أكثر معلومة مهمة يجب أن تصل إلى الدولة، ونؤكد عليها، وتطرقنا لها ذات مرة، هي أن المواطن لم يعد يتقبل أن يشاهد كل هذه الملايين تدفع هنا وهناك لشركات «وطنية»، ولم يعد يحتمل أيضاً أخبار الفساد التي أصبحت موثقة رسمياً من الدولة، ومن ثم يقال له لا يوجد «جمن» مليون لزيادة الرواتب.
لكن أكثر ما يثير الأسى ويجعلنا نضحك «كمدا» حين قالت الدولة إنها ستزيد المتقاعدين 75 ديناراً، وحين قيل لهم إن المطلوب 150 ديناراً وليس 75، قالوا نعم قبل عامين قدمنا زيادة للمتقاعدين بـ75 ديناراً، وهذه المرة سنقدم 75، مما يعني 150 ديناراً..!!
بالله عليكم أي دولة تفعل ذلك؟.. تقول للناس زدناكم قبل عامين بهذا المبلغ وسنزيدكم اليوم بهذا المبلغ.. إذاً المجموع هو ما تطلبونه..!!
يوم أمس نشرت إحدى الصحف المحلية خبراً يحمل شبهة فساد كبيرة في وزارة خدمية تتضمن الاستيلاء على عوائد مجمع تجاري، وإن صح الخبر فإن هذا أحد الأمثلة على الفساد الحاصل، والذي يشاهده المواطن ويقرأ عنه، ويرى ملايين تتطاير حوله، ولكن ليس له فيها شيء.
«مزاوجة الفساد ودعم شركات بالملايين» تجعل المواطن يقول، لماذا تطلبون مني أن أصبر على غلاء المعيشة، وألا تأتينا زيادة محترمة، بينما توجد ملايين تذهب هنا وهناك.
هذه المعادلة هي القاسية على المواطن، الناس في البحرين صبرت لسنوات عجاف كثيرة، ولكن اليوم نشعر أن الكيل طفح بهم.
ما نشر أمس أيضاً حول جلوس كتل نيابية مع الحكومة في جلسات خفية سرية من شأنها أن توجد صفقة تحت قبة البرلمان غداً «الثلاثاء» لتمرير الميزانية، خبر صادم للناس، وليس مستبعداً على بعض النواب، بل من الواضح أن هناك «صفقة» كما هي العادة، فلدينا تجربة مريرة معهم، النواب اليوم ليس لهم هم إلا تقاعدهم الشخصي، أما الناس ورواتبهم ومعيشتهم، فلا نجدها إلا مكاناً للتهويش، والكلام الذي لا يأتي بمكاسب على أرض الواقع.
يوم أمس أيضاً نشر تصريح للنائب الساعاتي قال فيه: إن آخر جلسة لمجلس الوزراء ترأسها جلالة الملك طالب فيها جلالته بتحسين الوضع المعيشي للمواطن، وتساءل الساعاتي في تصريحه؛ «هل هذه الموازنة تلبي تحسين الوضع المعيشي للمواطنين»؟
كل ما نراه اليوم ونسمعه حول الميزانية ربما لا يصيب كبد الحقيقة، ألا وهو كم برميل نفط ننتج في كل الآبار البحرينية؟
كم يبلغ سعر النفط البحريني؟
كم هو السعر المقدر في ميزانية الدولة لبرميل النفط؟
كم هو الفائض في الموازنات السابقة جراء أن الدولة والنواب قدروا سعر بريميل النفط بمبلغ معين، بينما هناك فارق في كل برميل يقدر بين 20-30 دولاراً، إن لم يكن أكثر؟
كم هو مجموع كل الرسوم التي تفرضها الدولة على كل الخدمات والمعاملات على المواطن والأجنبي، وعلى الشركات، كل الضرائب كم تقدر بالتفاصيل والأرقام؟
وهذا السؤال لم يجب عليه وزير المالية حين وجهه إليه النائب بوقيس، وهو سؤال خطير ويكشف أوراقاً لا تريد الدولة أن تكشف للعامة، لذلك لم يجب الوزير على السؤال إلا بجداول ليس فيها موضوع السؤال.
وهذا أيضاً استخفاف بالمجلس.
السؤال الآخر هو، هل تم إدراج مشروعات ضمن مشروع الدعم الخليجي، بينما تم رصد مبالغ لها قبل ذلك من الموازنة؟
السؤال الآخر، إذا كان هناك دعم خليجي للمشروعات الكبيرة، فهذا يعني أن الدعم وفر هذه المبالغ على الدولة، فأين ذهب هذا الوفر؟
كلها أسئلة خطيرة ومؤلمة لنا جميعاً، فهناك معلومات «أكاد أجزم» أنها خطيرة تماماً لكن هذه المعلومات لم يتوصل إليها النواب، أو أن بعضهم يعرفها بحكم التجربة والخبرة، لكنه لا يتكلم.
كل المسؤولية على ضعف موارد الدولة هي في رقبة الدولة، فلم نعمل على زيادة الموارد من الصناعة مثلاً، أو مازالت نسبة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي دون المستوى بكثير، ولم نعمل على جعل السياحة صناعة بإمكانها أن تدر مدخولاً ممتازاً على الدولة، كما تفعل الإمارات، أو تايلند، أو تركيا، أو المغرب، لذلك كل ما نحن فيه هو بسبب عدم وجود استراتيجيات وتخطيط ونظام عمل صارم وقوي، وعدم وجود محاسبة حقيقية للمسؤولين الذين يرتكبون أخطاء مكلفة.
فمن الأمور التي تصيب الناس بارتفاع الضغط أن يخرج كل عام تقرير للرقابة المالية أضخم من السابق، ولا أحد يحال إلى النيابة العامة، والنواب لا يعرفون كيف يستثمرون هذه الوثيقة لمحاسبة الوزراء، لذلك، سنبقى ندور في ذات الدائرة، كل طرف يلقي اللوم على الجهة الأخرى، وهكذا نضيع في الرجلين.
سؤال آخر لوزير المالية وللحكومة؛ لو أن الوفاق ممثلة في مجلس النواب، هل ستتعاملون بهذا الاستخفاف مع المجلس كما تفعلون اليوم؟
هل سترفض الدولة الزيادة إذا طالبت بها الوفاق وغيرها من الكتل؟
أعتقد أن الإجابة لا، وإذا ما وافقت الوفاق على تمرير الميزانية مثلاً دون زيادة فإن هناك صفقة ضخمة بالمقابل تقدمها الدولة للوفاق، وأحسب أن جزءاً من ذلك يحدث اليوم مع البعض...!
رذاذ
قيل إن مسؤولاً سابقاً عن قطاع النفط، قيل له إن الدولة تدفع مبلغاً ضخماً كدعم للنفط والغاز، فأجاب: لا تفضحوني.. إحنا ما نستلم إلا نصف المبلغ..!!
** وزير المالية هو أيضاً وزير النفط ورئيس الهيئة، بمعنى أن وزير المالية يدفع مبلغ الدعم إلى نفسه في وزارة أخرى هي النفط.. «شفتوا أشكثر حلوة دولتنا»..!!