في الجبهة الدولية والإقليمية، التي تمتد من العالم العربي إلى تركيا والمعسكر الغربي المتمثل بأوروبا والولايات المتحدة، يمكن رصد الخطاب الآتي: بدأت تحذيرات هذه القوى مبكراً، ومنذ الأشهر الأولى، من أن هناك خطوطاً حمراء إذا ما تجاوزها النظام السوري، فإن هذه الدول ستتدخل بكل الوسائل، ومنها العسكرية. بدأت هذه الخطوط بالتحذير من استخدام النظام للطيران في ضرب المعارضة، ثم انتقل الخط الأحمر إلى التحذير من استخدام سلاح الصواريخ، ووصل هذا الخط اليوم إلى التحذير من استخدام السلاح الكيماوي الذي يمكن أن «يغير قواعد اللعبة» وفقاً للتصريحات الأمريكية الأخيرة. في العناوين الثلاثة، تصرف النظام السوري بكل اطمئنان، واستخدم الأسلحة المدمرة من دون أن يعمل حساباً للتهديدات الدولية. يدرك النظام أن الحسابات الدولية في التدخل غير مبسطة، وأن التهديد شيء والممارسة شيء آخر، بحيث يجرؤ اليوم على استخدام السلاح الكيماوي غير آبه بردود الفعل الدولية.لا تصدر حسابات المعسكر الدولي الذي يدعي خصومته للنظام السوري عن التزام بحقوق الإنسان أو عن موقف أخلاقي يتعلق بما يصيب الشعب السوري من مآسٍ، فهذه آخر الاهتمامات. ولأن سوريا تحولت ساحة حروب بديلة، فلا أحد من المعسكر الدولي مستعجل لحسم المعركة ضد النظام. فالولايات المتحدة الأمريكية، صاحبة التهديدات المتتالية، تبدو وكأنها تخوض حربها مع إيران من طريق استنزاف النظام الإيراني المتورط حتى العظم في دعم النظام السوري مادياً وعسكرياً... بحيث ترى أن الساحة السورية هي أفضل مكان لخوض المعركة مع إيران وبرنامجها النووي من دون أن يكلف أمريكا أي ثمن. كما إن واشنطن ترى أن انغماس «حزب الله» في الحرب الأهلية خير وسيلة لإضعاف الحزب وتشويه صورته وإلحاق أقصى الخسائر بمنظومته العسكرية. أما فرنسا وبريطانيا، فتبدو مواقفهما شديدة الميوعة والارتباك، تعلو التصريحات عن ضرورة تسليح المعارضة السورية، حتى وصل الظن إلى أن الترسانة الفرنسية جاهزة لتكون في خدمة المعارضة، ثم فجأة يخفت الحديث، وتبتلع كل من فرنسا وبريطانيا لسانيهما، وتتراجعان عن الوعد بالتسليح تحت حجة أن السلاح قد يقع في أيدي تنظيمات متطرفة. لقد باتت هذه التنظيمات المشجب الذي تعلق عليه كل دولة موقفها من أجل التملص من المساعدة المطلوبة للجيش الحر. يبقى الموقف التركي، الكاريكاتوري والممل، حيث لم تتوقف القيادة التركية منذ اندلاع الانتفاضة عن إطلاق التصريحات الدورية عن عدم السماح باستخدام الصواريخ والطيران والكيماوي من جانب النظام، وأن تركيا لن تقف مكتوفة، وكأن الفترة الزمنية التي مرت على الانتفاضة لم تكن كافية لتبسط القيادة التركية يدها وتتدخل لترجمة وعودها.في الجانب الموالي للنظام، يظل التساؤل كبيراً عن الموقف الروسي وعن الأهداف الكامنة وراء سياسته المؤيدة بالمطلق للنظام. بالتأكيد، لا يهتم الروس بمصالح الشعب السوري والحفاظ على مقومات البلد، بمقدار ما يخوضون معركة مصالحهم الخاصة في منطقة الشرق الأوسط وفي مناطق الاتحاد السوفيتي السابق. أما إيران، فتبدو منغمسة إلى أقصى حد في الدفاع عن النظام، بحيث تشير التقارير إلى تدخل عسكري فعلي في سوريا، سواء عبر الخبراء أو المستشارين، أو قوى عسكرية تقاتل على الأرض. لا تنفي القيادة الإيرانية هذا الدعم المطلق، بل وتذهب إلى أبعد حد في الإعلان عن أنها لن تسمح بسقوط النظام. ترى القيادة الإيرانية أن سقوط النظام السوري سيسقط مشاريع إيرانية متعددة: من موقع استراتيجي على البحر المتوسط، إلى فقدان إمكان التدخل في الشؤون العربية، إلى هزيمة المشروع الطائفي الذي تسعى إلى بنائه من إيران إلى العراق إلى سوريا ولبنان. ولا يخفى أن إيران تخوض أيضاً معركة المشروع النووي مع المعسكر الغربي، وتستدرج عروضاً في هذا المجال للوصول إلى اتفاق معها بما يناسب مصالحها.يبقى مهماً رصد سلوك «حزب الله» المنخرط بقوة في الحرب الأهلية السورية تحت حجة غطاء طائفي للدفاع عن الشيعة في سوريا، ورصد النتائج السلبية لهذا التدخل. يتحدث «حزب الله» عن ثقة مطلقة بالنصر، ولن يكون بعيداً استحضار الديماغوجيا التي رافقت حرب العام 2006. خلافاً لخطاب النصر الإلهي آنذاك، فإن الحزب قد مني بهزيمة فعلية تجلت في إبعاد قواته عن الحدود مع إسرائيل، وإدخاله في وحول الحرب الأهلية اللبنانية. بعد 2006، تحول الحزب إلى ميليشيا أهلية موظف سلاحها في الداخل اللبناني، بحيث فقد هذا السلاح ومعه الحزب الكثير من القيم الوطنية التي راكمها في محاربة إسرائيل. يبدو انخراط الحزب اليوم في القتال ضد الشعب السوري استكمالاً لتلك الهزيمة، بل إن المهمات القذرة التي دخل بها ستنزع عنه ذلك التاريخ المجيد الذي خاض الحزب فيه قتاله ضد إسرائيل وأجبرها على الانسحاب من الجنوب اللبناني. سيدفع الوضع اللبناني بكل مقوماته المجتمعية أضراراً بالغة من هذا الانخراط، ولن تنجو الطائفة الشيعية بمجملها من هذا الضرر الكبير.سيظل الشعب السوري معلقاً على الجلجلة إلى أمد غير معروف، ولا يبدو أن الأمل بالخلاص متوافر له في ظل المعطيات العربية والإقليمية والدولية الراهنة. نقلاً عن صحيفة «الحياة» اللندنية