هل شاهدت نخلة تتباهى بما تملك من شكل أو طول ثمر أو فائدة أمام السدرة؟ هل شاهدت غزالاً يتباهى أمام البقرة ويقول أنا أجمل منك؟ هل شاهدت النهر يتباهى أمام البحر ويقول أنا أكثر عذوبة منك؟
إذا لم تشاهد ذلك؛ فلماذا إذاً تتباهى أمام غيرك بمالك أو جمالك أو أصلك أو فصلك أو دينك ومذهبك؟ لماذا تتصور نفسك فوق الآخرين أو تحت الآخرين؟ لماذا تقارن نفسك مع غيرك؟
أنت كما كان يكرر أمامنا دائماً لنظرته الوجودية، الفنان الراحل سلطان سالم في نهاية الستينات؛ الإنسان قشرة وبشرة وفيها ما يعد ولا يحصى من الأوحال، ورغم أنني أختلف معه، فتحت البشرة هناك كنوز لا أحد يعرف حجمها، فلا النخل أفضل من شجرة المشموم ولا أنت أفضل أو أقل من أخيك أو أي إنسان فوق الكرة الأرضية.
يقول الحكيم الهندي أوشو في كتابه «من العبودية إلى الحرية»؛ عندما أقول العادية فأنا أقول: أسقط فكرة أن تكون مميزاً هذه الفكرة التي تحافظ على وسطيتك.
أن تكون عادياً هو أكثر الأشياء غير العادية في العالم، فقط شاهد نفسك هذه المشاهدة تؤذيك كثيراً، فكم هو مؤلم أن تتقبل نفسك كفرد عادي غير مميز، شاهد نفسك عندما تتقبل فكرة أنك عادي؛ عبء كبير سينزاح من على صدرك، ستجد نفسك فجأة في فضاء مفتوح طبيعي، فقط أنت كما أنت.
ويرى أوشو أيضاً أن الإنسان العادي هو المتفرد والبسيط والمتواضع، وبسبب بساطته وتفرده وتواضعه يصبح متميزاً ولكنه ليس لديه أدنى فكرة عن التميز، هو ببساطة يعيشها بلا وعي منه.
تأمل هذا التضاد؛ الناس الذين يعتقدون أنهم متميزون هم الذين ببساطة معاقون ووسطيون، والناس المتواضعون والذين يتقبلون أنفسهم كأناس عاديين مثلهم مثل أي إنسان آخر هم المتميزون حقاً، سوف تعرفهم من الضوء في عيونهم، وسوف تراهم من البركة في أفعالهم، لن ترى أبداً فيهم التنافس ولن ترى الغش والخداع؛ فهم ليسوا منافقين أو خائنين.
ما الذي يدفع الإنسان العادي ليكون منافقاً؟! هو يفتح قلبه لأي شخص ويتصرف بطبيعته لأنه لا يدعي أي شيء، فأنت تكون شخصية كتومة عندما تشرع بالادعاء، فبداخلك يدب شعور أنك عظيم سواء قلت ذلك أم لم تقله، وشيئاً فشيئاً يستمر عقلك بالتضخم من الأقنعة التي ترتديها والنفاق، وذلك يعتبر حالة مرضية.
الشخص المميز.. مريض.
ويتساءل أوشو؛ أتدرون من هو الشخص الذي يؤمن أنه مميز؟ هو ذلك الذي يعاني كثيراً من عقدة النقص، فعندما تخدع الآخرين شيئاً فشيئاً يتسرب هذا الخداع إلى نفسك وتوهمها بتميزك عليهم وأفضليتك عنهم، حينما تكون منافقاً، فأنت في خطر عظيم عاجلاً أو آجلاً ستعتقد أن ما تمثله على الآخرين هي ذاتك الحقيقية.
من هنا علينا أن نكون عاديين مع أنفسنا ومع الآخرين، عاديين في تصرفاتنا، عاديين في علاقاتنا بكل ما حولنا بدون ادعاء، الأشجار تعيش في محيطها وتحيا عمرها بلا ادعاء بالأفضلية عن غيرها من النباتات والحيوانات والجمادات، فلكل شيء عمله، وما على هذا الشيء إلا إنجاز مهمته التي خلق من أجلها؛ إنجازها بأفضل ما يملك من إمكانات.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}