تتسارع الأحداث في قلب القدس الشرقية المحتلة باتجاه تطويق المسجد الأقصى وانتزاع مكانته الدينية لدى المسلمين بوضعه تحت سيطرة مباشرة للاحتلال والدفع نحو تهويد المسجد بمنح يهود فرصة استباحته وتقنين هذه الاستباحة بتقسيم المسجد وتحديد أيام لدخول المسلمين إليه وأيام أخرى لدخول اليهود، تحت زعم أن البناء الأموي مقام على أنقاض هيكل سليمان.
يعرف الاحتلال المكانة الروحية للمسجد الأقصى لدى المسلمين باعتباره ثاني القبلتين بعد الحرم المكي الشريف، وتجنح به هذه المعرفة إلى توجيه أقصى درجات الاستفزاز التي اتخذت منحى تصاعدياً ثابتاً ومتدرجاً، بهدف فك الارتباط الروحي والوطني بين الفلسطينيين ومعهم أكثر من مليار مسلم في القارات الست، وبين هذا المركز الروحي الذي يعتبر روح بيت المقدس وجوهرتها، بما يمكن العدو من تهويد هذا الصرح على غرار ما فعل في الحرم الإبراهيمي، فتغدو القدس تبعاً لهذه المخططات يهودية خالصة مع أماكن عبادة متفرقة للمسيحيين والمسلمين فيها. هذا المخطط اللئيم والماضي قدماً يضفي على الصراع القومي والسياسي والقانوني طابعاً دينياً صارخاً، وفي حسبان الاحتلال وتقديره أن الظرف الحالي مناسب للمضي في هذا المخطط باستثمار أجواء فوبيا الإسلام في الغرب، واستغلال الحديث هنا وهناك عن موجات أصولية وسلفية وعن صراعات طائفية بين المسلمين أنفسهم، فيغدو الاعتراض الإسلامي على المخططات الصهيونية ضد القدس والأقصى وكأنه ضرب من ضروب التزمت الديني الذي يضرب أطنابه في المنطقة، بينما ترفل الدولة العبرية في ثوب التعددية الدينية والتسامح بين الأديان.
من الواضح أن التصعيد الصهيوني الذي تجاوز كل خط أحمر، يمثل تحدياً للأردن التي تقوم بدور الوصاية على الأماكن الإسلامية المقدسة منذ وقوع الاحتلال عام 1967، وقد تم تجديد هذه الوصاية في اتفاق جرى توقيعه في عمان نهاية مارس/ آذار الماضي بين السلطة الوطنية والحكومة الأردنية. ويرى الأردن أن حماية الأماكن الإسلامية في القدس مناطة به منذ عام 1924 في عهد الشريف الحسين بن علي، وقد واظب الأردن على دفع رواتب موظفي الأقصى واحتسابهم تابعين لوزارة الأوقاف الأردنية. وقد تم إيداع الاتفاق لدى الجامعة العربية.
على أن التصعيد الصهيوني المتمادي باستهداف الأماكن المقدسة من شأنه -إن لم ينشط الأردن ويبادر لتحرك موصول- أن يجعل اتفاق الحماية حبراً على ورق. ليس بوسع الأردن بطبيعة الحال التصدي منفرداً لهذا التغول، غير أنه يملك ورقة شديدة الأهمية، هي علاقته الدبلوماسية مع تل أبيب. وهو ما تنبه له نواب أردنيون طالبوا بطرد السفير الصهيوني وذهب بعضهم إلى المطالبة بإلغاء اتفاقية وادي عربة الموقعة عام 1996.
نعم تجديد اتفاق الحماية والوصاية يرتب مسؤوليات على الأردن، تضاف إلى مسؤوليته السابقة كون الضفة الغربية وفي القلب منها القدس قد وقعت بأيدي الاحتلال، في ظل وحدة الضفتين اللتين كانت تتشكل منهما المملكة الأردنية الهاشمية. دعوة الأردن الجامعة العربية لعقد اجتماع طارىء لمواجهة التحدي يتعين أن تكون مجرد خطوة أولى، فالاحتلال لن يعبأ بأية بيانات تصدر عن الجامعة أو عن منظمة المؤتمر الإسلامي، أو أية هيئة أخرى، فقد تحدى من قبل قراراً لمحكمة العدل الدولية بوقف بناء جدار الضم والتوسع، وواصل البناء. ما يعني الاحتلال ببساطة هو استمرار علاقاته الدبلوماسية مع القاهرة وعمّان. واستمرار العلاقات على حالها حتى لو طرأ عليها فتور وبرود، يعني أن هذه العلاقات لا تتأثر بأي شيء بما في ذلك تهويد الأقصى، والسيطرة على الأماكن الإسلامية.
والمسؤولية مناطة أيضاً بالسلطة الفلسطينية إذ إن الاتفاق مع الأردن لا يعفي الجانب الفلسطيني من النهوض بمسؤوليته، (الاتفاق ينص على أن الأرض التي تقع عليها الأماكن الإسلامية المقدسة هي جزء من السيادة الفلسطينية)، والمسألة قبل هذا وبعده تتعلق بالقدس الشرقية بكل مشمولاتها بما يشمل ويتعدى الأماكن الدينية، إسلامية ومسيحية، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الضفة الغربية المحتلة، والانشغال بهذه القضية الوطنية هو أدعى للاهتمام من جواز السفر الذي منحه إسماعيل هنية للشيخ يوسف القرضاوي في غزة.
من الواضح أن الاحتلال يستغل إلى الحد الأقصى الظروف الإقليمية ممثلة بالأزمة السورية وانعكاساتها على لبنان والأردن، ثم تصدرها للأجندات الدولية، كي يمعن في تغيير معالم الأرض المحتلة، فيما تركن السلطة الفلسطينية إلى رفض استئناف التفاوض وكأن هذا الإجراء «السلبي» يكفي وحده ومن تلقائه لوقف التغول الصهيوني، وشحن الرازحين تحت الاحتلال بالأمل. إن الأمر يتطلب بكلمات استعادة منطق الصراع، منطق التحرر الوطني، بدلاً من الانهماك الكلي بشؤون الكيان الإداري القائم، المهدد على الدوام بالسيطرة الصهيونية على الحدود والاقتصاد والمياه والزحف الاستيطاني.
في أعقاب توقيع تجديد اتفاقية الوصاية والحماية سرت في الصحافة الأردنية أحاديث حول خلفية سياسية للاتفاق، منها على الخصوص خطة للتسوية يضعها بعيداً عن الأضواء وزير الخارجية الأمريكية كيري، ولا يعدو الأمر أن يكون إدماناً على الأوهام، فالعدو الصهيوني لن يتراجع لمصلحة أحد، لا الأردن ولا سواه، فحتى اتفاقية أوسلو ضرب بها عرض الحائط، ولسان حاله: نحن هنا في القدس، والأردنيون في عمّان، والتراجعات لن تتم إلا لمصلحة المستوطنين والتيارات الدينية الأشد تطرفاً.
عن «الخليج» الإماراتية
يعرف الاحتلال المكانة الروحية للمسجد الأقصى لدى المسلمين باعتباره ثاني القبلتين بعد الحرم المكي الشريف، وتجنح به هذه المعرفة إلى توجيه أقصى درجات الاستفزاز التي اتخذت منحى تصاعدياً ثابتاً ومتدرجاً، بهدف فك الارتباط الروحي والوطني بين الفلسطينيين ومعهم أكثر من مليار مسلم في القارات الست، وبين هذا المركز الروحي الذي يعتبر روح بيت المقدس وجوهرتها، بما يمكن العدو من تهويد هذا الصرح على غرار ما فعل في الحرم الإبراهيمي، فتغدو القدس تبعاً لهذه المخططات يهودية خالصة مع أماكن عبادة متفرقة للمسيحيين والمسلمين فيها. هذا المخطط اللئيم والماضي قدماً يضفي على الصراع القومي والسياسي والقانوني طابعاً دينياً صارخاً، وفي حسبان الاحتلال وتقديره أن الظرف الحالي مناسب للمضي في هذا المخطط باستثمار أجواء فوبيا الإسلام في الغرب، واستغلال الحديث هنا وهناك عن موجات أصولية وسلفية وعن صراعات طائفية بين المسلمين أنفسهم، فيغدو الاعتراض الإسلامي على المخططات الصهيونية ضد القدس والأقصى وكأنه ضرب من ضروب التزمت الديني الذي يضرب أطنابه في المنطقة، بينما ترفل الدولة العبرية في ثوب التعددية الدينية والتسامح بين الأديان.
من الواضح أن التصعيد الصهيوني الذي تجاوز كل خط أحمر، يمثل تحدياً للأردن التي تقوم بدور الوصاية على الأماكن الإسلامية المقدسة منذ وقوع الاحتلال عام 1967، وقد تم تجديد هذه الوصاية في اتفاق جرى توقيعه في عمان نهاية مارس/ آذار الماضي بين السلطة الوطنية والحكومة الأردنية. ويرى الأردن أن حماية الأماكن الإسلامية في القدس مناطة به منذ عام 1924 في عهد الشريف الحسين بن علي، وقد واظب الأردن على دفع رواتب موظفي الأقصى واحتسابهم تابعين لوزارة الأوقاف الأردنية. وقد تم إيداع الاتفاق لدى الجامعة العربية.
على أن التصعيد الصهيوني المتمادي باستهداف الأماكن المقدسة من شأنه -إن لم ينشط الأردن ويبادر لتحرك موصول- أن يجعل اتفاق الحماية حبراً على ورق. ليس بوسع الأردن بطبيعة الحال التصدي منفرداً لهذا التغول، غير أنه يملك ورقة شديدة الأهمية، هي علاقته الدبلوماسية مع تل أبيب. وهو ما تنبه له نواب أردنيون طالبوا بطرد السفير الصهيوني وذهب بعضهم إلى المطالبة بإلغاء اتفاقية وادي عربة الموقعة عام 1996.
نعم تجديد اتفاق الحماية والوصاية يرتب مسؤوليات على الأردن، تضاف إلى مسؤوليته السابقة كون الضفة الغربية وفي القلب منها القدس قد وقعت بأيدي الاحتلال، في ظل وحدة الضفتين اللتين كانت تتشكل منهما المملكة الأردنية الهاشمية. دعوة الأردن الجامعة العربية لعقد اجتماع طارىء لمواجهة التحدي يتعين أن تكون مجرد خطوة أولى، فالاحتلال لن يعبأ بأية بيانات تصدر عن الجامعة أو عن منظمة المؤتمر الإسلامي، أو أية هيئة أخرى، فقد تحدى من قبل قراراً لمحكمة العدل الدولية بوقف بناء جدار الضم والتوسع، وواصل البناء. ما يعني الاحتلال ببساطة هو استمرار علاقاته الدبلوماسية مع القاهرة وعمّان. واستمرار العلاقات على حالها حتى لو طرأ عليها فتور وبرود، يعني أن هذه العلاقات لا تتأثر بأي شيء بما في ذلك تهويد الأقصى، والسيطرة على الأماكن الإسلامية.
والمسؤولية مناطة أيضاً بالسلطة الفلسطينية إذ إن الاتفاق مع الأردن لا يعفي الجانب الفلسطيني من النهوض بمسؤوليته، (الاتفاق ينص على أن الأرض التي تقع عليها الأماكن الإسلامية المقدسة هي جزء من السيادة الفلسطينية)، والمسألة قبل هذا وبعده تتعلق بالقدس الشرقية بكل مشمولاتها بما يشمل ويتعدى الأماكن الدينية، إسلامية ومسيحية، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الضفة الغربية المحتلة، والانشغال بهذه القضية الوطنية هو أدعى للاهتمام من جواز السفر الذي منحه إسماعيل هنية للشيخ يوسف القرضاوي في غزة.
من الواضح أن الاحتلال يستغل إلى الحد الأقصى الظروف الإقليمية ممثلة بالأزمة السورية وانعكاساتها على لبنان والأردن، ثم تصدرها للأجندات الدولية، كي يمعن في تغيير معالم الأرض المحتلة، فيما تركن السلطة الفلسطينية إلى رفض استئناف التفاوض وكأن هذا الإجراء «السلبي» يكفي وحده ومن تلقائه لوقف التغول الصهيوني، وشحن الرازحين تحت الاحتلال بالأمل. إن الأمر يتطلب بكلمات استعادة منطق الصراع، منطق التحرر الوطني، بدلاً من الانهماك الكلي بشؤون الكيان الإداري القائم، المهدد على الدوام بالسيطرة الصهيونية على الحدود والاقتصاد والمياه والزحف الاستيطاني.
في أعقاب توقيع تجديد اتفاقية الوصاية والحماية سرت في الصحافة الأردنية أحاديث حول خلفية سياسية للاتفاق، منها على الخصوص خطة للتسوية يضعها بعيداً عن الأضواء وزير الخارجية الأمريكية كيري، ولا يعدو الأمر أن يكون إدماناً على الأوهام، فالعدو الصهيوني لن يتراجع لمصلحة أحد، لا الأردن ولا سواه، فحتى اتفاقية أوسلو ضرب بها عرض الحائط، ولسان حاله: نحن هنا في القدس، والأردنيون في عمّان، والتراجعات لن تتم إلا لمصلحة المستوطنين والتيارات الدينية الأشد تطرفاً.
عن «الخليج» الإماراتية