غنت فيروز يا قدس، «يا قدس يا مدينة السلام، عيوننا إليك ترحل كل يوم، تدور في أروقة المعابد، تعانق الكنائس القديمة، وتمسح الحزن عن المساجد»، وفي مكان آخر تصرخ مستنكرة «الغضب الساطع آت، وأنا كلي إيمان، الغضب الساطع آت، سأمر على الأحزان»، وبعدها تخبرنا كيف «مرت في شوارع القدس العتيقة، قدام الدكانين إلى ما بقيت من فلسطين»، فمنذ حداثة عمري وأنا أسمع السيدة فيروز، سيدة الغناء العربي الأصيل، وكنت لا أفهم ما هو السبب وراء اللحن الحزين تارة، والكلمات الثائرة الغاضبة تارة أخرى، وفي الوقت نفسه أسمع نشرات الأخبار التي لم أستطع أن أفهم منها أي شيء في ذلك الزمان، ولكن مع كثرة تكرار بعض المفردات والتعابير وحوارات أهلي والجيران، علق بذهني الجزء القليل منها مثل «الاحتلال الصهيوني»، و»العدوان الغاشم»، و»المجازر الإنسانية»، و»الجرائم المرتكبة»، و»هذا ظلم، حرام» ومع الوقت كبرت وسمعت أيضاً، ولكني في هذه المرة فهمت، وحزنت، وعرفت، واستوعبت، لماذا كل هذه الأحزان التي تخيم على المنطقة هناك.ولكن ما كان ليخطر على بالي خاطرة، بأن ما صار وما يصير في القدس، سوف أسمعه عن بلد، كنت أراه البلد المسالم الوحيد في المنطقة، حيث لايزال يعيش شعبه بكثير من العفوية والإرادة، ومزيج من التمدن والأصالة، ومع كل التحضر العمراني والتكنولوجي إلا أن الناس لاتزال محافظة على عاداتها، وتقاليدها وحبها لأرضها التي انتزعت منها منذ بداية شهر مارس 2011، وشردت من ديارها، وباتت تفتش عن ملاجئ تؤويها، وتناشد جميع الدول العربية والأوروبية، في أن يزودوها بالمؤن الغذائية، بالبطانيات التي تقيها البرد والصقيع، الذي لا يقوى عليهما رجال راشدون، فما بالنا بالأطفال القاصرين والشيوخ الطاعنين في العمر!! حيث تصل درجات البرودة في هذه الأوقات إلى صفر درجة مئوية في دمشق العاصمة، فما بالنا بالمناطق الريفية، التي تصل درجة البرودة فيها إلى 4 درجات تحت الصفر في عز النهار.نعم وللأسف، فقد حل ما حل بسوريا، تسونامي بشري لا يحمل أي ذرة من ذرات الإنسانية، وفي الوقت ذاته، النشرات الإخبارية لا تشير إلى عدوان صهيوني غاشم، بل انتقام ومجازر يرتكبها طاغية الشام في أهلها، الذين استذلهم وزرع الخوف في قلوبهم، لدرجة كانوا يقولون إن الجدران في سوريا لها أذنان، إلا أن الحقيقة المرة تقول إن الجدران لم تقتصر على الأذنين، بل لها لسان وشفتان، وما كان ليخطر على بالي أيضاً أنني سأحن لزحمة أسواقها الشعبية، وازدحام مطاعمها، وأتذكر بكثير من الحسرة، الأماكن التي مررت بها، والمساجد التي صليت بداخلها، أتذكرها وأزداد حرقة عندما أشاهدها دماراً، ورفاتاً. فلا أستطيع أن أستوعب هذا الكم من المجازر التي ترتكب بحق الشعب السوري الشقيق، وتنفذ كل دقيقة وساعة وكل يوم، وكأن هذا الطاغية قرر حكم الإعدام على الشعب بالمطلق.أنا لست بمحللة سياسية، ولا أتعدى على أصحاب الأقلام الفذة، ولا أحبذ أن آخذ هذا الدور، إلا أنني إنسانة تحاول أن تفهم السبب وراء مقدار الظلم الذي يقع على هذا الشعب الأعزل، الذي يطلب الكرامة، ولكن للأسف لم أجد أي جواب أو عبارة شافية، وإن لم تكن تربطني بأي فرد من أفراد هذا الشعب الشقيق، الذي لا يشعر بالأمن والأمان البتة، أي صلة، ولكن أعتز فخراً أن تربطني بهم علاقة أقوى، وهي الدين واللغة والإنسانية، وهذا كان الدافع لقلمي أن يتحرك، وإن كان صوته مكتوماً، فأقله لم ينم مستسلماً.وماأزال أسأل، وأنتظر متى سينتهي فيلم الرعب الذي تشهده سوريا؟! حيث صاحب السيناريو والحوار والقصة وإنتاجها بيد مخرج واحد، وهو الطاغية القابع في مخبئه، وأبطالها عشرون مليون نسمة، ينقصون فرداً كل دقيقة وجماعة كل ساعة. ولاشك أن انتظاري سيطول، لأنني يجب ألا أنسى أن الشعب السوري هو جزء من منظومة الأمة العربية والإسلامية.وهنا لابد من الجهود التي يقوم بها المخلصون من أبناء البحرين، لمساندة الشعب السوري الشقيق، وعلى رأسهم صاحب القلب الكبير عاهل البلاد المفدى.وصدق من قال: ســــــــــــلام مــــــــــــــــــن صبــــــــــــــا بـــــــــــــردىودمـــــــــــــع لا يكفكـــــــــــــف يـــــــــــــا دمشــــــــــــــق