مقدمها إيران و»حزب الله»، وتنكر على الدول العربية هذا الحق.
أما طهران، فمنذ بداية الأزمة وقفت ضد التدخل الأمريكي والغربي ودعت إلى «تعاون بين دول المنطقة» لإيجاد حل للأزمة السورية. وفي كل مرة كانت «دول المنطقة»، سواء عبر الجامعة العربية أم عبر التعاون التركي – العربي، تطرح الحل السياسي الذي يقود إلى رحيل الأسد، تعلن هي، بالنيابة عن الأسد أنه باق في السلطة وسيترشح للرئاسة عام 2014، ثم تتبنى شرطه وقف دعم الدول العربية للمعارضة بالمال والسلاح مستهزئة بالوقائع المكشوفة عن قتال «الحرس الثوري» الإيراني في مناطق عدة من سوريا وكذلك «حزب الله»، وعن تمويلها لحرب الأسد على شعبه، كأن هذا ليس «سابقة خطيرة»، فيما قرار الجامعة العربية ينطبق عليه هذا الوصف وفق الخارجية الإيرانية.
التناقض في مواقف كل من الدولتين صفة تعبر عن الاستهزاء بالآخرين، أخذ ينسحب على الموقف من الوضع اللبناني. الاستهزاء مفهوم بالنسبة إلى طهران لكنه غير مفهوم بالنسبة إلى موسكو لأنه خطير.
الثلاثاء الماضي ردت الخارجية الروسية عدم الاستقرار اللبناني إلى جملة عوامل منها التوتر على الحدود التي «تستخدمها المعارضة السورية وأنصارها في لبنان لنقل المقاتلين والأسلحة». لا تشير الخارجية الروسية إلى مرور مسلحي «حزب الله» عبر الحدود ومشاركة مقاتليه في الصراع العسكري داخل سوريا. فهل تبرر موسكو بذلك للطائرات الحربية السورية ولمرابض المدفعية قصفها الأراضي اللبنانية؟ وهو أمر يتناقض مع موافقة موسكو على بيان مجلس الأمن الصادر في 14 الجاري الذي أبدى «القلق من الحوادث المتكررة عبر الحدود التي سببت ضحايا بين اللبنانيين، ومن التوغلات داخل الأراضي اللبنانية وتهريب الأسلحة»، وانتهى البيان إلى دعوة اللبنانيين إلى التزام النأي بالنفس والامتناع عن التورط في الأزمة السورية وتطبيق «إعلان بعبدا» بالحياد.
أما الموقف الإيراني فيدعو إلى الريبة حول ما تنويه طهران بعد استقالة الحكومة، التي كانت اليد الطولى في تشكيلها وقيادة الأكثرية فيها، لـ»حزب الله». فالحزب اعتبر أن «ليست الحكومات التي تصنع الاستقرار بل التوافق الوطني هو الذي يحدد شكل الحكومات ومضمونها وأداءها»، مؤكداً إصراره على معادلة «الجيش والشعب والمقاومة». وهو أمر يعاكس تماماً ما تشكلت على أساسه الحكومة المستقيلة. ففي عام 2010 أطاح الحزب حكومة «التوافق الوطني» برئاسة سعد الحريري بحجة الإتيان بحكومة الرئيس نجيب ميقاتي لأنها في رأي طهران «تحقق الاستقرار وحماية المقاومة وهذا أهم من التوافق الوطني»، كما أبلغت طهران حينها من يعنيهم الأمر. فهل هذا يعني الاستغناء عن تشكيل حكومة جديدة وإبقاء لبنان في الفراغ إذا لم يأت خصوم الحزب في لبنان إلى التوافق الذي يريده هو وإيران في خضم الذروة التي بلغتها الأزمة السورية؟
خطورة تناقض الموقفين الروسي والإيراني تكمن في أنهما يكشفان الوضع اللبناني على انخراط كامل في هذه الأزمة.
نقلا عن صحيفة «الحياة» اللندنية