كان هناك سيرك إعلامي بمعنى الكلمة طوال الأسبوع الماضي في البحرين، وحال الجمعيات الخمس كان كحال المثل البحريني الذي يقول (زاعوا ارييتهم) أي بذلوا أكثر مما في وسعهم من الزعيق والصراخ كمثل الشخص الذي استفرغ كل ما في جوفه حتى استفرغ رئته وهو يصرخ ويلوح ويقفز في الهواء, من أجل أن يلفت الانتباه.
كان هناك تغطيات إعلامية عادية للمصادمات وعادية بالمقاييس الإعلامية بمعنى خبر أو تصريح سياسي على هامش الحدث الرياضي مخصص لما يدور على هامش الحدث كما فعلت روسيا اليوم أو فرانس 24 أو مونت كارلو، إنما ما يلفت النظر هو تغطية البي بي سي تحديداً فقد كانت لها الريادة في فقرة الأكروبات الإعلامي، فعلى مدى أسبوع كامل تفرغت قناة البي بي سي العربية لموضوع البحرين السياسي بشكل غير مسبوق ولم يتوقف هاتفي وهاتف العديد من المسؤولين والإعلاميين عن الرنين وآخرها الاتصال الذي وردني قبل إعلان النتيجة بساعتين للتحدث حول الاحتجاجات والفورمولا ون وحقوق الإنسان وفي برنامج نقطة حوار، بل إن شريط الأخبار في قناة البي بي سي تحديداً لم يخل من اسم البحرين طوال الأسبوع الماضي حتى بعد انتهاء الحدث بست ساعات ليلاً مازالوا يمررون خبراً مضى عليه أكثر من 12 ساعة دون إضافة أو تغيير!!!
قلت للأخ فيصل المتصل من القناة قبل أن أرد عليك بالقبول أو رفض الدعوة للمشاركة في برنامج نقطة حوار، هناك مسألة أريد أن أتأكد منها، ما الذي حدث أثناء نومي هل البحرين تمددت مساحتها مثلاً في هذا الأسبوع وفاقت مساحة الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً؟ هل تفجرت في البحرين آبار للبترول أو الغاز أثناء نومي فأصبحت البحرين من أكبر موردي مصادر الطاقة؟ ما السر في اهتمام قناتكم في البحرين إلى هذه الدرجة التي فاقت الاهتمام بأي بلد في العالم والذي جعل عدد ساعات البث المخصصة لأحداث البحرين يومياً يفوق عددها المخصص لأي دولة أخرى في العالم بما في ذلك أحداث بوسطن!
إذ لابد أن يكون الضيوف البحرينيون الذين تستضيفهم القناة والمقيمون في لندن قد وضعوا فراشهم قرب مبنى البي بي سي أو ناموا في مكاتبكم كي يتمكنوا من تلبية كل هذه الاستدعاءات التي لا تخلو نشرة وكل البرامج الحوارية عن البحرين، فما أكاد أفتح التلفزيون إلا وأرى ناساً أعرفهم وناساً لا أعرفهم واسم البحرين أصبح الثيمة الملازمة لقناة البي بي سي العربية؟ يا أخي خبرني ما السر؟ لا يمكن أن يكون الاهتمام بالفورمولا كحدث رياضي، فتلك لها برامجها الرياضية, ولا يمكن أن يكون الموضوع موضوع مصادمات أو حقوق إنسان، فسوريا أولى بهذا الاهتمام وبهذا العدد من ساعات البث إن كنا نتحدث عن مقاييس الإعلام بالاهتمام، إذ هذا النوع وهذه الدرجة من الاهتمام لا يحدث إلا مع دولة لها ثقلها وحجمها السياسي والاقتصادي والأحداث التي تجري بها عادة ما تكون مؤثرة دولياً، أما والبحرين تلك الدولة الصغيرة من حيث التأثير السياسي والاقتصادي، والدولة التي لا يبلغ عدد ضحايا المصادمات فيها –مع أسفنا لوقوعها في أي جانب- إلا عدداً محدوداً جداً بل لم يسقط والحمد لله أحد طوال الأسبوع، فما السر إذاً؟ خاصة أنه لكثرة الاستضافات اضطرت القناة أن تستضيف أسماء غير معروفة حتى للبحرينيين، أو أسماء لها مواقف هزلية معروفة!
سؤال أخير استحلفك بالله يا أخ فيصل واسأل ضميرك، ألا يحق لي أن أشك أن في المسألة شيئاً ما غير طبيعي غير أخلاقي يتعلق بالمهنة قلب الموازين الإعلامية وخصص هذا العدد من الساعات لدولة صغيرة ولأحداث مناوشات بين (محتجين) ورجال أمن تحدث في كل بقاع الأرض الآن؟
أنا هنا أتكلم عن المقاييس الإعلامية الصرفة التي تحدد أهمية الحدث وأهمية الموقع وأهمية التأثير الدولي، ونسبتها وتناسبها مع ساعات البث وموقع الخبر.
لن أذكر جواب الأخ فيصل تلك مسألة يحددها هو، ولكننا أنهينا الاتصال بتمنيات طيبة مخلصة وعذرته فهو ليس سوى موظف في مؤسسة لا يحدد هو سياستها.
هذا عن البي بي سي، أما عن الجانب البحريني للجماعة إياها فقد عاشت حياة السيرك المتنقل بمعنى الكلمة إذ كانت بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت! فطاقم كامل من المراسلين البحرينيين من جماعتهم المعروفة توجهاتهم وأسماؤهم استماتوا في تحويل الأخبار لوكالات الأنباء ووصلوا الليل بالنهار وقفزوا الحواجز وانبطحوا على الإسفلت وتسلقوا الأسوار وحاموا حول الفنادق لالتقاط الإعلاميين الزوار واصطحابهم (لجبهة القتال) وكبروا الصور وكرروها وفعلوا كل ما في وسعهم وما لا ليس في وسعهم ... الصراحة .. الصراحة الجماعة تعبوا كثيراً، بغض النظر عن نجاحهم وفشلهم، إنما الصراحة تعبوا .. إن كنت أنا تعبت وأنا أعدد (مآثرهم) فكيف بهم؟
فماذا كانت النتيجة؟ وما هو رأي الحضور؟ وهو المهم؟ ومن هم الحضور؟ ونكمل لكم غداً قصة السيرك ولاعبي الأكروبات.