حاولنا خلال عقود عدة ماضية الاستفادة من التجربة الأمريكية في مجالات مختلفة، ومنها المجال الحقوقي، والأمني، والتعليمي وغيرها، ولكن ماذا كانت النتيجة؟
كلما حاولنا الاستفادة من التجربة الأمريكية كلما نلنا انتقاد الإدارة الأمريكية ونظرت إلينا بمزيد من الانحياز وعدم الموضوعية لصالح أجندة التغيير السياسي في الشرق الأوسط.
لنتحدث عن العام الجاري 2013، بدأ بتصريحات حادة من مسؤولين أمريكيين طالبوا بمزيد من الإصلاحات السياسية، وبعضهم زار المملكة لإجراء مشاورات مع المسؤولين الحكوميين، فماذا كانت النتيجة؟
صدور تقرير الخارجية الأمريكية لحقوق الإنسان في البحرين تزامناً مع استضافة المملكة لسباق الفورمولا1، وهو تقرير غير منصف وغير محايد نهائياً لأنه أساء للمملكة كثيراً عندما وصف نظامها بأنه «ملكي» فقط، في حين وصف الأنظمة الملكية الأخرى بالملكية الدستورية، كما ركز التقرير على أن الحكومة لم تنفذ توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، رغم التصريحات الأمريكية السابقة التي تشيد بتطبيق توصيات تقرير لجنة بسيوني!
آخر مسلسل الحرص الأمريكي على التحالف مع المنامة إعلان واشنطن رغبتها «إجراء مباحثات مع السلطات البحرينية حول انتهاك حقوق العمال»، حيث قال وزير التجارة الخارجية دميتريوس مرانتيس، ووزير العمل سيث هاريس: «لم تصحح حكمة البحرين الثغرات في تشريعاتها حول حرية التنظيم، ولم تمنع أرباب العمل من استغلال هذه الثغرات للتعرض لمنظمي الإضراب العام في مارس 2011». ولذلك فإن الوزيرين يتطلعان لإجراء مباحثات مع الحكومة البحرينية لمناقشة هذه المسائل!
قد نجد العذر في جانب للإدارة الأمريكية عندما تستمع فقط لسفيرها بالمنامة توماس جراكيسكي الذي مهما غير نمط تعاطيه مع الحكومة، إلا أن أجندته للتغيير السياسي واضحة ومستمرة، لم ولن تتغير أبداً. إذ يبدو أن التقارير الدورية التي يرفعها السفير للخارجية الأمريكية هي التي تعتمد، ولا توجد جهود للتحقق من المعلومات الواردة فيها، فما ينتج عنها من تقارير أمريكية أو تصريحات لمسؤولين في البيت الأبيض دائماً ما تكون سلبية تجاه البحرين في ظل التحالف الاستراتيجي بين البلدين.
ونلاحظ من 2011 عدد المسؤولين الأمريكيين الذين زاروا المملكة علناً وسراً من أجل إجراء «مباحثات ومشاورات» كثيرة، ولا أعتقد أن المسألة باتت مقبولة أكثر بزيارة المسؤولين في الإدارة الأمريكية ليقدموا النصح والمشورة لحكومة البحرين، ولكافة مكونات المجتمع، وللجماعات الراديكالية التي يربطهم بها تحالف قوي.
لكل بلد في العالم سيادته التي يجب احترامها، وكذلك البحرين التي يجب احترام سيادتها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية أكثر فأكثر من السلطات الأمريكية. فشعب البحرين يرى التصريحات الإيرانية مطابقة في المضمون والتوقيت في أحايين كثيرة التصريحات الأمريكية، حيث يأتي الضغط الخارجي بشكل متواز وفي وقت واحد في ظاهرة مبهمة علناً، ولكنها معروفة سراً.
زارنا الكثير من المسؤولين الأمريكيين خلال الفترة الماضية، ونتوقع أن يزورنا عدد أكبر خلال الشهور المقبلة، ولا أعتقد أن سيادة البحرين تسمح بمثل هذه الزيارات، لأن هدفها المعلن هو المشاورات، ولكنها في الحقيقة تدخلات في الشؤون الداخلية للبحرين. فكما لا يحق لحكومة المنامة إرسال وزراء وعدد من المسؤولين لإجراء مشاورات مع السلطات الأمنية في بوسطن للتأكد من أن التحقيقات في الاعتداء الإرهابي الذي شهدته المدينة خلال الماراثون الأخير تتوافق ومبادئ حقوق الإنسان، فإنه لا يجوز للإدارة الأمريكية التدخل في شؤوننا الداخلية مرة باسم العمال، ومرة أخرى باسم القطاع الطبي، وأحياناً باسم الديمقراطية، وأخرى باسم حقوق الإنسان.
إذا كانت واشنطن ترغب في توثيق التحالف الاستراتيجي بينها وبين المنامة، فعليها إيقاف مثل هذا التعامل مع قضايا البحرين، ومن المهم تغيير سياستها الخارجية التي باتت تخسر التأييد من كافة الأطراف بالمملكة، وتداعياتها لن تخدم المصالح الاستراتيجية البحرينية - الأمريكية.