في هذا البلد يمكن أن تحصل الأعاجيـــب، يمكـــن أن تصبـــح البحرين مركزاً للتجارة العالمية، يمكن أن تصبح مركزاً إقليمياً للصيرفــــة والبنــــوك، يمكــــن أن تصبــــح بــــؤرة استقطـــــاب للمستثمريـن ورؤوس الأمـــوال، يمكن أن يفوز مطارها بجوائز إقليمية ودولية، يمكن أن نشيد حلبة دولية تلف أنظار العالم أجمعـــه باتجاهنـــا، يمكــــن أن نشيد أجمل المشاريع الإسكانية التجارية لمن يمتلك «الخردة»، أجمل الفنادق، أحلى المنتجعــات، يمكن أن نجلب أشهر الفنانين العالميين، يمكن أن يعزف لدينا «ياني»، أو يسكن لدينا «مايكل جاكسون»، لكن الشيء الوحيــد الذي لا يمكن أن نفعله هو زيادة راتب هذا المواطن!
رجاء لا يحق هنا لأي أحد أن يزعل من الكلام، لا الدولة ولا السلطة التشريعية ولا القوى السياسية ولا أحد، فالمواطن هو الوحيد صاحب الحق في الزعل، هو صاحب الحق في أن يعبر عن خيبة أمله، وعن حسرته، وعن ثقته التي اهتزت عشرات المرات في كل الجهات التي تستغل هذا المواطن كـ «شعار».
معقولة في بلد مثل البحرين، فيها مشروع إصلاحي، ومشاريع نهضويــــة، ومجلــــس تنميــــة اقتصادي ورؤية اقتصادية وعدت بتحسين وضع المواطن، وسلطة تشريعية وحراك لا يتوقف، أن نجد المواطن يصل في معاناته إلى هذا المستوى؟!
نفعل كل شيء، والله نفعل كل شيء ولا يعجزنا أي شيء، لكن حينما نصل للمواطن يتوقف كل شيء، وفجأة تنقلب السماء البيضاء إلى قطعة سواد، توضع العراقيـــل والمطبــــات وتــــورد الأعذار تلو الأعذار، لا يمكن، لا يجوز، الميزانية لا تسمح، العجز سيفلس الدولة، انهيار اقتصادي وشيك، كل «البلاوي الزرقة» تظهر على حين غرة، فقط لأننا تحدثنا عن المواطن ووضعه.
أصبح الحديث عن معاناة الناس وهمومهم والمطالبة بتحسين رواتبهم ورفع أجورهم مثل «التابو» المحرم الاقتراب منه أو المساس به.
طريقــك يــا مواطــن مســدود مسدود مسدود! هذا هو الواقع هنا، إذ الوصول لمرحلة يقف فيها أعضاء النواب أنفسهم في حيرة، يجدون أنفسهم في موقف العاجز عن فعل شيء للناس، وأن عليهم «المساومة» مـع الدولـــة علهـــم يتحصلـون علــى بضعــة دنانيــر لخدمة الناس، مرحلة تكشف لنا أن هذا المواطن سيصل يوماً لمرحلة انفجار خطير، وهنا نحـذر.
يا جماعة الخير، البحرين دولة لا تتحمل مزيداً من القلاقل، إن كانت هناك فئات سعت لاختطافها والانقلاب على الحكم، فليس من الحكمة أن يزرع الإحباط واليأس في نفوس المخلصين وفي نفوس المجتهدين فـي عملهـــم وعطائهــم لهـذا البلـد، حالـــة الإحباط هي ما تجعل الشخص صيــداً سهــلاً لكــل مــن يريــد استغلال جراح وهموم الناس لصالح حساباته السياسية.
أبسط ما يمكن أن يفعله أي مغرض وكاره لهذه البلد أن يزيد هذه الجراحات ويعمقها، أسهل ما يفعلون – وهم أصلاً يفعلون ذلك – هو زعزعة ثقة المواطنين البسطاء بالدولة ونظامها وآلية عملهـــا حينمـــا «يعايرونهــــم» بهذه الخيبات، التي تتوالى على رأسهم بين الفينة والأخرى، هناك من لا يتورع عن ممارسة «الشماتة» بالناس ليقول لهم بأن «جنته» التي يعدهم بها أفضل من دولتهم القائمة، وأن نظامه «وإن كان قائماً على ولاية فقيه أو تبعية مرشد إيراني» سيحقق لهم مطالبهم المعيشية من رفع رواتب وتحسين أوضاع، هناك من يستغل فشل تحريك أوضاع المواطنين ليدس سمه وليستفيد من الوضع.
اليــوم، وبكــل بساطــة يمكــن لأي شخص التوجه لأي مواطن بسيط ليدفعه للحديث عن همومه وعن رأيه في أداء الدولة والسلطة التشريعيـــة بالأخـــص حينما يخيبون ظنونه، وحينما يعدونه و«يعشمونه» بتحسيـــن وضعه، ثم يرمون آماله وأحلامه «رغم صغر حجمها» على الصخر لتتكسر.
تتوقعون ماذا سيقول المواطن إزاء ذلك، هل سيحمد ويشكر وسيتغزل في الدولة وسيمتدح الحراك السياسي فيها، أم سيكون ساخطاً غاضباً شاعراً بالغبن؟!
التفتوا رجاء للمواطنين، نرجوكم حســــوا فيهـــم، اعرفـــوا كيـــف يعيشون، كيف تمر عليهم الأيـام، اسألوا الناس عن رواتبهم وكيف تتبخر سريعاً فور أن تنزل في الحسابات بسبب ضنك المعيشـة والغلاء.
نناشدكم لأجل الناس، مللنا من وزراء لا يحسون بهذا المواطن، ضعوا وزراء فقراء أقلها خبروا شعور الجوع والضيق، من جرب الفقر والجوع هو من يحس بشعور الفقير والجائع، إلا أولئك الذيـــن أصابهـــــم «سرطـــان» الكراسي و«البرستيج» والمال.
هي نصيحة نوجهها للدولة، إذ أن استمر المواطنون في حالة سخط وغضب ووصلوا لمرحلة فقدوا فيها الأمل والثقة، فإن استغلالهم سيكون أمراً مفروغاً منه، مسألة خداعهم وتضليلهم ودفعهم للانقلاب على دولتهـــم حتى مسألة لن تكون مستبعدة، هؤلاء سيصلون لمرحلة من الضيق تجعلهم يقتنعون بأن ليـــس لديهـــم مـــا يخسرونـــه ويؤمنون بأن وضعهم لن يشهد أي تحسن، بالتالي سيكون صيداً سهلاً لمن يعرض عليهم تجربــة شيء آخر.
الشعب هو قوة أي بلد، ومتى ما كان الشعب راضياً كان بلده عصياً أمام أي طامع وأي مستغل.
والله من وراء القصد.