جهتان تهاونتا في حفظ الحقوق المدنية للأفراد والجماعات غير المشاركة في وسائل التعبير.
فهناك مدنيون كثر لا يشاركون في وسائل التعبير ولهؤلاء حقوق مدنية أيضاً، طغت القوى السياسية وتغولت في إهدارها، والدولة خضوعاً للضغوط الدولية، والقوى السياسية معها تجاهلت حقوق الآخرين المدنية.
وبالرغم من أن العهود الدولية وكل الدساتير الديمقراطية حفظت حق الجماعات والأفراد الذين لا يشاركون في المسيرات ولا يعملون في الصحافة، حتى لا يضاروا ويساء إليهم حين يتمتع الآخرون بحقهم المدني في التعبير، إلا أن القانون البحريني تهاون في حفظ تلك الحقوق وأهدرها فأصبح لهذا الخلل القانوني ضحايا.
ولمن يتصور أن إقرار قانون يفرض إيداع مبلغ مالي كضمان لحفظ حق الجماعات والأفراد الذين لا يشاركون في المسيرات والتجمعات بدعة بحرينية فليسأل السفير الأمريكي عن المبلغ المالي الذي تفرضه العديد من الولايات الأمريكية على منظمي المسيرات هناك.
أذكر أن فوزي جوليد مدير معهد «الان دي اي» قال لي ذات يوم إن الضوابط التي تضعها الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة أو اليابان على المسيرات والتجمعات كثيرة جداً وما يقف خلف تلك الضوابط ليس تقييداً أو منعاً لحق التظاهر أو حق التعبير، بل هو حفظ للحقوق المدنية العامة والحقوق المدنية لمن لا يشارك في تلك المسيرات، فلهؤلاء حقوق كذلك.
هناك مستخدمو الطرقات، هناك أصحاب المحلات، هناك سكان المنطقة، لكل هؤلاء حقوق مدنية لا يجوز أن يتعدى عليها أو إتلافها ومن ثم التملص من مسؤولية تعويضها، فمثلما هناك حق مدني للمتظاهر هناك حق مدني لمن ستمرّ المظاهرة بقرب مصلحته سكناً كان أم محلاً تجارياً أو شارعاً عاماً يستخدمه أو حديقة عامة يتمتع بها، ومثلما هناك حق للراغب في التعبير كتابة، هناك حق مدني للأشخاص الذين يتعرض لهم هذا المعبر، ولابد أن يحفظ القانون الحقوق المدنية للطرفين.
وفي العديد من الولايات المتحدة الأمريكية يفرض القانون توفير ضمانات مالية لمنظمي المسيرات وهي مبالغ تتماشى مع حجم المسيرة المتوقعة ومع أماكن اختيارها، ويفرض القانون التوقيت للمسيرة والموافقة على خط مسارها من عدة جهات.
والقانون في تلك الولايات الأمريكية يفرض على منظمي المسيرات التعهد بتوفير كل مقومات النظافة من حمامات متنقلة وأكياس قمامة وغيرها.
في نيويورك مثلاً يحظر السير في أماكن سير السيارات بل يفرض على منظمي المسيرات السير على مسار المشاة.
في اليابان تمت مراعاة الحقوق المدنية للآخرين بشكل راقٍ جداً، فيحدد عدد الصيحات ودرجة رفع السماعات منعاً للتلوث البيئي الضار بغير المعبرين والمعبرين معاً!!
ليس قانون التجمعات فقط ما يسعى للحفاظ على حق الآخرين في الدول الديمقراطية، بل حتى قانون التعبير والصحافة كذلك، ففي بريطانيا على سبيل المثال أُقر في مارس من هذا العام أي قبل عدة أيام، قانون ينصف ضحايا الصحافة والإعلام وتم تغريم صحف كثيرة مبالغ تهدد بإفلاسها. ويأتي هذا القانون على خلفية تحقيق القاضي ليفرسون البريطاني الذي تناول فيه أخلاقيات مهنة الصحافة بعد فضيحة التنصت على الهاتف التي تورطت فيها صحيفة «نيوز أوف ذا وولد» التابعة لروبرت موردوخ وأدت إلى غلقها بعد أن مست مئات الضحايا وكلفت ولاتزال تكلف المؤسسة ملايين الدولارات.
زبدة القول إن هناك مدنيين «آخرين» غير الراغبين في التعبير بالتجمع أو بالمسيرة في الشارع أو من خلال الكتابة، أصبحوا ضحايا للمعبرين الذين أساؤوا استغلال حقوقهم المدنية، وهؤلاء الضحايا نظموا أنفسهم لا في البحرين فحسب بل في كل دول العالم بما في ذلك أمريكا وبريطانيا وغيرها من دول العالم، وبدؤوا يشنون هجوماً مضاداً حفاظاً على حقوقهم المهدورة.
فليس الأمن القومي هو الذي تعرض للتهديد نتيجة سوء استغلال الحقوق المدنية بل حتى حقوق الآخرين تعرضت للهدر نتيجة سوء الاستغلال.
والبحرين اليوم حين تعدل قانون التجمعات والمسيرات تحفظ الحق المدني للراغبين في التعبير عن أنفسهم، مثلما تحفظ في ذات الوقت حق الآخرين غير المشاركين في هذا التعبير.
مملكة البحرين بحاجة لوضع خطة تأخذ مسارين لدفع القوى السياسية والأفراد على تحمل مسؤولية التزاماتها تجاه الدولة وتجاه المجتمع، فلا حقوق بلا التزامات، ومن لا يتحمل مسؤولية الالتزامات باحترام حقوق الآخرين يحرم من حقوقه، هذه قاعدة معروفة.
المسار الأول هو التوعية بتلك الالتزامات بعقد مقارنات مع قوانين الدول الديمقراطية والقوانين البحرينية وهذه التوعية تحتاجها القوى السياسية مثلما يحتاجها الأفراد. فالجهل مستشرٍ عندها، أما المسار الثاني فهو تشديد العقوبات على من يخل بتلك الالتزامات ويضر بالحقوق المدنية للآخرين.