حسمت جائزة البوكر للرواية العربية لصالح الأديب الكويتي الشاب سعود السنعوسي عن رواية «ساق البامبو»، وقد عللت لجنة التحكيم فوز الرواية بالجائزة تقديراً للموضوع الواقعي الذي ناقشته الرواية واعترافاً بأهمية القضية التي تناولتها وحيويتها. وهذه إحدى مؤشرات عودة تيار الواقعية وعودة أدب القضايا بعد 30 عاماً من الحرب الضروس التي خاضتها التيارات الحداثية ضده، فالرواية لا تقوم على تعقد التقنية وإبهار الأدوات الفنية والاستعانة بالمفارقات الزمانية، بل الرواية تقوم على بنية بسيطة توهم بواقعيتها حين يوهمنا البطل أنه يكتب سيرته الذاتية وأن النسخة التي بين أيدينا هي الترجمة العربية للسيرة.
وأحداث الرواية تدور حول «عيسى» شاب من أب كويتي وأم فلبينية قضى طفولته ومراهقته في الفلبين بعد أن اضطر الأب لترحيل زوجته الفلبينية نزولاً عند رغبة أمه وانصياعاً للضغط الاجتماعي الذي يرفض زواج رجل من عائلة كبيرة بخادمة فلبينية، ثم يعود عيسى للكويت كي يفاجأ بحجم الرفض الاجتماعي الذي يواجهه فترة إقامته القصيرة في الكويت، ليعيش بذلك أزمة الهوية في كلا البلدين فهو (العربو) في الفلبين، وهو (الفلبيني) في الكويت، لذلك شبه نفسه بسيقان البامبو التي لا تنتمي إلى تربة خاصة بها ولكنها قادرة على أن تضرب جذورها في أي بقعة حتى لو كانت كوب ماء. وتكشف أحداث الرواية عن ثقافة (فلبينية) خاصة تمتع بها الأديب سواء على مستوى التاريخ الفلبيني الحديث، أو على مستوى المعلومات الجغرافية والسياحية والاجتماعية، وقد أشار سعود السنعوسي في أحد لقاءاته التلفزيونية أنه اضطر للعيش في الفلبين ليكتسب هذا الكم المذهل من المعرفة بالواقع الفلبيني.
القضية الخطيرة التي ناقشها السنعوسي، بمستويات مختلفة، هي قضية الهوية الخليجية، وزاوية النظر الأدبية التي انطلق منها هي امتزاج النسب العربي بالنسب الآسيوي في شخصية البطل. وقد لجأ الكاتب إلى تعقيد موقع البطل في الرواية كي يفضي البناء الدرامي عن تساؤلات وجيهة يتورط بها المتلقي، إذ جعل من البطل الرجل الأخير في سلسلة رجال الأسرة المرموقة حيث سيحمل اسم العائلة بعد أن توفي والده في أحداث الغزو العراقي للكويت، ويتصاعد التعقيد الدرامي حين يعود البطل إلى الفلبين ويتزوج قريبتهص الفلبينية وينجب طفلاً بملامح عربية!!
وزاوية النظر الأدبية هذه تصلح للتوسع بها في مناقشة تغلغل عدد كبير من الجاليات الآسيوية في المجتمع الخليجي، ومكوثهم لعشرات السنوات في المنطقة مما يؤهلهم حسب المواثيق الدولية للحصول على حق الجنسية والتمتع بحقوق مدنية وسياسية تماثل حقوق المواطنين الأصليين، وهو ما اضطر بعض دول الخليج للرضوخ للضغوط الدولية ورفع شرط الكفيل عن الوافدين ومنهم الآسيويين، والقضية لا تتوقف عند حقوق المواطنة للآسيويين فقط، بل تتعلق كذلك بتهديد الهوية العروبية والإسلامية للخليج، فهؤلاء الآسيويون يأتون محملين بثقافتهم الاجتماعية والدينية واللغوية وقد أبدع السنعوسي في عرض تلك الثقافة وكيف تنتجها ظروف المجتمع الفقير المتفسخ. وإذا عدنا إلى مبادئ حقوق الإنسان والمواثيق الدولية التي صارت سيفاً مسلطاً على رقابنا فإن من حق تلك الجاليات ممارسة ثقافتها والتمتع بالحرية الكاملة في السلوك الاجتماعي المرتبط بمرجعياتها الثقافية، خصوصاً وأنها تشكل ضغطاً عددياً لا يستهان به.
وتبدو سياسات دول الخليج بعيدة جداً عن إدراك عواقب الإفراط في الاعتماد على الجاليات الآسيوية، وما تقوم به بعض الدول الخليج من إحلال العمالة الوطنية محل الأجنبية لن يستوعب كافة مجالات العمل فيها، خصوصاً الأعمال الحرفية، وليس ثمة تباشير تنبئ بتبني سياسة إحلال العمالة العربية، التي لا تتنافى في ثقافتها مع الأعراف والثقافة الخليجية، محل الأجنبية في الوظائف التي لا تنتهك خصوصيات الأسر الخليجية كالخدم والطباخين وسائقي السيارات، لذلك تعتبر رواية «ساق البامبو»، إضافة نوعية في مسار نقاشنا حول الواقع الخليجي وآفاق تأزمه وتطوره، فقد عرضت الرواية قضايا خطيرة لها أبعاد مستقبلية مختلفة عرضاً أدبياً مؤثراً رغم ما انتابه من خطابية في بعض المواقع.
تحية للكاتب سعود السنعوسي الذي ينفتح عالم روايته المحدود على عوالم أكثر اتساعاً وتعقيداً، وتحية لكل كاتب مؤرق بهموم مجتمعه وقضايا أمته، ومبارك للسنعوسي والكويت جائزة البوكر العربية للرواية.
وأحداث الرواية تدور حول «عيسى» شاب من أب كويتي وأم فلبينية قضى طفولته ومراهقته في الفلبين بعد أن اضطر الأب لترحيل زوجته الفلبينية نزولاً عند رغبة أمه وانصياعاً للضغط الاجتماعي الذي يرفض زواج رجل من عائلة كبيرة بخادمة فلبينية، ثم يعود عيسى للكويت كي يفاجأ بحجم الرفض الاجتماعي الذي يواجهه فترة إقامته القصيرة في الكويت، ليعيش بذلك أزمة الهوية في كلا البلدين فهو (العربو) في الفلبين، وهو (الفلبيني) في الكويت، لذلك شبه نفسه بسيقان البامبو التي لا تنتمي إلى تربة خاصة بها ولكنها قادرة على أن تضرب جذورها في أي بقعة حتى لو كانت كوب ماء. وتكشف أحداث الرواية عن ثقافة (فلبينية) خاصة تمتع بها الأديب سواء على مستوى التاريخ الفلبيني الحديث، أو على مستوى المعلومات الجغرافية والسياحية والاجتماعية، وقد أشار سعود السنعوسي في أحد لقاءاته التلفزيونية أنه اضطر للعيش في الفلبين ليكتسب هذا الكم المذهل من المعرفة بالواقع الفلبيني.
القضية الخطيرة التي ناقشها السنعوسي، بمستويات مختلفة، هي قضية الهوية الخليجية، وزاوية النظر الأدبية التي انطلق منها هي امتزاج النسب العربي بالنسب الآسيوي في شخصية البطل. وقد لجأ الكاتب إلى تعقيد موقع البطل في الرواية كي يفضي البناء الدرامي عن تساؤلات وجيهة يتورط بها المتلقي، إذ جعل من البطل الرجل الأخير في سلسلة رجال الأسرة المرموقة حيث سيحمل اسم العائلة بعد أن توفي والده في أحداث الغزو العراقي للكويت، ويتصاعد التعقيد الدرامي حين يعود البطل إلى الفلبين ويتزوج قريبتهص الفلبينية وينجب طفلاً بملامح عربية!!
وزاوية النظر الأدبية هذه تصلح للتوسع بها في مناقشة تغلغل عدد كبير من الجاليات الآسيوية في المجتمع الخليجي، ومكوثهم لعشرات السنوات في المنطقة مما يؤهلهم حسب المواثيق الدولية للحصول على حق الجنسية والتمتع بحقوق مدنية وسياسية تماثل حقوق المواطنين الأصليين، وهو ما اضطر بعض دول الخليج للرضوخ للضغوط الدولية ورفع شرط الكفيل عن الوافدين ومنهم الآسيويين، والقضية لا تتوقف عند حقوق المواطنة للآسيويين فقط، بل تتعلق كذلك بتهديد الهوية العروبية والإسلامية للخليج، فهؤلاء الآسيويون يأتون محملين بثقافتهم الاجتماعية والدينية واللغوية وقد أبدع السنعوسي في عرض تلك الثقافة وكيف تنتجها ظروف المجتمع الفقير المتفسخ. وإذا عدنا إلى مبادئ حقوق الإنسان والمواثيق الدولية التي صارت سيفاً مسلطاً على رقابنا فإن من حق تلك الجاليات ممارسة ثقافتها والتمتع بالحرية الكاملة في السلوك الاجتماعي المرتبط بمرجعياتها الثقافية، خصوصاً وأنها تشكل ضغطاً عددياً لا يستهان به.
وتبدو سياسات دول الخليج بعيدة جداً عن إدراك عواقب الإفراط في الاعتماد على الجاليات الآسيوية، وما تقوم به بعض الدول الخليج من إحلال العمالة الوطنية محل الأجنبية لن يستوعب كافة مجالات العمل فيها، خصوصاً الأعمال الحرفية، وليس ثمة تباشير تنبئ بتبني سياسة إحلال العمالة العربية، التي لا تتنافى في ثقافتها مع الأعراف والثقافة الخليجية، محل الأجنبية في الوظائف التي لا تنتهك خصوصيات الأسر الخليجية كالخدم والطباخين وسائقي السيارات، لذلك تعتبر رواية «ساق البامبو»، إضافة نوعية في مسار نقاشنا حول الواقع الخليجي وآفاق تأزمه وتطوره، فقد عرضت الرواية قضايا خطيرة لها أبعاد مستقبلية مختلفة عرضاً أدبياً مؤثراً رغم ما انتابه من خطابية في بعض المواقع.
تحية للكاتب سعود السنعوسي الذي ينفتح عالم روايته المحدود على عوالم أكثر اتساعاً وتعقيداً، وتحية لكل كاتب مؤرق بهموم مجتمعه وقضايا أمته، ومبارك للسنعوسي والكويت جائزة البوكر العربية للرواية.