قبل أيام خرجت مسيرات في بعض القرى تطالب بالقصاص من القتلة، والقصاص «مصطلح فقهي إسلامي وهو عقوبة مقدرة شرعاً تقضي بمعاقبة الجاني بمثل ما فعل». في هذا الخصوص ذكر بعض العلماء أن من حكم هذا التشريع وفوائده شفاء غيظ المجني عليه أو أوليائه، وهو ما يمنعهم من طلب الثأر أو محاولة الانتقام، وكذلك الردع عن ارتكاب الجريمة، فالجاني سيشعر بالخوف والاضطراب والتردد عن فعل الجريمة، إن علم أنه سيعاقب عليها بالقصاص، كما إن في القصاص حياة للمجتمع، وهو حكم الله في الأرض في حالة القتل المتعمد دون مبرر لهذا الفعل. والقرآن الكريم أشار إلى القصاص بوضوح (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم )، وقال أيضاً (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون). وفي اللغة، الاقتصاص هو مطلق المساواة والتتبع، ومنه تتبع الأثر.
لكن ممن سيتم القصاص في الأحداث التي شهدتها البحرين منذ فبراير 2011، ومن بإمكانه التأكيد بأن فلاناً أو علاناً قام بالقتل، وما إذا كان القتل متعمداً أم لا؟ مسألة أكثر من صعبة، ولا يمكن معها تجاوز فلسفة ومفهوم القتل، فليس بالضرورة أن يكون القتل بسلاح، وليس بالضرورة أن يكون القاتل هو القاتل «لو كان ينفذ أمراً مثلاً»، وليس بالضرورة أن يؤدي القتل إلى موت الجسد، ليعتبر المتسبب قاتلاً، فالضرر الذي يلحق بالنفس لا يمكن إلا أن يكون قتلاً والمتسبب فيه قاتلاً، والمتسبب في افتعال مواجهة بين ما يقال عنهم إنهم «متظاهرون» ورجال الأمن ينتج عنها وفاة «قتيل»، ليس من المنطق تبرئته، كونه شارك مع من أطلق الرصاص مثلاً أو رمى بزجاجة مولوتوف، وكما إن هذا الطرف من حقه المطالبة بالقصاص، فإن من حق الطرف الآخر أيضاً المطالبة به.
في حال الأحداث التي جرت هنا يصعب إثبات من تورط في القتل ليتسنى تطبيق القصاص عليه، وبالتالي فإن المطالبة بالقصاص تبدو مسألة غير واقعية، خصوصاً إن تم فلسفة الموضوع. كمثال على ذلك، لو أن مجموعة ما قامت بحجز طريق في أحد «الفرجان»، وأضرمت النيران في إطارات السيارات ورفعت شعارات مناهضة للحكم، وأدى ذلك إلى دخولها في مواجهات مع رجال الأمن الذين يبيح لهم القانون معالجة الحال بطريقة أو بأخرى، لإنهاء ذلك الوضع، وعلى فرض أن هذا الوضع أدى إلى وفاة شخص ما في المكان أو في البيوت الواقعة في المنطقة، فمن يكون القاتل حتى مع افتراض أن رصاصة أودت بحياته؟ هل هو رجل الأمن؟ أم من قام بحجز الطريق وأشعل النيران فيه وقام بإحداث الفوضى؟ المسألة فيها نظر دونما شك، وفيها تختلف الآراء والتفسيرات والتحليلات، ويقف القانون حائراً حيال ذلك الأمر.
الأشخاص الذين فقدوا حياتهم في أحداث البحرين من مختلف الأطراف، يصعب غالباً تحديد قاتليهم، ولا نملك إلا أن نحتسبهم عند الله، ونسأله أن يتولاهم برحمته، وبالتالي فإن المطالبة بالقصاص في هذه الحالة تنحرف لتتحول إلى المطالبة بالانتقام وطلب الثأر، وهو ما سيؤدي إلى إدخال البلاد في حالة من الفوضى لا تنتهي، ولنجد أنفسنا بعد قليل وقد انغمسنا جميعاً في هذا الدرب البعيد عن القصاص.
لا شك في أن القصاص يشفي غيظ أولياء المجني عليهم ويريحهم، لكنه في حالة البحرين والأحداث التي مرت عليها، يصعب تحديد من يمكن تطبيق القصاص عليه، إلا في حالات قليلة يحسم أمرها القضاء.
لعل الأولى من تلك المطالبات الدفع نحو التصالح.
{{ article.visit_count }}
لكن ممن سيتم القصاص في الأحداث التي شهدتها البحرين منذ فبراير 2011، ومن بإمكانه التأكيد بأن فلاناً أو علاناً قام بالقتل، وما إذا كان القتل متعمداً أم لا؟ مسألة أكثر من صعبة، ولا يمكن معها تجاوز فلسفة ومفهوم القتل، فليس بالضرورة أن يكون القتل بسلاح، وليس بالضرورة أن يكون القاتل هو القاتل «لو كان ينفذ أمراً مثلاً»، وليس بالضرورة أن يؤدي القتل إلى موت الجسد، ليعتبر المتسبب قاتلاً، فالضرر الذي يلحق بالنفس لا يمكن إلا أن يكون قتلاً والمتسبب فيه قاتلاً، والمتسبب في افتعال مواجهة بين ما يقال عنهم إنهم «متظاهرون» ورجال الأمن ينتج عنها وفاة «قتيل»، ليس من المنطق تبرئته، كونه شارك مع من أطلق الرصاص مثلاً أو رمى بزجاجة مولوتوف، وكما إن هذا الطرف من حقه المطالبة بالقصاص، فإن من حق الطرف الآخر أيضاً المطالبة به.
في حال الأحداث التي جرت هنا يصعب إثبات من تورط في القتل ليتسنى تطبيق القصاص عليه، وبالتالي فإن المطالبة بالقصاص تبدو مسألة غير واقعية، خصوصاً إن تم فلسفة الموضوع. كمثال على ذلك، لو أن مجموعة ما قامت بحجز طريق في أحد «الفرجان»، وأضرمت النيران في إطارات السيارات ورفعت شعارات مناهضة للحكم، وأدى ذلك إلى دخولها في مواجهات مع رجال الأمن الذين يبيح لهم القانون معالجة الحال بطريقة أو بأخرى، لإنهاء ذلك الوضع، وعلى فرض أن هذا الوضع أدى إلى وفاة شخص ما في المكان أو في البيوت الواقعة في المنطقة، فمن يكون القاتل حتى مع افتراض أن رصاصة أودت بحياته؟ هل هو رجل الأمن؟ أم من قام بحجز الطريق وأشعل النيران فيه وقام بإحداث الفوضى؟ المسألة فيها نظر دونما شك، وفيها تختلف الآراء والتفسيرات والتحليلات، ويقف القانون حائراً حيال ذلك الأمر.
الأشخاص الذين فقدوا حياتهم في أحداث البحرين من مختلف الأطراف، يصعب غالباً تحديد قاتليهم، ولا نملك إلا أن نحتسبهم عند الله، ونسأله أن يتولاهم برحمته، وبالتالي فإن المطالبة بالقصاص في هذه الحالة تنحرف لتتحول إلى المطالبة بالانتقام وطلب الثأر، وهو ما سيؤدي إلى إدخال البلاد في حالة من الفوضى لا تنتهي، ولنجد أنفسنا بعد قليل وقد انغمسنا جميعاً في هذا الدرب البعيد عن القصاص.
لا شك في أن القصاص يشفي غيظ أولياء المجني عليهم ويريحهم، لكنه في حالة البحرين والأحداث التي مرت عليها، يصعب تحديد من يمكن تطبيق القصاص عليه، إلا في حالات قليلة يحسم أمرها القضاء.
لعل الأولى من تلك المطالبات الدفع نحو التصالح.